من دفاتر النكبة (28): حول دور الجيوش العربية في حرب ونكبة 1948 في فلسطين (2)../ د. مصطفى كبها

-

من دفاتر النكبة (28): حول دور الجيوش العربية في حرب ونكبة 1948 في فلسطين (2)../ د. مصطفى كبها
خطة عمل الجيوش العربية وآليات تنفيذها: تمت صياغة خطة العمل التنفيذية الأصلية للجيوش العربية التي دخلت فلسطين في اجتماع عقد في مدينة الزرقاء في الأردن. وقد تحدد في هذه الخطة أن يقوم الجيش اللبناني باجتياز الحدود الشمالية في منطقة رأس الناقورة بحيث يقوم باحتلال الشريط الساحلي من هناك وحتى مدينة عكا، في حين تقوم وحدات جيش الإنقاذ بمهاجمة القوات والمستوطنات اليهودية في منطقة حيفا. أما الجيش السوري فيقوم باجتياز الحدود الفلسطينية في منطقتي بانياس وبنت جبيل ثم يقوم بغرض سيطرته على صفد ويتقدم باتجاه الناصرة والعفولة.

في منطقة الوسط يقوم الجيش العراقي باجتياز الحدود لدى جسر اللنبي، ويتقدم من هناك باتجاه بيسان وجنوبي العفولة. أما الجيش الأردني فيجتاز الحدود في منطقة جسر دامية على أن يتقدم في جناحين: الأول يتقدم باتجاه منطقة سهل طوباس ثم جنين، والثاني يتقدم باتجاه رام والقدس.

فيما يتعلق بالجيوش التي ستلتقي في العفولة فقد كان من المفروض أن تتقدم سوية لاحتلال الخضيرة ونتانيا. في الجبهة الجنوبية يقوم الجيش المصري، حسب الخطة، باجتياز الحدود في منطقتي رفح وعوجا الحفير ثم يتقدم من هناك باتجاه المجدل، في حين تقوم سرايا المتطوعين المصريين، من الإخوان المسلمين وغيرهم، بالوصول حتى طريق بيت لحم – الخليل – القدس وبذلك تكون القوات العربية قد أحاطت بالقدس من جهتي الجنوب والغرب ( الجيش المصري ) ومن جهتي الشمال والشرق ( الجيش الأردني ).

في اجتماع الزرقاء أنيطت عملية تنفيذ هذه الخطة بالملك عبد الله بن الحسين بوصفه قائداً أعلى للجيوش العربية وبالجنرال العراقي نور الدين محمود بوصفه قائداً عاماً لهذه الجيوش.

لكن هذه الخطة جرى تغييرها قبل ساعة الصفر بأقل من أربع وعشرين ساعة وذلك، كم يبدو، لتمكين قوات الجيش الأردني من السيطرة على أكبر قدر من مساحة الأراضي المخصصة للدولة العربية وذلك من خلال عرقلة تقدم سائر القوات الأخرى بشتى الوسائل والعوائق.

كما وتضمن التغيير تغييراً جوهرياً من خلال حذف البند المتعلق باحتلال الخضيرة ونتانيا، وذلك للامتناع من دخول أراض كانت مخصصة، حسب قرار التقسيم، للدولة اليهودية. وقد خلت الخطة الجديدة من أي ذكر أو نية أو توجه لتجاوز حدود المناطق المخصصة للدولة العربية. هذه الحقيقة غابت كما يبدو عن بال الباحثين والمصممين للرواية التاريخية الصهيونية وكاتبي الكتب التدريسية الإسرائيلية الذين يتحدثون عن " غزو عربي" للدولة الفتية.

حسب الخطة الجديدة ألقيت على عاتق الجيش السوري اجتياز الحدود جنوبي بحيرة طبريا والاستيلاء على بلدة سمخ ومحطة القطارات فيها. في حين يقوم الجيش العراقي باجتياز الحدود عند نقطة جسر الشيخ حسين بحيث يقوم باحتلال محطة روطنبرج لتوليد الكهرباء وكيبوتس "جيشر" القريب منها.

أما الجيش المصري فيقوم بدخول الحدود في منطقة رفح ثم يتقدم حتى اسدود بحيث يقيم خطاً من التحصينات يمتد من أسدود في الغرب وحتى الخليل في الشرق مروراً بالمجدل والفالوجة. وقد طرأ تغيير كذلك على طريقة تقدم الجيش الأردني التي كانت من المفروض أن تتم حسب الخطة الجديدة حسب النظام التالي: قسم من القوات يجتاز الحدود في جسر دامية ويتقدم من هناك نحو نابلس ثم رام الله، أما القسم الثاني فيجتاز الحدود لدى جسر اللنبي ويتوجه إلى القدس مباشرة. فيما يتعلق بمسيرة الجيش اللبناني فقد طلب منه عدم اجتياز الحدود والاكتفاء بإقامة تحصينات له على الحدود الدولية.

مرحلة القتال الأولى: 15 أيار – 10 حزيران 1948: على الرغم من كل النواقص ونقاط الضعف لدى الجيوش العربية في كل ما يتعلق بالتحضيرات والتسليح وسائر الأمور اللوجستية، إلا أن دخول هذه الجيوش على معادلات الحرب وضع الدولة اليهودية أمام تحديات ليست بالسهلة. فقد أجبر دخول هذه الجيوش القوات اليهودية على إيقاف اندفاعتها الهجومية ضد قوات المتطوعين العرب وجيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس وإعادة التفكير بشكل جدي بصياغة إستراتيجية دفاعية في كافة جبهات القتال.

وقد تضمنت الخطة الدفاعية هذه الانتقال إلى وضعية الدفاع بقصد امتصاص الهجمات العربية هذا فضلاً عن إقامة خطوط دفاعية وتقوية تحصينات المستوطنات والتحضير لهجمات تكتيكية معاكسة. ولوهلة الأولى يمكن للمتأمل سير القتال في الشهر الأول لدخول هذه القوات فلسطين على أن أجزاء كبيرة من خطة دخول القوات العربية تم تحقيقها بشكل شبه كامل خاصة في كل ما يتعلق بتقدم هذه القوات وانتشارها في المناطق المخصصة لها. بل ويمكننا القول بشكل اقرب إلى الجزم بأن دخول هذه القوات وضع الدولة العبرية أمام خطر جدي هدد كيانها وإمكانيات تثبيت سيطرتها على المناطق التي احتلتها ولو إلى حين.

التعليقات