حيفا في عمّان

أقيم في العاصمة الأردنيّة، عمّان، يوم 2 أيّار 2016، حفل توقيعٍ للكتاب المصوّر "حيفا.. الكلمة الّتي صارت مدينة"، بتنظيمٍ مشتركٍ بين الدّار النّاشرة "الآن ناشرون وموزّعون"، ومركز "الرّأي" للدّراسات، وبحضور رئيس الوزراء الأردنيّ الأسبق، الدّكتور معروف البخيت، بصفته راعيًا للحفل.

استعرض راعي الحفل ونخبةٌ من الباحثين والكتّاب، شهاداتٍ تنوّعت حول الكتاب ومحتواه النّصيّ والفنّيّ والصّوريّ، وأخرى عن تجربة الكاتب الدّكتور جوني منصور (حيفا)، وقد كانت السّمة الأميز للحفل التّكرار المموسق لكلمة "حيفا"، حتّى غدا الحفل أشبه بكونشرتو من الصّور والذّكريات المأسوف على بعضها، والمهمّة، والشّائقة، حتّى المضحكة منها، وقد غدت كلمة "حيفا" مدينةً حيّةً بكامل تفاصيلها داخل خيال المكان والحضور، الّذين تورّطوا في جمال المدينة الموصوفة، حتّى قبل أن يتورّطوا في قراءة الكتاب.

رحلة

بدا الحفل، ومنذ بدايته، مشحونًا بالشّجن، وقد كانت أولى كلماته لعريف الحفل، النّاشر والكاتب الأردنيّ جعفر العقيلي، الّذي استعرض على نحوٍ مقتضبٍ السّلوك المرجعيّ للكتاب، في حديثه عن كلّ تفاصيل حيفا، وفي الفترة الّتي تلي عشرينات القرن الماضي، دون أن يكون كتابًا نخبويًّا، بل هو يصلح أن يكون مرجعًا لكلّ إنسانٍ حيفاويٍّ وفلسطينيّ.

وقال العقيلي في تقديمه للحفل: "حيفا.. الكلمة الّتي صارت مدينة"، كتابٌ ألبوميٌّ يعرض نمط حياة الإنسان في المدينة، ويصلح أن يكون مرجعًا في مواجهة تزييف المعلومات،" قبل أن يشيد بالدّكتور جوني منصور، ويصفه بالمؤرّخ الجادّ والملتزم، ليعطي بعدها الكلمة للدّكتور معروف البخيت.

دهش الدّكتور معروف البخيت – على حدّ تعبيره - حين علم أنّ الكتاب الّذي قرأه برويّةٍ جهدٌ فرديٌّ للباحث جوني منصور، وليس لفريق عملٍ كاملٍ، ووصف الكتاب بأنّه رحلةٌ في ذكرياتٍ بعيدةٍ حميمةٍ على القلوب، لمن يعرفون حيفا، وكذلك لمن لا يعرفونها إلّا بالحبّ، وأضاف: "هذا الكتاب إضافةٌ مهمّةٌ ونوعيّةٌ للمكتبة العربيّة، ويمنح لمجمل الذّاكرة الفلسطينيّة عملًا موسوعيًّا مفصّلًا ومصوّرًا."

موسوعة

أمّا عن كلمة الدّكتور زيد حمزة، وزير الصّحّة الأسبق، فقد استهلّها بتحيّةٍ للأهل الصّامدين في الأرض المحتلّة، قائلًا: "إنّ هذا الكتاب، ’حيفا... الكلمة الّتي صارت مدينة‘، يفتح الشّهيّة للحديث عن أهلنا الصّامدين فيما يسمّى فلسطين 48، رغم إهمالنا ومقاطعتنا لهم،" واصفًا الكتاب بأنّه موسوعةٌ مصوّرةٌ لتاريخ هذه المدينة الصّابرة، ومرجعٌ لقصص وحكايات أهلها الّذين صمدوا شوكةً في خصر الاحتلال، رغم كل ما عاشوه.

وأجرى الدّكتور حمزة مقارنةً لافتةً تجمع بين تجربة الدّكتور جوني منصور في هذا الكتاب، وبين تجربة الباحث والمؤرّخ الأمريكيّ، هوارد زين Howard Zinn، في كتابه "التّاريخ الشّعبيّ في الولايات المتّحدة"، (A People's History Of The United States).

واستعرض حمزة لحظاتٍ بالغة الأهميّة في الكتاب، منها تاريخ 17 آذار (مارس) 1948، الّذي استُشْهِدَ فيه قائد حامية حيفا، المناضل الأردنيّ محمّد حمد الحنيطيّ، بما يعكسه هذا الحدث من علاقةٍ متجذّرةٍ بين الأردنّ وفلسطين، بالإضافة إلى عددٍ من القصص والشّخصيّات، مثل الشّاعر الحيفاويّ حسن البحيري، الّذي أوضح أنّه لم يسمع به من قبل وعن علاقته بالشّاعر المصريّ الكبير أحمد رامي، وكذلك عن علاقة أمير الشّعراء أحمد شوقي بالمناضل الكبير مكرم عبيد في مدينة حيفا.

