مقاطعة دوليّة لمهرجان الأفلام المثليّة الإسرائيليّ؛ ماذا عن الفلسطينيّين؟

أعلن خمسة مدعوّين لمهرجان الأفلام المثليّة الإسرائيليّ، من أصل اثني عشر من مختلف دول العالم، عن مقاطعتهم للمهرجان الذي يُقام في مدينة تل أبيب خلال هذا الأسبوع، ويأتي ضمن ما  يسمّى بـ 'شهر الفخر'، حيث تنظّم عدّة نشاطات، منها مسيرة الفخر الإسرائيليّة السنويّة.

'غسيل ورديّ'

تأتي هذه المقاطعة على ضوء النداء الذي أطلقته مجموعة نشطاء فلسطينيّين ضمن حملة المقاطعة الدوليّة لإسرائيل (BDS)، داعين إلى مقاطعة حملات البروبوغندا الإسرائيليّة، وتحديدًا ما بات يُعرف بـ 'الغسيل الورديّ'، التي تعطي شرعيّة للاحتلال الإسرائيليّ وتغطّي جرائمه.

من ضمن المقاطعين المخرج الجنوب أفريقيّ، جون تريتنجوف، وهو حاصل على 'جائزة جنوب أفريقيا للإخراج'، والمخرجة والكاتبة الأميركيّة التي ترشّحت لجائزة 'إيممي'، كاثرينا جوند، ومديرة أعمالها داريشا كاي، والفريق الكامل لشركة 'أوبين بيكتشرز'، التي أنتجت فيلمًا عن المغنّية المكسيكيّة تشافيلّا.

كما قاطعت الممثّلة والكوميديّة الكنديّة، فوزيّة ميرزا، المهرجان، وتحدّثت تقارير إعلاميّة عن مقاطعة كلّ من المخرجة الألمانيّة هيلين هيجمان، والممثّلة السويسريّة جاسنا باوير، والفلسطينيّة المقيمة في الدنمارك نادية إبراهيم. ونتيجة لذلك، ألغى المهرجان من برنامجه ندوة كاملة كانت بعنوان 'المرأة في السينما'.

جون ترينجوف

أنا من جنوب أفريقيا

وقد قال جون تريتنجوف في رسالة عن الموضوع: 'مع كلّ آلام النضال ضدّ نظام الفصل العنصريّ في جنوب أفريقيا، التي ما زالت حاضرة في وعينا الجماعيّ، وهي قضيّة حسّاسة لأبناء جنوب أفريقيا، أشعر أنّه من الضروريّ أن أنسحب من المشاركة. من المستحيل أن أقبل المشاركة في مهرجان يغضّ النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دولة إسرائيل'.

وأضاف: 'من الضروريّ مقاطعة المبادرات التي تموّلها الحكومة الإسرائيليّة، وكوني من جنوب أفريقيا، لديّ خبرة مباشرة في كيفيّة مساعدة حملات المقاطعة في تحقيق التحوّل الديموقراطيّ، لذلك قرّرت إضافة اسمي وصوتي إلى مبادرة مقاطعة إسرائيل'.

تغطية الانتهاكات

كاثرينا جوند

أمّا الكاتبة والمخرجة الأميركيّة كاثرينا جوند، ومديرة أعمالها داريشا كاي، فقالتا في رسالة لهما: 'مهرجان الأفلام في تل أبيب مدعوم من جهات حكوميّة إسرائيليّة، تتواطأ على نحو مباشر مع انتهاكاتها للقانون الدوليّ، والتي تشمل الحروب المستمرّة، وقمع الفلسطينيّين، واحتلالها للأراضي الفلسطينيّة. تهدف الأحداث الثقافيّة، مثل هذا المهرجان، إلى تغطية هذه الانتهاكات، ونحن على المستويين الشخصيّ والسياسيّ، لا يمكننا تأييد ذلك. لا ينبغي لفيلمنا الذي يقدّم رؤية للسلام والحرّيّة أن يشارك في حدث ثقافيّ مموّل من الحكومة الإسرائيليّة، لذلك نحن نقف متضامنين مع نداء المقاطعة'.

كما أكّدتا في رسالتهما على أنّ شركة 'أوبين بكتشرز' للإنتاج، وكلّ الفريق العامل فيها، ملتزمون بالمقاطعة الثقافيّة لإسرائيل، ولن يشارك أيّ أحد من أعضائها في المهرجان أو نشاطات أخرى، وأنّهم مؤيّدون لجهود المقاطعة الدوليّة الرامية إلى دعم حقوق الفلسطينيّين في كلّ مكان.

