لفلسطين النّصيب الأكبر: شقير والمدهون في قصيرة البوكر

بعد نجاح رواية 'حياةٌ معلّقةٌ' للرّوائيّ عاطف أبو سيف في الوصول إلى القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرّواية العربيّة (البوكر)، العام الماضي؛ تحقّق فلسطين إنجازًا مهمًّا هذا العام، بزيادة حصّتها في المنافسة على الجائزة، وذلك بوصول روايتي 'مصائر: كونشيرتو الهولوكست والنّكبة' للرّوائيّ ربعي المدهون، و'مديحٌ لنساء العائلة' للرّوائيّ محمود شقير، إلى 'قصيرة البوكر'.

أُعلن عن القائمة القصيرة في مؤتمرٍ صحافيٍّ، عُقد في النّادي الثّقافيّ في مسقط بسلطنة عُمان اليوم، الثّلاثاء، بحضور لجنة التّحكيم الخماسيّة، الّتي ترأّستها الشّاعرة والنّاقدة الإماراتيّة، الدّكتورة أمينة ذيبان.

التّحوّلات الجذريّة وتعدّد المصائر

وبهذا تكون فلسطين الأكثر حضورًا في هذه القائمة من بين الدّول العربيّة، بوصول روايتين فلسطينيّتين من أصل ستّ رواياتٍ تتنافس على الجائزة للعام 2016، إلى جانب كلٍّ من رواية 'نوميديا' للمغربيّ طارق بكاري، و'عطارد' للمصريّ محمّد ربيع، و'سماءٌ قريبةٌ من بيتنا' للسّوريّة شهلا العجيليّ، و'حارس الموتى' للّبنانيّ جورج برق. 

وجاء في بيانٍ صادرٍ عن إدارة الجائزة حول روايتي شقير والمدهون: رواية ’مديحٌ لنساء العائلة‘ تحكي عن التّحوّلات الفلسطينيّة الجذريّة، جغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وعن الأثر الّذي تركته في الأفراد والجماعات، وخصوصًا المرأة، فيما تعتبر ’مصائر‘ الرّواية الفلسطينيّة الشّاملة، فهي ترجع إلى زمن ما قبل النّكبة لتلقي ضوءًا على المأساة الرّاهنة المتمثّلة في الشّتات والاستلاب الدّاخليّ. إنّها روايةٌ ذات طابعٍ بوليفونيٍّ مأساويٍّ، تستعير رمز الكونشرتو لتجسّد تعدّد المصائر'.

محمود شقير: لبدو فلسطين في الرّواية مكان

وقال الرّوائيّ والأديب محمود شقير في حديثٍ خاصٍّ: 'أشعر بارتياح، ذلك أن ثمّة من يقدّر جهد المبدع وتعبه ومكابداته قبل الكتابة وأثناءها. كان عليّ لكتابة الرّواية، إيجاد الشّكل الفنّيّ الملائم الّذي يتناغم مع أسلوبي في كتابة سردٍ متقشّفٍ، قادرٍ على الاكتفاء بمائتي صفحةٍ بدلًا من مئات الصّفحات لتتبّع مسيرة عائلةٍ بدويّةٍ فلسطينيّةٍ على امتداد أربعين عامًا، بدءًا من أربعينيّات القرن العشرين إلى العام 1982، العام الّذي شهد حصار بيروت وخروج المقاومة الفلسطينيّة من لبنان. وإلى جانب الامتداد في الزّمان، ثمّة الامتداد في المكان، أو الأمكنة الّتي شهدت شتات العائلة البدويّة وتبعثر أبنائها تحت ضغط الهجرة القسريّة الّتي نتجت عن النّكبة الفلسطينيّة الكبرى عام 1948، وتحت ضغط الفقر والحاجة إلى تحصيل الرّزق؛ لذلك، ولتفادي الشّرح الّذي يطول والسّرد المطوّل، أسندت بطولة الرّواية إلى شخصيّاتٍ محوريّةٍ قليلةٍ من بين شخصيّات الرّواية الكثيرة، بحيث تقوم هذه الشّخصيات المحوريّة بالتّعبير عن نفسها وعمّا يحيط بها من بشرٍ وأحداثٍ، عبر ضمير المتكلّم، وباللّغة الخاصّة بكلّ شخصيّةٍ من هذه الشّخصيّات'.

وأضاف: 'باختصار، كنت معنيًّا في هذه الرّواية بالتّركيز على حياة بدو فلسطين، وعلى مدى تأثّرهم سلبًا وإيجابًا بالتّطوّرات الّتي وقعت في وطنهم خلال السّنوات المئة الأخيرة، وبإضاءة مساحةٍ جديدةٍ في التّجربة الفلسطينيّة الحديثة، ظلّت طوال الوقت في الظّلّ، ولم ينتبه إليها الرّوائيّون وكتّاب القصّة إلّا على نحوٍ محدودٍ'.

