الخسارة من سلالة الفقد

صحراء | ناسا

ما الّذي أفعله في مثل هذه السّاعات من اللّيل، أقسو على نفسي، أو أبحث عمّن يقسو عليها وعليّ، إنّني أتحرّك في مكاني، في هذه الدّوّامة، وكأنّني أتحرّك منذ الأبد. أحقّق في رغبتي، وأبحث عن أمل في الخلاص أو الانغماس في الموت. الموت وصول آخر كنت أقول لنفسي، لكنّ عقلي حائر، وقواي خائرة، لا أستطيع أن أرفع يدي، أخاف أن أُتّهم بالاستسلام، بالتّراجع، والمحو!

لقد محوت من ذكرياتي السّعيدة القدر نفسه الّذي محته الذّكريات السّيّئة. ذاكرتي تلعب بي، مرّة تمحو ومرّة تضيف ما ليس فيها.

في أيّ موضع سوف تنزلق قدمي في الغدّ، عندما أقرّر النّهوض ومواجهة العالم، بغضب أم بسكينة. الرّبّ الّذي هجرني على بوّابات الجحيم، وقال لي: ينبغي عليك أن ترسم الطّريق لا أن تسلكها، لكنّه سلبني كلّ أقلام الرّسم وأقفل المدينة/ العالم في وجهي، وفي وجه كلّ صوت!

هذه اللّغة لا تناسبني، سأسرع في الخروج منها، كما خرجت في يوم من الأيّام من 'الصّوفيّة' كمن يخرج من الحمّام، تعوزني القدرة، وفي يدي دلو ماء، لكنّ البئر القريبة جافّة، والبعيدة صعبة المنال، والصّحراء طويلة، والرّمل مرايا مفتّتة، ينذر بالموت البطيء، وأنا أحبّ الموت على غفلة، لو أغمض عينيّ، وأترك الرّيح تتسلّل جوّاي، تعُبُّ قلبي وتغرفه بكفِّها.

زمني محاولة، وقصّتي شائعة، وقبري لا سرّ فيه، لا أقوم ولا قيامة. هي محاولة، ولكن في أيّ شيء آخر أبحث، أتجاسر على شغفي الّذي ضاع منّي في الطّريق.

ما الّذي أرجوه من هذا العالم ما دام لا يمضي إلى الوراء، بأيّ شيء أغمس روحي الآن، ما الآن، ما الّذي سوف يحلّ محلّ قلبي، كومة من الورق، أم غابة مكلومة. سوف أنغمس بالذّكرى وأقفل الأبواب وأشرد في عافيتي.

عندي معجم كامل من الذّكرى، ومعجم آخر للحزن والأخطاء، أسفاري خمسة، بيضاء. وعتمتي ظلمة. أمّــا الماء فوسيلتي للتّذكّر، أغطس في قاع العالم، وكلّ ما بدا نافعًا أو بلا نفع يغرق.

ليس الأمر أنّني بتّ فزعًا، لكنّ جسمي يتراخى في الحلم. جسمي من ماء وقلبي من نار، والنّار ترجع إلى النّار، والماء لا يعود إلى أيّ شيء في أيّ مكان.

يظلّ هنا، يسقي ويُسقى، يَغْرِفُ ويُغْرَف.

تراني أتذكّر المفقود من ظلمتي، أم أنحسر في مياهي، حزني يهبط أو يصعد، في دوّامة. ما الهدف من شكواي، قد أنجو، وتُسْمَعُ نجواي! 

الخسارة من سلالة الفقد، لكنّها الآن أحلى، وقد صارت زينة، ولغة، ونبرات.

لماذا أخذت كلّ هذا على محمل الحزن، سَلِّم للّيل بشيء من الرّقّة، تجد العزاء أو السّلوى. لو كان لي فكرة واحدة، فكرة أخيرة، لتكلّمت كما يتكلّم الصّمت، في اللّا نطق بلا وجل!