درّة المتوسّط

من جهته، تلا وزير الثّقافة الأسبق، الشّاعر جريس سماوي، شهادةً نصّيّةً لم تخلُ من الشّعريّة حول الكتاب، واصفًا إيّاه بأنّه "كتابٌ موسوعيٌّ جاذبٌ وممتعٌ، تدخلك صفحاته في رحلةٍ وجدانيّةٍ نحو حيفا المدينة الفاتنة، الّتي لطالما أثارت المخيّلة... تتجوّل في أزقّتها وحاراتها، وترصد عبره حركتها وحراكها."

كما قال سماوي: "يسجّل لجوني منصور أنّه كان وفيًّا للصّورة السّحريّة الموجودة في أذهاننا عن حيفا، وفي ذات الوقت قدّم لنا استقراءً واقعيًّا لدرّة المتوسّط الّتي كان يباهي بها أهل فلسطين، بل أهل سوريا كلّهم." كما أشار في مكانٍ آخر من كلمته، إلى أنّ الكتاب يرصد احتلالاتٍ مختلفةً منذ نهاية العهد العثمانيّ، وسواء كان المحتلّ أحمد باشا الجزّار، أو الإنجليز، أو الصّهاينة، إلّا أّن الكتاب يظهر كيف أنّ حيفا كانت تعاود إنتاج ثقافتها، ما يلفت الانتباه إلى تلك ذلك الرّقيّ الحضاريّ على كافّة المستويات، الّذي كانت تمتاز به حيفا، كما نبّه إلى أنّ الكتاب يظهر دور المرأة الحيفاويّة وقوّة حضورها في شؤون الحياة.

أمّا الدّكتور سميح مسعود، فقد تحدّث بشجنٍ مهيبٍ عن رموز وشخصيّات وأحداث وأركان مدينة حيفا، والّتي وصفها بأنّها كانت مدينةً لكلّ من يريد أن يعمل، ولذلك كانت تسمّى "أمّ العمل".

الصّورة.. سلاح

ثمّ اختتمت الكلمات بكلمةٍ للدّكتور جوني منصور، استعرض فيها تجربته في هذا المؤلّف الضّخم، والّذي استغرق منه أكثر من عقدين من العمل، في جمع ألبومات العائلات الحيفاويّة، سواء المرابطة فيها أو الّتي هُجِّرَتْ، والوثائق والنّصوص التّاريخيّة عنها. وتحدّث المؤلّف عن نصوص الكتاب التّاريخيّة، وهي مجموعة استقصاءاتٍ وبحوثٍ مكثّفةٍ، نصّيّةٍ وشفاهيّةٍ.

ثمّ تحدّث منصور عن الذّاكرة التّاريخيّة والذّاكرة الجماعيّة، وفرّق بينهما بكونهما يتناقضان كثيرًا في رؤية الواقع، لكنّهما يقدّمان تفسيرًا متكاملًا له، الأمر الّذي يجعل من الكتاب سلسلة شهاداتٍ حيّةٍ تعزّز رواية الفلسطينيّين بأنّهم أصحاب حقٍّ وحضارةٍ وتاريخٍ وطموحٍ مثل باقي شعوب الأرض.

وختم منصور حديثه عن الصّورة الفوتوغرافيّة في الكتاب، وهي ذكرياتٌ خُلِّدَتْ في لحظةٍ معيّنةٍ لفترةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ، معتبرًا أنّها سلاحٌ ضدّ نسيان الماضي البعيد، وهي بمثابة الذّاكرة الخارجيّة للإنسان، تتلاقى مع الصّور الذّهنيّة لديه، لتعيده إلى زمن التقاط الصّورة وما تحمله من حنينٍ وعواطفَ وجدانيّةٍ.

عن المؤلّف

الدّكتور جوني منصور، من مواليد حيفا سنة 1960. محاضرٌ في مادّة تاريخ العرب والإسلام والقضايا الإسرائيليّة. أصدر دراساتٍ وبحوثًا عديدةً، منها: "رؤيةٌ جديدةٌ لحياة وأعمال المطران غريغوريوس حجّار"، "شوارع حيفا العربيّة"، "مسارات حيفا العربيّة"، "الاستيطان الإسرائيليّ"، "مسافةٌ بين دولتين"، "الأعياد والمواسم في الحضارة العربيّة"، "معجم المصطلحات الصّهيونيّة والإسرائيليّة"، "المؤسّسة العسكريّة في إسرائيل"، "إسرائيل الأخرى، رؤيةٌ من الدّاخل"... وله الكثير من المقالات المنشورة في المجلّات العربيّة والأجنبيّة.