مخيم طولكرم: معاناة وفقر وحياة كالجحيم!

خلال سلوكنا طريقنا إلى المخيم في طولكرم، لفت انتباهنا الشوارع والأسواق التي تعجّ بالناس، إنارة وإضاءة في كل مكان، عمارات وبنايات وبيوت مشّيدة، بيد أن هذه المشاهد تغيّرت فجأة عند دخولنا المخيم، ازدحامات خانقة، شوارع ضيقة، أزقة مليئة بالقمامة والمياه العادمة، بيوت من صفيح ضيّقة مكتظّة ومُتهالكة.

مخيم طولكرم: معاناة وفقر وحياة كالجحيم!

مخيم طولكرم (عرب 48)

خلال سلوكنا طريقنا إلى المخيم في طولكرم، لفت انتباهنا الشوارع والأسواق التي تعجّ بالناس، إنارة وإضاءة في كل مكان، عمارات وبنايات وبيوت مشّيدة، بيد أن هذه المشاهد تغيّرت فجأة عند دخولنا المخيم، ازدحامات خانقة، شوارع ضيقة، أزقة مليئة بالقمامة والمياه العادمة، بيوت من صفيح ضيّقة مكتظّة ومُتهالكة.

بضعة أمتار تفصل بين مدينة طولكرم ومخيم طولكرم، لكن في الواقع الفرق شاسع جدا. وقفنا عند باب المخيم حيث زُينت أسوار بيوته بشعارات وطنية ممجدة بتضحيات الأسرى والشهداء، باشرنا تجهيز الكاميرا، مرّ أحدهم ولاح بيده وقال لنا 'تتعبوش حالكم، كله على الفاضي'، استذكرت الصور في ذهني سريعًا، منذ قدومي مدينة طولكرم حتى الطريق إلى المخيم، وكانت هذه كفيلة لأن تجسد تلك الجملة التي قالها الرجل واختفى، جملة انفجرت من صميم من عاش القهر والاضطهاد وعانى من ويلات الاحتلال، ولا زال يتلوّع المعاناة بين اليأس وفقدان الأمل.

تعاني المخيمات الفلسطينية انعدام المرافق والأطر ونسبة فقر عالية وبطالة تسبب البؤس والحرمان، وسط تمييز وإهمال صارخ من قبل المؤسسات المسؤولة.

معاناة مستمرة

وقال الشاب رامي أبو تمام من مخيم طولكرم، لـ'عرب 48'، إنّه 'بالرغم من كل المعاناة التي نعاني منها ترى الابتسامة على وجوهنا، ونحن لم نغفل الحفاظ طيلة هذه الأعوام على النسيج المجتمعي بالمخيم حتى صار مثالا يحتذى به، كما ترى نضحك في أروقة المخيم ونختلف ونحتفل ونتجمهر عند كل مناسبة، ونعيش كجسدٍ واحد'.

يعيش رامي موسى أبو تمام في مخيم طولكرم، وهو ناشط مجتمعي في المخيم وفي مؤسسة المجتمع المدني للاجئين وأهالي المخيم، مهجر من منطقة الخضيرة وأصوله من قرية عرب النفيعات. 

وأضاف أبو تمام: 'كنت في سن العاشرة لا أميّز بين صوت الرصاص وصوت المطر الذي يهطل على صفيح البيت. تعلمت من المخيم التكافل الاجتماعي الذي يُدرس في الجامعات العُليا، عرفت معنى نكبة فلسطين ومعنى النضال الوطني. كان بيتنا وكل بيوت المخيم مفتوحة أما الناس، مفتاح بيتنا كان مع جدتي دائمًا لمن يحتاجه، كانت جدتي تطلق الأهازيج الفلسطينية الجميلة التي لا تفارق ذهني، واستلّها من الذاكرة حين أكون حزينا، لتبعث لي أملا كنت قد فقدته وسط هذه الدنيا التي ضاقت علينا. كانت تروي لي حياة اللجوء الأولى والعجز والفقر والظلم والقهر، ووسط كل ذلك لم تنس جدتي أننا تربينا على حب الوطن والأرض والعرض ومساندة الجار والقيم والأخلاق. تعلمنا في مدارس الإغاثة، كنا ننتظر انتهاء الدوام كي نلعب كرة القدم، لنروّح عن أنفسنا من واقع أليم. كنا نحتفل مع خروج الأسرى، ونشارك بجنازات الشهداء، وكالأبرياء كنا نُلملم الرصاصات الفارغة، تارة كانت تُجسّد حزنًا، وتارة تُجسّد فرحة، ونحتفظ بها كأنها كنز مكنون. ذقنا الأمرين في طفولة قاسية، مشينا حفاة ورغم كل ذلك لم نطلق الآهات، لأن هذا المخيم كان وطنًا صغيرًا يعيش فينا، داخل وطن أكبر نعيش فيه، تلك حياة مخيم طولكرم القابع على أطراف محافظة طولكرم'.

