في مناطق السلطة: تناقض بين التصريحات وبين الممارسة على الأرض..

الحالة تطرح تساؤلات الأغلبية الصامتة أمام التنسيق الأمني وأمام مستقبلهم في ظل رأس المال الذي عصف بكل أبجديات الصراع مع إسرائيل إلى حد أصبحت فيه القضية ليست أكثر من تصريحات منددة أو بيانات فصائلية خجولة

في مناطق السلطة: تناقض بين التصريحات وبين الممارسة على الأرض..

التناقض في التصريحات لمسؤولي السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية في الإعلام وفي الخطابات والبيانات الصادرة عنهم، وبين ما يجري على الأرض في الضفة الغربية من غياب لهذه الأصوات عندما يحل الظلام ويخرج الشبان الفلسطينيون باتجاه نقاط التماس مع جيش الاحتلال، واضح وكبير جدا ومحزن جدا في ذات الوقت.

مئات الشبان احتشدوا ليلة أمس على مفرق بيت جالا المعروف بمفرق "باب الزقاق" في محاولة للوصول للنقطة العسكرية على "قبر راحيل" في مدخل بيت لحم الشمالي، في حين وقف المئات من عناصر الشرطة الفلسطينية وأفراد الوحدات الخاصة التابعة للأجهزة الامنية الفلسطينية في منتصف المسافة بين شبان يقولون: "أضرب أضرب تل أبيب" ويرفعون صور الأطفال من ضحايا العدوان على غزة، وبين جنود الاحتلال الذي احتموا وراء الجدار الذي يحيط بقبة راحيل والحاجز العسكري المؤدي للقدس المحتلة.

مجموع الشخصيات الفلسطينية التي "غردت" مؤخرا ضد التنسيق الأمني منذ بداية العدوان على غزة تفوق عدد الصواريخ التي سقطت على إسرائيل، لكن الممارسة على الأرض تقول إن كافة هذه التصريحات لا تدخل إلا في إطار الاستهلاك الإعلامي والخروج من دائرة الحرج أمام المجتمع الفلسطيني من جهة، أو لكسب موقف شخصي على حساب ساحة الفعل الفلسطيني من جهة أخرى.

عند النقطة العسكرية "DCO " الحالة لا تختلف كثيرا، فقد مررنا عن النقطة العسكرية، وكانت المفاجأة أن الحاجز الواقع على مدخل مستوطنة "بيت إيل" خال من الجنود الإسرائيليين. وبعد التدقيق تبين أنهم يختبئون وراء المكعبات الإسمنتية.

المسافة التي تفصل الحاجزالذي هو بالأصل لا يعبره إلا الموظفون الفلسطينيون وأفراد الأجهزة الأمنية، ولا يعترف جنوده إلا ببطاقات تظهر الهوية المهنية للفلسطينيين عند فندق "الستي إن"، وهو الفندق الذي يقع على آخر نقطة معترف بها للسلطة الفلسطينية، والتي وضعت أمامه سارية ورفع عليها العلم الفلسطيني كتعبير عن مكان السيادة الفلسطينية، أو كأنها تقول لزائرها "أهلا بك أنت في رام الله"، أو للمستوطنيين "احذروا أنتم على أبواب مناطق سيادة محظورة عليكم" قصيرة جدا، ولا تتعدى بضع مئات من الأمتار.

ونحن في عــ48ـرب نمر من المكان، ونرصد الطريقة التي يتعامل بها الجانب الفلسطيني على المستوى الرسمي على مساحة قصيرة أغلقتها المركبات الأمنية التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية، والتي أمرتنا بسلوك طريق فرعي قريب من التعبئة والتنظيم لحركة فتح، ويؤدي في النهاية إلى سلطة النقد الفلسطينية، يظهر مدى ارتباط واقع الجانب الرسمي بالتنسيق الأمني، وحرصه على حمايته من جهة، ويضع المتعمق في الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية أمام حقيقة أن الواقع لا يتعدى حماية الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، وعلى راسها الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية.

فتاة فلسطينية، تقترب في عمرها من الثامنة عشرة، دعتنا لتغطية وقفة تضامنية ومسيرة، وقالت إن المسيرة مرخصة من الشرطة الفلسطينية. ودعوات على الفيس بوك أعلنت عن يوم غضب فلسطيني في نهاية الأسبوع انتهت بمشاركة عشرات الشبان، وانتهت بتفرقهم عند مفترق سلطة النقد الفلسطينية الذي تفصله بضعة مئات من الأمتار عن نقطة التماس مع الإسرائيليين التي تحتشد فيها قوات الأمن الفلسطينية.

ما رأيناه أكثر من عشرين مركبة وآلية أمنية تنتشر في مسافة لا تتعدى خمسمائة متر على شارع نابلس حيث يقع الفندق والسارية والعلم الفلسطيني محشوة بأفراد الشرطة وأجهزة الأمن. وللحقيقة لم نلحظ تواجدا للشبان الفلسطينيين في المكان أو قريبا منه مما يؤكد أن هذه الحالة يومية، وأنها جزء من معادلة الحرب التي تتعرض لها غزة، وجزء من الاشتباك اليومي مع الشبان الفلسطيني وأدوات الحراك الشبابي الذي عادة ما يعلن يوميا عن فعاليات باتجاه مستوطنة "بيت إيل".

ما رأيناه حالة فلسطينية منعزلة ومحزنة في ذات الوقت، وهي الحالة التي تطرح تساؤلات الأغلبية الصامتة أمام التنسيق الأمني وأمام مستقبلهم في ظل رأس المال الذي عصف بكل أبجديات الصراع مع إسرائيل إلى حد أصبحت فيه القضية ليست أكثر من تصريحات منددة أو بيانات فصائلية خجولة.

التعليقات