هكذا تحدّى كتّاب غزّة منع وصولهم إلى رام الله

من معرض كتّاب غزّة

 

ترفض غزّة باستمرار أن تكون حاشية على هامش نصّ بفعل الحصار، بعيدة عمّا يجري خارج إطار هذه المساحة أو السجن الكبير، وفق وصف كثيرين، لتظهر محاولات حثيثة يبذلها الكتّاب والناشطون الثقافيّون المحاصرون، في سبيل جعلها أكثر حضورًا في المشهد الثقافيّ العامّ.

 

بساطة فاعلة

من أبرز تلك المحاولات، إقامة معرض للكتّاب في مدينة غزّة، تزامنًا مع معرض فلسطين الدوليّ بدورته الـ 11، الذي بدأ أعماله على أرض مشروع المكتبة الوطنيّة برام الله، في 3 أيّار (مايو) 2018، والذي حُرم الكتّاب الغزّيّون من حضوره بفعل رفض الاحتلال منحهم تصاريح عبور إلى الضفّة الغربيّة، وفي ظلّ وجود انتقادات لوزارة الثقافة الفلسطينيّة، المنظّمة المعرض، تشير إلى تقصير وعدم مهنيّة في إجراء استصدار التصريحات، استغلّتها سلطات الاحتلال.

 

 

وعلى بساطة المعرض الذي يشارك به 45 كاتبًا ودارا نشر، و10 فنّانين تشكيليّين بلوحات مختلفة، بتمويل من مؤسّسة بيت الصحافة، وقد أقيم في مقرّها بالتزامن مع اليوم العالميّ لحرّيّة الصحافة، إلّا أنّه حظي بإعجاب عدد كبير من الكتّاب والناشطين الثقافيّين، الذين لم يتمكّنوا حتّى اليوم من المشاركة في معارض خارج غزّة.

 

لغزّة طريقتها الخاصّة

غير أنّ البعض حاول التلميح إلى أنّ إقامة المعرض في غزّة قد يُفسّر بكونه جاء في إطار المناكفة بين الطرفين المسيطرين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، والمنقسمين سياسيًّا. إلّا أنّ الكاتب مجد أبو عامر، أحد القائمين على تنظيم هذا المعرض، قال لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة: "إنّ توقيت تنظيم هذه الفعاليّة الثقافيّة لم يأتِ نكاية في أحد، إنّما لملء الفراغ الحاصل في المشهد الثقافيّ نتيجة حرمان الكتّاب في غزّة من المشاركة في معرض الكتاب برام الله".

 

 

وأشار أبو عامر، في غمرة انشغاله بالتحضير لأوّل ندوة تعقد على هامش المعرض، أنّه كان لا بدّ من إثبات أنّ غزّة لها طريقتها الخاصّة في التعبير عن نفسها والاحتفال بكتّابها، وللدلالة على أنّها تكتب وتطبع وتستطيع أن تعبّر عن نفسها، مؤكّدًا في الوقت نفسه على أنّ أهمّيّة المعرض تنبع من قدرته على امتصاص حالة الغضب التي تتملّك الكتّاب الشباب الممنوعين من الانتقال لجزء آخر من الوطن".

وقال: "يجب ألّا نكون مثل الفئران، نلهث خلف تصريح يصدره الاحتلال. لدينا مشهد ثقافيّ مميّز أيضًا، ويجب أن يُسلّط الضوء عليه. إذا استطاع الاحتلال أن يعزّز الانقسام السياسيّ، فلن ينجح في الفصل الثقافيّ بيننا"، مبيّنًا أنّ الحالة القائمة الآن في غزّة، لا تقلّل من أهمّيّة معرض الكتاب المنعقد في رام الله، بل هي مكمّلة لها.

ولكن أبو عامر، الذي صدر له حديثًا كتاب "مقبرة لم تكتمل"، عاد وأكّد على أنّ الحاجة للمعرض في غزّة تنبع من الحاجة إلى التفاعل بين الكاتب والقارئ، "التفاعل بين المبدع والمتلقّي أهمّ ما في المعرض"، ويبيّن أنّ هذا ما يميّز هذا المعرض تنظيم ندوات وأمسيات ثقافيّة على هامشه، وبذلك يمكن من صنع قناة حوار بين الكاتب والقارئ.