وعن اللجوء ومعاناتها، قال أبو تمام، إن '70 عاما من المعاناة واللجوء، من مخيم طولكرم إلى عين الحلوة في لبنان، تجسد العيش في دائرة الظلم والقمع المستمر. مررنا في المخيم الانتفاضتين الأولى والثانية، وقدم المخيم الكثير من الشهداء والأسرى والجرحى في الانتفاضتين، ولا يخلو أي بيت في المخيم من أسير أو شهيد أو جريح، ويوميًا نعيش تحت وطأة الاحتلال، من خلال الاقتحامات والاعتقالات اليومية. نعيش صدمة اليأس أحيانًا في المخيم، ونعاني من إحباط دائم، أصبحنا لا نملك شيئًا سوى العلم، لا شيء أمامنا غير التعليم والقراءة، حتى المرافق والحدائق العامة تنعدم هنا، ورغم كل ذلك نحن صامدون وأملنا في العودة كبير بالرغم من احتدام الأوضاع السياسية. نحن أبناء المخيم نقول الصغار لا ينسون والعودة حفرت على جباهنا'.

وعن الترابط الاجتماعي، قال أبو تمام، إنه 'لا زلنا نحافظ على الترابط والنسيج الاجتماعي ولن ترى مثله في أي بقعة أخرى في العالم، هناك علاقات متماسكة جدا بين أبناء المخيم، كلنا نعيش هنا كالجسد الواحد، الُلحمة عنوان أبناء المخيمات وهي مثال يُحتذى به، وهذا ما يزرع الأمل في نفوس أبناء المخيم، فلولا الُلحمة والترابط الاجتماعي لضاقت الدنيا علينا أكثر، والترابط بين أبناء المخيمات معروف ومشهود كوننا نعيش المعاناة نفسها تحت عنوان اللجوء يجمعنا’.

وأضاف أنه 'لن أنسى أيام الانتفاضة التي عِشتُها، عندما كان يقتحم جيش الاحتلال المخيم ويقتل الشباب والأطفال والنساء والشيوخ، عشت طفولتي بين نيران جيش الاحتلال ومشاعر الخوف والذعر الذي ساد المخيم عقب المداهمات والقتل، لكن رغم زادنا إيماننا بالمقاومة الشعبية والصبر والكفاح لصد جيش الاحتلال، وزرع في قلوبنا حب الوطن أكثر وأكثر'.

ووجه أبو تمام رسالة إلى العالم: 'نحن لن نتنازل عن ثوابتنا الوطنية، ونريد من العالم أن يلفت نظره إلينا وإلى مشاكلنا، وأن يرى ما آل إليه أهالي المخيم منذ سبعين عاما وسط وعودات وشعارات فارغة، نريد أن يتحقّق العدل والإنصاف في حقنا بالعودة والحياة الكريمة'.

بطالة وفقر وانسداد الأفق

وقال رئيس اللجنة الشعبية لخدمات المخيم، فيصل سلامة، لـ'عرب 48'، إنّ 'عدد السكان يزداد في المخيم بشكل كبير منذ النكبة، كان عدد أبناء المخيم في العام 1948 نحو 4 آلاف نسمة واليوم أصبح نحو 23 ألف نسمة، ورغم هذا الازدياد بقيت مساحة المخيم كما هي. في المخيم لا يوجد مرافق ولا حدائق عامة، والبناء هنا بشكل عشوائي وفي كثير من الأحيان يتجاوز المواطن القانون لأنه مضطر لذلك، وكل ما يحصل بسبب تقصير الدول الداعمة وعدم الإيفاء بالتزامها تجاه المخيمات، والعجز المالي لدعم المخيمات من قبل المؤسسات المسؤولة'.

وأضاف أن 'المخيم يضم عائلات من منطقة أم خالد، 'نتانيا' وقرية قاقون وقيساريا وغيرها من القرى المهجرة المجاورة، يعمل غالبيتهم كعمال ونسبة قليلة منهم كموظفين. البطالة بنسبة عالية تصل إلى 60% وفي مخيمات أخرى قد تصل النسبة إلى 80%، في ظل انعدام الدعم'.

وعن المعاناة، قال سلامة إن 'أبناء المخيم يعانون من ضائقة سكنية ومالية واقتصادية، معاناة يومية مستمرة وسط تقصير من قبل المؤسسات ذات العلاقة، الاحتلال اليوم يضيق علينا أكثر من السابق والأمور تزداد سوء، يريدون أن نرحل وأن تهوّد هذه الأرض، ونحن نخشى على مستقبل أبناء المخيمات بشكل عام بسبب انسداد الأفق أمامنا'.

التعليقات