ربعي المدهون: حيفا تفوز

أمّا الرّوائيّ ربعي المدهون، فكان نشر على صفحته في موقع التّواصل الاجتماعيّ 'فيسبوك': مبروك لي ولفلسطينيّتي الّتي أخذتها معي والّتي بقيت هناك... حلمت وركضت خلف حلمٍ كبيرٍ حتّى أمسكت به.. مبروكٌ لحيفا نجمة المدن، مبروكٌ لمكتبة كلّ شيء، أن تصل دار نشرٍ فلسطينيّةٍ من قلب البلاد، من شموخ كرمل حيفا، وثبات أقدام الباقين هناك في أرضهم، إلى القائمة القصيرة للبوكر، وتكون أوّل دار نشرٍ لها ما لكلّ المدن الفلسطينيّة من مكانةٍ في قلوبنا تفوز. حيفا تحتفل اليوم بفوز مكتبة كلّ شيءٍ الفلسطينيّة... شكرًا لناشري وصديقي الغالي الرّائع صالح عبّاسي، الّذي شاركني الحلم الكبير وأمسكنا به اليوم معًا'.

يُذكر أنّ ربعي المدهون سبق له أن ترشّح على القائمة القصيرة للجائزة العالميّة للرّواية العربيّة (البوكر) عام 2010، عن روايته 'السّيّدة من تل أبيب'، الّتي صدرت بالإنجليزيّة عن دار تليغرام بوكس.

الرّوايات

وفي حديث إدارة الجائزة عن الرّوايات الأخرى الّتي ترشّحت للقائمة القصيرة؛ جاء أنّ رواية 'نوميديا' للمغربيّ طارق بكاري تصوّر قلق المثقّف العربيّ الباحث عن هويّته في مواجهة التّمثيلات المختلفة لهذه الهويّة، بينما تمثّل رواية 'عطارد' للمصريّ محمّد ربيع صرخةً عنيفةً وواعيةً بالإحباطات الّتي آل إليها طموح الحالمين بالتّغيير. إنّها أوتوبيا مضادّةٌ تؤسّس عالمًا بالغ القسوة والقبح. وتتحدّث رواية 'سماءٌ قريبةٌ من بيتنا' للسّوريّة شهلا العجيليّ، عن يقظة الذّاكرة السّوريّة ووجعها؛ تستعيد الألم الشّخصيّ وتطلّ منه على ضمور الجسد بنبرةٍ أنثويّةٍ خافتةٍ، دون أن تفقد بطلتها الأمل في النّهوض من جديد. وتقارب رواية 'حارس الموتى' للّبنانيّ جورج برق، المأساة اللّبنانيّة، عبر منظورٍ جديدٍ يتساوى فيه الضّحايا على اختلاف هويّاتهم، الأحياء في الحرب والموتى داخل المستشفى، وتسعى إلى إيجاد أجوبةٍ عن أسئلةٍ عبثيّةٍ لا أجوبة لها أصلًا.

اللّجنة

وأعلن في مؤتمر 'البوكر' الصّحافيّ عن تشكيلة لجنة تحكيم الجائزة لهذا العام، وجاءت كالتّالي: الدّكتورة أمينة ذيبان، رئيسًا، مع عضويّة كلٍّ من: الصّحافيّ والشّاعر المصريّ سيّد محمود،  والأكاديميّ المغربيّ محمد مشبال، والأكاديميّ والمترجم البوسنيّ منير مويتش، والشّاعر والنّاقد اللّبناني عبده وازن.

وتحدّد يوم الأربعاء، 26 نيسان (أبريل) 2016، موعدًا لإعلان اسم الفائز/ ة بالجائزة العالميّة للرّواية العربيّة، في احتفالٍ سيقام في أبو ظبي، عشيّة افتتاح معرض أبو ظبي الدّوليّ للكتاب...

وكانت القائمة الطّويلة للجائزة، والّتي أُعلنت في كانون الثّاني (يناير) الماضي، ضمّت 16 روايةً، اختيرت من أصل 159 روايةً من 18 بلدًا، قبل أن تُستبعد منها رواية 'في الهُنا' للكاتب الكويتيّ طالب الرّافعي، بعدما تبيّن أنّ الرّواية صدرت في طبعتها الأولى خارج الفترة المسموح بها للتّرشّح ما بين يوليو/ تمّوز 2014 ويونيو/ حزيران 2015.

وهذه هي السّنة التّاسعة للجائزة، الّتي أصبحت بمرور الوقت من أبرز الجوائز الأدبيّة العربيّة وأعلاها قيمةً ماليّةً؛ ويحصل كلٌّ من المرشّحين السّتّة في القائمة القصيرة على 10 آلاف دولارٍ أمريكيٍّ، كما يحصل الفائز بالجائزة على 50 ألف دولارٍ أمريكيٍّ إضافيّةٍ.