احتجاز جثامين الشهداء... أسرار يتكتم عليها الاحتلال

لا تطلب مئات العائلات الفلسطينية سوى الحق الأخلاقي والإنساني في استعادة جثامين أبنائها، أو على الأقل معرفة مكان دفنهم؟ وإذا ما تم ذلك بموجب تعاليم دينهم، هذا اللغز الذي تماطل السلطات الإسرائيلية بالإجابة عليه.

احتجاز جثامين الشهداء... أسرار يتكتم عليها الاحتلال

لا تطلب مئات العائلات الفلسطينية سوى الحق الأخلاقي والإنساني في استعادة جثامين أبنائها، أو على الأقل معرفة مكان دفنهم؟ وإذا ما تم ذلك بموجب تعاليم دينهم، هذا اللغز الذي تماطل السلطات الإسرائيلية بالإجابة عليه.

باتت مسألة الحق الأساس في دفن الشهداء ومعرفة مكان دفنهم قضية نضالية، تخوض فيها عشرات العائلات الفلسطينية عذابات يومية لمعرفة أين دفن الابن أو الأخ؟ فهذه العائلات تعيش ظروفا عصيبة ولا توصف آلامها بسبب عدم معرفة مكان دفن أعزائها.

وتقف الهيئات الدولية والعالمية عاجزة عن أداء دورها في حمل إسرائيل على احترام المواثيق والأعراف والقوانين التي تكفل الحد الأدنى في دفن واحترام جثمان الإنسان.

ورغم الانتهاك الصارخ للقانون الدولي منذ عشرات السنوات فيما يتعلق بجثامين الشهداء، لا زالت سلطات الاحتلال تتبع سياسة احتجاز جثامين الشهداء، وحولتها إلى عمليات إبتزاز تمس مشاعر الإنسانية، لتساوم فيها سياسيا، بل تفاقمت هذه السياسة خلال الهبة الشعبية المندلعة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، فما زالت عشرات جثامين الشهداء الفلسطينيين محتجزة في الثلاجات الإسرائيلية.

أبو الزور: تعلم في التوجيهي وقال سأعود بشهادة فوصلني خبر استشهاده

قالت والدة الشهيد مهند أبو الزور من مخيم بلاطة قرب نابلس، عائشة أبو الزور، في حديثها لـ'عرب 48': 'لم أعرف عن أبني مهند الكثير من نشاطه في كتائب شهداء الأقصى إلا بعد استشهاده، فكان يقول لي إنه يدرس للتوجيهي وسيعود إلي بشهادة، ولم أكن أعلم أن هذه الشهادة هي استشهاده'.

وتابعت والدة الشهيد: 'لا أريد الكثير، أريد أن أعرف فقط أين دفن ابني؟ وهل تم دفنه وفقا للشريعة الإسلامية؟، فكل فلسطين هي أرضنا، وأينما دفن فهو دفن في وطنه، وكل ما أتمناه منذ يوم استشهاده قبل 15 عاما، في 31/05/2002، قبرا لابني لأزوره وقراءة الفاتحة'.

وأنهت أنه 'منذ سنوات ونحن نسعى فقط لتلقي جواب عن هذه القضية، أوكلنا محامين ولم نتلق أجوبة، واليوم هناك متابعة من مركز القدس لهذه القضية، وكل ما أتمناه أن أعرف فقط أين دفن ابني وكيف دفن؟'.

يشار إلى أن الشهيد مهند أبو الزور استشهد في عملية نفذها في مستوطنة 'شفي شومرون' في الانتفاضة الثانية، وذلك ردا على اغتيال القيادي في كتائب شهداء الأقصى، محمود الطيطي.

فصول المعاناة

ذات المعاناة يسردها والد الشهيد شادي نصار من نابلس، محمد نصار، الذي كان عاملا للبناء، لكنه ودون معرفة أحد أنخرط إلى جانب عمله بالبناء بصفوف المقاومة الفلسطينية.

وقال والد الشهيد نصار لـ'عرب 48': 'نحاول منذ 15 عاما معرفة مكان دفن ابني شادي، ولغاية الآن لم نحصل على أي إجابة، حتى نبأ استشهاده في العام 2002 تلقيته عبر وسائل الإعلام، ومؤخرا قيل لنا إن المقابر جرفت ودمرت'.

وكان الشهيد شادي أبو نصار قد نفذ عملية في مستوطنة 'أريئيل' يوم 07/03/2002 ضمن صفوف المقاومة الفلسطينية وخلية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في قرية مادما.

وقال مركزة حملة استعادة جثامين الشهداء في مركز القدس للمساعدة القانونية، سلوى حماد، لـ'عرب 48' إنه 'من البديهي في جميع أنحاء العالم دفن الشهداء وتحرير جثامين الشهداء وتسليمها إلى عائلاتها، لكن في فلسطين الأمور مغايرة تماما، فهناك عشرات عائلات الشهداء التي تخوض نضالا منذ عشرات السنوات لمعرفة مكان دفن أبنائها، بعض هذه العائلات يتحدث عن استشهاد ابنه قبل 10 أو 15 عاما، يروون تفاصيل يوم استشهاد أعزائهم أو اليوم الذي سبقه، لحظات كانت في الأمس، وكأن حياتهم توقفت عند ذلك التاريخ'.