وعقّبت حنين معيكي، مديرة 'جمعيّة القوس للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ' قائلة: 'بصفتنا كويريّين فلسطينيّين، نرحّب ترحيبًا حارًّا بتجاوب الفنّانين المبدعين مع المقاطعة، رافضين السماح لفنونهم بتغطية الانتهاكات الإسرائيليّة من خلال الغسيل الورديّ الذي يقوم به هذا المهرجان'.

مشاركات عربيّة باسم 'حقوق المثليّين'!

وأصدرت 'جمعيّة القوس'، بالمشاركة مع اللجنة الوطنيّة لمقاطعة إسرائيل من الداخل، بيانًا المهرجان الذي يأتي ضمن فعاليّات 'شهر الفخر' في تل أبيب ومدن أخرى، وذلك بعد الجدل الحادّ بين نشطاء حول استغلال 'حقوق وظهور المثليّين' من أجل الدعاية الصهيونيّة، والتي تعرض إسرائيل حاميةً للمثليّين/ ات من جهة، وآخرين ممّن يدافعون عن اشتراكهم هذا على أنّه دعم 'للنضال من أجل حقوق المثليّين/ ات' من جهة أخرى.

ميسلون حمّود

وجاء في البيان: 'في السنتين الأخيرتين، نلحظ ازديادًا في اشتراك نشطاء وفنّانين/ ات فلسطينيّين/ ات في هذه الفعاليّات، ليتحوّل النقاش من مشاركة أفراد إلى تمثيل رسميّ يهلّل له البعض على أنّه إنجاز لدعم النشاط ضدّ القمع الجنسيّ والجندريّ. هذا 'التمثيل'، وعلى الرغم من النوايا الحسنة، ما هو إلّا اختيار شخصيّ يُبدّي اعتبارات شخصيّة آنيّة وضيّقة على المصلحة العامّة، سواء في النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطينيّ بشكل كلّيّ، أو من أجل حقوق المثليّين/ ات والمقموعين/ ات جنسيًّا وجندريًّا بشكل خاصّ'.

وقال البيان أيضًا: 'إنّ مشاركة فلسطينيّي أراضي عام 1948 في أيّ نشاط إسرائيليّ - دوليّ ومدعوم من الدولة، أو من المؤسّسات المتواطئة في نظام الاحتلال والاستعمار الاستيطانيّ، والفصل العنصريّ (الأبارتهايد)، تشكّل ورقة توت تساهم في إخفاء الجرائم الإسرائيليّة بحقّ شعبنا، كلّ شعبنا، كما تغطّي على كون فعاليّات الفخر هذه جزء من حملات 'الغسيل الورديّ' التي تسوّق إسرائيل على أنّها جنّة للمثليّين، بدلًا من صورتها الحقيقيّة، وهي كونها دولة اضطّهاد وعنصريّة'.

وأضاف: 'في الأسبوع الأخير، وبعد نجاح حملة المقاطعة ضدّ فعاليّات الفخر في تل أبيب، والتي تقودها مؤسّسات مثليّة فلسطينيّة، بالشراكة مع الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة لإسرائيل، لإقناع عدد كبير من الفنّانين/ ات الدوليّين/ ات بمقاطعة المهرجان، أُعْلِنَ عن مشاركة الناشطة سميرة سرايا (اقرأ بيان أصوات في هذا الشأن)، والمخرجة ميسلون حمّود (مخرجة فيلم 'برّ بحر') في لجنة تحكيم مهرجان السينما المثليّة في تل أبيب، ومشاركة المغنّية لينا مخّول في عرض غنائيّ تقدّمه على المنصّة المركزيّة لمسيرة الفخر في يوم 9 يونيو'.

