قاومي، قاوم، قاطعي، قاطع

الفنّانة نضال الأشقر، خلال أمسية إطلاق العريضة في مسرح المدينةأ

على مسافة بضعة أمتار فقط من مدخل مسرح المدينة في شارع الحمرا الرّئيسيّ بمدينة بيروت، كان بعض ضبّاط جيش الاحتلال يجلسون في قهوة الويمبي في أيلول عام 1982. كانوا يتناولون قهوتهم بهدوءٍ... لم يدُم. فقد جاءهم شابّ ألقى عليهم التّحيّة باللّغة العبريّة، وألقى عليهم بلغتنا نحن رصاصات أردتهم. لم يدُم الهدوء كثيرًا. لم يكن هدوءًا أبدًا. فبيروت الّتي قاتلت المحتلّ وأخرجته على وقع مكبّرات صوت دبّاباته الرّاجية النّاس وقف إطلاق النّار 'لأنّنا منسحبون'، هي بيروت يوم الجمعة 20 أيّار 2016، الّتي أطلقت العريضة اللّبنانيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة لـ 'إسرائيل' في مسرح المدينة. وهذه المقاطعة لا تقلّ شأنًا وتأثيرًا عن ذاك القتال.

داخل صالة المسرح، اجتمعت أعداد كبيرة من النّاس بدعوة من حملة مقاطعة داعمي 'إسرائيل' في لبنان، واللّجنة اللّبنانيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة 'لإسرائيل' (قاطع). أمّا على خشبة المسرح، فتضيء الشّاشة على فيديو يضمّ شخصيّات عاملة في المجال الأكاديميّ والثّقافيّ، تشجّع النّاس على المقاطعة والمقاومة. ثمّ تتداخل الكلمات بالفقرات الفنّيّة، فتمرّ ستّ محطّات فنيّة وقّع أصحابها العريضة غناءً بأصواتهم وعزفًا على آلاتهم، منهم المطربة جاهدة وهبة الّتي قدّمت نشيد موطني، والمغنّية أميمة الخليل، والفنّان سامي حوّاط، وغيرهم. وعلى المنبر وقف خمسة أشخاص تكلّم كلّ واحد منهم في كلمته عن أبعاد المقاطعة الأكاديميّة والثّقافيّة.

استهلّت الكلمات مديرة مسرح المدينة، الفنّانة نضال الأشقر، مشيرةً إلى أهمّيّة المقاطعة شكلًا من أشكال المقاومة، كذلك فعل الكاتب نصري الصّايغ، الّذي قدّم كلمة لجنة 'قاطع'.

ثمّ أشار الجرّاح الفلسطينيّ المقيم في لبنان، غسّان أبو ستّة، الّذي عرفناه طبيبًا متطوّعًا في غزّة خلال العدوان الإسرائيليّ عليها عام 2014، إلى توريط كيان الاحتلال لأطبّائه في عمليّة تعذيب الأسرى ضمن سياق عمليّاته الإرهابيّة علينا، ما يؤكّد وجوب وأحقّية المقاطعة الأكاديميّة لهذه المؤسّسات المساهمة في تثبيت الاحتلال. وقد قدّمت كلمته جوابًا مسبقًا شافيًا لجميع الّذين يحاولون فصل آلة الحرب الإسرائيليّة عن مؤسّسات العدوّ، أكاديميّة كانت أم ثقافيّة.

ثمّ تتابعت الكلمات حول موضوع المقاطعة، فتكلّمت النّاشطة الكنديّة في حملة BDS، ميشال هارتمان، وتكلّم أحد مؤسّسي حملة مقاطعة داعمي 'إسرائيل' في لبنان، سماح إدريس، معلنًا إطلاق العريضة في لبنان كي يعمّم نموذجًا لمقاطعة العدوّ أكاديميًّا وثقافيًّا، مثلما عمّم نموذج المقاومة العسكريّة والتّحرير.

تخلّل الحفل أيضًا إطلاق تطبيق 'قاطعوا' للهواتف الذّكيّة، وشرح كيفيّة استعماله لكشف المنتجات الموجودة في الأسواق والدّاعمة بشكل أو بآخر للكيان الصّهيونيّ.

اختتم الحفل بدعوة عامّة إلى التّوقيع على العريضة، بينما بُثّ شريط يعرض أسماء عاملين في المجال الثّقافيّ والأكاديميّ موقّعين على العريضة وداعمين للحملة.

مع توسّع حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) عالميًّا، وتحقيقها نجاحات مهمّة تربك 'إسرائيل' وتضربها من الغرب الّذي طالما مدّها بالدّعم وغضّ الطّرف عن جرائمها، تأتي العريضة اللّبنانيّة للمقاطعة لتعمّق غرس السّكّين في خاصرة العدوّ. فهو يدسّ سمّه فينا عبر نظريّات 'الفن للفنّ' وفصل الأكاديميا عن السّياسة والصّراع، ونحن نردّ بفتح المعركة ثقافيًّا وأكاديميًّا بدعم المقاطعة شكلًا من أشكال المقاومة، ونختم كما ختم غسّان أبو ستّة كلمته قائلًا: علينا 'كلّنا يعني كلّنا'، أن نقاطعهم، 'كلّن يعني كلّن'.