شهداء وأرقام

وقال المستشار القضائي لمركز القدس للمساعدة القانونية، الذي يتابع التماس عائلات الشهداء، المحامي سليمان شاهين، لـ'عرب 48' إنه 'منذ عام 2016 قدمنا 3 التماسات تشمل 114 عائلة شهيد تريد استعادة جثامين أبنائها، والحديث عن شهداء منذ أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وشهداء الانتفاضة الثانية، وشهداء الهبة الشعبية الحالية'.

وأضاف أن 'هذا يأتي استمرارا للالتماسات الفردية التي قدمت قبل ذلك، وعلى ضوء نجاح الالتماس واستعادة جثمان الشهيد مشهور العاروري، واتضاح المشاكل الكبرى في توثيق مكان دفن الشهداء، خاصة عدم مطابقة فحوص الحمض النووي للشهداء الذين استعيدت جثامينهم بعد اتفاق أوسلو. وبعد التوجه للمستشار القضائي للإدارة المدنية عام 2014، أعرب عن استعداده لإعادة الجثامين، من خلال رده على توجه مركز القدس للمساعدة القانونية، وكان الرد بأنهم سيستدعون الأهالي بغية إجراء فحص الحمض النووي في مسار عملية إعادة الجثامين عام 2015، ولكنهم تأخروا في تنفيذ التزامهم، وعليه تم تقديم الالتماس مع طلب إقامة بنك حمض نووي للعائلات للمقارنة مع الجثامين إضافة لمطلب إعادة الجثامين. النيابة العامة الإسرائلية ردت على هذا الالتماس في آذار/ مارس الماضي، بطلب تأجيل الجلسة ليتسنى لها التوصل لمعلومات عن مكان تواجد الجثامين، ولكن لديها إشكالات كبيرة في التوثيق كون عدة هيئات شاركت في عملية الدفن وليس فقط الجيش الإسرائيلي. وبعض الجثامين مثلما أوردت النيابة في ردها على التماس مركز القدس، دفنت من قبل شركات خاصة ولم تحتفظ بتوثيق عن مكان الدفن، وحتى اليوم فإن عدد الجثامين التي يعرف مكان دفنها هو محدود ويكاد يعد على أصابع اليد الواحدة'.

ولفت شاهين إلى أنه 'في أعقاب هذه التطورات، قالت النيابة الإسرائيلية إن الجهات الرسمية قررت إقامة جسم توثيقي يتولى إدارته شخصية أمنية رفيعة المستوى لتركيز البحث عن مكان الدفن والتعرف على الجثامين مقابل كل الجهات التي شاركت في عملية الدفن'.

مساومة وابتزاز

وقال المحامي شاهين إن 'المحكمة رفضت تأجيل الجلسة وانتقدت بشدة تصرف إسرائيل وغياب أي توثيق، ومنحت مهلة أربعة أشهر لها لتقديم ردها المفصل بعد إقامة الجسم التوثيقي، ونحن بدورنا طالبنا بأمر قضائي لإقامة بنك للحمض النووي، وأوصت المحكمة بذلك دون أمر قضائي'.

وأكد 'وجود فوضى كبيرة في مسألة دفن جثامين الشهداء الفلسطينيين وهي تتواصل منذ سبعينيات القرن الماضي على الرغم من الالتماسات السابقة والتي أعلنت فيها إسرائيل أن هذا الموضوع جرى تسويته وأن هناك توثيق ولا توجد إشكاليات'.

ورجح شاهين أن 'إسرائيل والرغم من  الالتماسات لم تحرك ساكنا وأبقت على الفوضى التي عززت إشكاليات التوثيق والمعلومات، حيث أن الدفن لم يقتصر على مقابر الأرقام فقط، فهناك الكثير من الشهداء دفنوا في مقابر يهودية مدنية دون تحديد هوية الشهيد. احتجاز الجثامين وممارسات الاحتلال الإسرائيلي تتنافى والقانون الدولي، واحتجاز الجثامين كورقة ضغط ومساومة قضية غير أخلاقية وغير إنسانية'.

وخلص إلى القول إنه 'من جانبنا سنتابع قضية استعادة الجثامين حتى فتح كافة الأضرحة المتواجدة لديهم، وإلزامهم بالقيام بكافة الإجراءات بما فيها إجراء فحوصات الحمض النووي، وفعل أقصى ما يمكن فعله كي لا يكون هناك أي ادعاء مستقبلي بالإعفاء من هذه المسئولية، ولذلك جاء هذا الالتماس الجماعي كي لا يكون مجال للمناورة، كما حدث في الملفات الفردية السابقة'.

التعليقات