لينا مخّول ضمن ملصق دعائي
لجهات إسرائيلية 

وأكّد البيان على أنّه لا يمكن أن نعدّ هذه المشاركات أمرًا عشوائيًّا، أو أن نتقبّل الأهداف المعلنة لهؤلاء الناشطات والفنّانات بصفتها 'دعم للنضال المثليّ الفلسطينيّ'، لأنّ منظّمات إسرائيليّة متورّطة في الاحتلال و'الغسيل الورديّ' تستعمل نشطاءً فلسطينيّين من ضمن الأوراق الرابحة ضدّ حملات المقاطعة والتطبيع، وضدّ أيّ خطاب فلسطينيّ مثليّ يُعْلَن ضدّ استغلال 'حقوق المثليّين'. فقد استشهد 'مدير مهرجان السينما المثليّة' باسمَي سميرة سرايا وميسلون حمّود في الصحافة، لكي يدعم ادّعاءه بأنّه لا علاقة لمهرجانه بحملات 'الغسيل الورديّ'. ولن نستغرب أن تستخدم بلديّة تل أبيب، ومعها منظّمو 'مسيرة الفخر'، لاحقًا، اسم لينا مخّول، في محاولة يائسة لتضليل الأنظار عن حقيقة أنّ 'مسيرة الفخر' الإسرائيليّة والفعاليّات الملازمة لها، جزء من ماكينة الدعاية والبروباغاندا الصهيونيّة.

ورأى البيان أنّ الدعم العلنيّ لموضوع الحرّيّات والتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة من أيّ فلسطينيّ، أمر في غاية الأهمّيّة، وثمّة أطر وأنشطة فلسطينيّة مختلفة يمكن من خلالها المساهمة وتقديم هذا الدعم. لكن من المهمّ أن نتذكّر بأنّ المنظّمات والناشطين، من مثليّات، ومثليّين، ومتحوّلات، ومتحوّلين، وحلفائهم في فلسطين، يرون في محاربة سياسات وحملات 'الغسيل الورديّ' جزءًا أساسيًّا، لا يتجزّأ، من نضالنا التحرّريّ، الوطني والاجتماعيّ، كون هذه السياسات تستغلّ هويّاتنا وتجاربنا الجنسيّة والجندريّة لتعزيز الفكرة الزائفة أنّ دولة إسرائيل، وتحديدًا مدينة تل أبيب، المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي يحمي المثليّين والمتحوّلين، ويمنحهم الحقوق والحرّيّات التي لا ننالها في مجتمعنا، ولن ننالها. وفق هذا التوجّه، فإنّ الشعوب العربيّة بعامّة، والشعب الفلسطينيّ بخاصّة، تُقدّم في هذه الدعاية الصهيونيّة شعوبًا 'عنيفة' في جوهرها، ولذلك فإنّ استعمارنا ليس شرعيًّا فحسب، إنّما 'ضرورة' لمنح الحرّيّة للمقموعين والمهمّشين، كالمثليّين/ ات والمتحوّلين/ ات، وكذلك النساء وفئات أخرى.

احتفاء بالمثليّة وإخفاء الاحتلال

ويرى العديد من النشطاء الفلسطينيّين، وفق البيان، أنّ هذا العرض على إخفاء حقيقة كون العلاقة بين 'المثلي' الفلسطيني و'المثلي' الاسرائيلي هي علاقة مستعمَر-مستعمِر لا علاقة 'ضحية-منقذ'. كما إنه، وككل الدعاية التي يقدمها المستعمرون عبر التاريخ، يحث 'المثليين' على الانسلاخ عن مجتمعهم، عبر تبسيط الهويات المركبة الى 'مثلي' فقط، وتجاهل 'الفلسطيني'، والتركيز على قمع المجتمع 'الذي لا أمل في تغييره'، مع تجاهل يكاد يكون متعمدًا لمستويات القمع المختلفة، وعلاقتها ببعضها، والتي يتعرض لها اشخاص يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة في فلسطين سواء كان جنسيًّا، استعماريًّا، احتلاليًّا، اقتصاديًّا الخ. هذا المنطق الاستعماري الذي تستند عليه رواية 'الغسيل الوردي' يحاول ترسيخ فكرة مفادها أنه ليس هناك أي وكالة أو قدرة 'للمثليين' الفلسطينيين على التغيير، وتحاول إخفاء حقيقة وجود مؤسسات عريقة تعمل منذ أكثر من 15 عاما داخل المجتمع الفلسطيني على مناهضة القمع الجنسي والجندري في مجتمعنا.