 

 

 

مصدّرة للإبداع

وانغمس عدد كبير من الزوّار في مطالعة الكتب المتنوّعة والمعروضة داخل مساحة لم تتجاوز 50 متر مربّع تقريبًا، وقد حظيت باهتمام شريحة كبيرة من الزوّار، من كتّاب أو طلبة أو مهتمّين.

وذهب الكاتب محمود جودة إلى ما ذهب إليه سابقه، أبو عامر، في التأكيد على أنّ من حقّ غزّة أن تقول كفى لقرار المنع الإسرائيليّ من السفر للمشاركة في معرض الكتاب برام الله.

وقال جودة بعد أن انتهى من تقديمه لندوة "إشكالات قصيدة النثر العربيّة"، المقامة على هامش المعرض، "هذه المرّة الرابعة التي يمنع فيها كتّاب غزّة من المشاركة في معرض الكتاب برام الله، ولذلك لا يجب أن تظلّ صامتة وأسيرة لتصريح مرور يصدره الاحتلال. هذا جهد مبذول من الكتّاب الشباب، وقد جاء للتكامل مع الحالة الثقافيّة التي تشهدها الضفّة الغربيّة، وللتصدّي للاحتلال وعدم التسليم بإرادة الفصل".

 

 

وعَدَّ جودة في سياق حديثه لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، أنّ الحصار الثقافيّ الممارس على غزّة يُعَدّ خطيرًا، إذ يسعى من خلاله الاحتلال إلى الحدّ من الإبداع والفعل الثقافيّ، مؤكّدًا على أنّ الاحتلال يحاول تشويه صورة غزّة وكتّابها، بصفتهم إرهابيّين، "لكنّنا هنا الآن، حتّى نعبّر عن الحالة الحقيقيّة لغزّة المثقّفة والواعية والمصدّرة للإبداع".

 

وجه حقيقيّ

وقال الكاتب محمود الشاعر، رئيس تحرير "مجلّة 28"، الراعي الإعلاميّ للمعرض، إنّ مجلّته تُعَدّ مساحة للكتّاب الشباب، ولهذا آثرت أن تكون المنصّة الإعلاميّة لهذا المعرض، حتّى تعبّر عن رأي الكتّاب الشباب في غزّة، الذين يطمحون إلى إيصال صوتهم للعالم.

وأكّد الشاعر لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، على أنّهم رغبوا بتقديم خدمة لفئة الشباب، عبر مساندتهم في تنظيم معرض الكتّاب بغزّة، وإعطائهم المساحة الحقيقيّة التي يحتاجونها في التعبير عن حقّهم في الحياة وإبراز إبداعاتهم ومنتجاتهم الأدبيّة.

 

 

وثمّن في الوقت نفسه الجهود الذاتيّة التي يبذلها الكتّاب في غزّة من أجل تقديم الوجه الحقيقيّ للحالة الثقافيّة الرائدة، التي تتنامى حتّى في ظلّ الحصار الإسرائيليّ المفروض على القطاع للعام الثاني عشر على التوالي.

 

ندوات وأمسيات وتوقيعات

وتخلّلت أعمال المعرض التي انطلقت السبت الماضي، واستمرّت على مدار ثلاثة أيّام، من 5 حتّى 7 أيّار (مايو) 2018، ثلاث ندوات، وحفلي توقيع كتابين، وأمسيتين شعريّتين، وحفلًا غنائيًّا يشارك فيه كتّاب وشعراء ومهتمّون.

جدير بالذكر، أنّ الاحتلال الاسرائيليّ رفض إصدار تصاريح مرور لنحو 60 كاتبًا وناشطًا ثقافيًّا من غزّة للتوجّه إلى رام الله، للمشاركة في معرض فلسطين الدوليّ للكتاب، وسط شكوك لدى البعض في أن يكون ذلك الرفض جزءًا من أهواء وإرادات طرفي الانقسام في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967، بينما نفى آخرون هذا الشكّ جملة وتفصيلًا.

 

اقرأ أيضًا - وفد غزّة إلى معرض فلسطين الدوليّ للكتاب: للخلف در

 

 

فادي الحسني

 

إعلاميّ من قطاع غزّة. يعمل في مجال الاستقصاء الصحافيّ، وقد صدر له "إعلاميّون منهجيّون في كشف الحقائق". حاصل على عدّة جوائز إعلاميّة، من بينها المركز الثاني على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جائزة التحقيق الاستقصائيّ (2013)، وجائزة فلسطين للإبداع الشبابيّ – فئة الكتابة الصحافيّة (2012). يرأس تجمّع قرطبة الثقافيّ في غزّة.