وجاء في البيان أنّ 'مهرجان الفخر' في تل أبيب، على الرغم من أنّه يظهر للوهلة الأولى احتفاءً بالتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة، ما هو إلّا جزء لا يتجزّأ من ماكينة الدعاية الصهيونيّة، التي تستغلّ حقوق المثليّين لتجميل وجه إسرائيل أمام العالم. تعمل هذه المهرجانات، وبدعم من بلديّة تل أبيب وحكومة إسرائيل، على استقطاب فنّانين، وسائحين، وصحافيّين من أنحاء العالم، تحت مسمّى 'حقوق المثليّين'، ولكنّها تهدف في الحقيقة إلى استخدامهم وتوظيف حضورهم بصفتهم 'سفراء'، وتجنيدهم داعمين، بهدف تغيير صورتها من دولة احتلال وأبارتهايد إلى دولة منفتحة وودّيّة تجاه المثليّين.

ومن هذا المنطلق، وفق البيان، فإنّه لا يمكن للمشاركات الفلسطينيّات في فعاليّات 'الفخر الإسرائيليّ' (والتي تُنظَم هذا العام في تل أبيب خلال أسبوع الذكرى الـ 50 للنكسة وكأنها تعقد في مكان آخر لا يمت للاحتلال بصلة) الوقوف وراء الادعاء الساذج بأن اشتراكهن هو من أجل 'دعم نضال المثليين الفلسطينيين'. بل إنّ مشاركتهن تنجم من وعي تامّ ، تغلّبها اعتبارات فردية ضيقة وتغلفها كمصلحة عامة في تجاهل كامل لمعايير المقاطعة ومناهضة التطبيع التي توافقت عليها فئات واسعة من الشعب الفلسطيني، ولنشاط الحراك المثلي الفلسطيني ضد 'الغسيل الوردي' في العقد الأخير.

وخلص البيان إلى القول: 'إنّ تحرّرنا الوطنيّ والاجتماعيّ لا يمكن أن يأتي من بوّابة الانخراط في مشاريع ومهرجانات نظام الاحتلال والاستعمار الإسرائيليّ، بل من نضالنا المشترك والحثيث بأشكاله، عبر إصرارنا على حقوق شعبنا، كلّ شعبنا، بهويّاته المتعدّدة'.

سميرة سرايا

جمعيّة 'أصوات': سميرة سرايا لا تُمثلنا ونحيّي المقاطعين

وأصدرت جمعيّة 'أصوات - نساء مثليّات فلسطينيّات'، بيانًا قبل أيّام، أكّدت فيه على أنّ سميرة سرايا، التي نُشر اسمها بصفتها عضوة في لجنة التحكيم الرسميّة للمهرجان، لتحكيم الأفلام الوثائقيّة، كانت مشاركة في تأسيس 'أصوات' عام 2003، إلّا أنّها لم تعد جزءًا من الجمعيّة منذ عام 2008، وسياستها بعد ذلك لا تعكس أو تمثّل 'أصوات'.

وقال البيان 'نحن نأسف لأنّ بعض الفنّانين والفنّانات الفلسطينيّين ما زالوا يقعون في فخّ ’الغسيل الورديّ‘، ويسمحون لأنفسهم أن يكونوا ورقة تين لتغطية انتهاكات حقوق الإنسان. إنّ مهرجان تل أبيب للأفلام المثليّة ترعاها وكالات في إسرائيل، تتواطأ مع انتهاكات إسرائيل للقانون الدوليّ، كما يشجّع المهرجان نفسه، من خلال الأفلام المعروضة فيه، على استخدام 'حقوق المثليّين' بشكل يغضّ النظر عن الانتهاكات الإسرائيليّة لحقوق الإنسان'.

وأضاف البيان: 'وعلى عكس ’الغسيل الورديّ’ الإسرائيليّ، تنظّم ’أصوات‘ مهرجان 'كوز' السينمائيّ الفلسطينيّ المستقلّ النسويّ. يقدّم 'كوز' بديلًا لسياسات وممارسات الغسيل الورديّ الإسرائيليّ، والمحظورات الاجتماعيّة المتعلّقة بالحياة الجنسيّة والحرّيّات الجنسانيّة. إنّ عرض وجهات النظر في سياقها من داخل فلسطين والمنطقة العربيّة، يؤكد من جديد، ويشجّع فكرة إنتاج الفنّ الكويريّ أداةً مقاومة في النضال من أجل الحرّيّات الجنسيّة والتحرّر الوطنيّ'.

وحيّى البيان الفنّانين الدوليّين المقاطعين للمهرجان، لأنّهم يدركون أنّ الكفاح من أجل العدالة والحرّيّة والمساواة يبدأ عندما يتّخذون موقفًا مبدئيًّا ضدّ الظلم.