18/07/2015 - 22:33

رياضي من مخيم اليرموك: عاش المأساة وفاز بكأس في ألمانيا

أحمد الباش، رياضي فلسطيني لاجئ تقطعت به السبل منذ إندلاع الحرب السورية، انتقل من اليرموك إلى عين الحلوة في لبنان لينتهي فيه المطاف مؤقتا في ألمانيا... ولا يزال يصر على تحقيق حلمه الرياضي

رياضي من مخيم اليرموك: عاش المأساة وفاز بكأس في ألمانيا

الباش يستلم الكأس

يذكر أحمد الباش الشام كثيراً وهو يتحدث معك، يشتاق للبلاد التي عاش فيها أكثر من ٢٧ عاماً من عمره، قبل أن يصل إلى ألمانيا، ليعيش فيها ويحترف كرة القدم في أنديتها، ويقول إنني 'للبشر والحجر، أشتاق لدمشق ولسوريا، آمل أن يعود السلام لها قريباً، أنا فلسطيني لكني في الشام لم أشعر يوماً بأني غريب، أشتقت للبلاد ولأهلها'، وكما غيره من اللاجئين الجدد في أوروبا، يقول الباش أنه غير مرتاح في برلين، فشهر رمضان مثلا الذي كان في ألمانيا ثلاثين يوماً وليس تسعة وعشرين، مرّ كأنه عام كامل عليه 'رائحة رمضان في الشام فقط'.

أخي تحت الأنقاض 

حين اندلعت أحداث مخيم اليرموك في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012، قرر الباش مع شقيقه رياض أن تغادر العائلة المخيم. الوالدان توجها إلى لإمارات العربية المتحدة، وهو سكن قدسيا إلى الغرب من دمشق، فيما بقي شقيقه رياض  في المخيم. كان خروج العائلة ناتجا عن القصف الشديد والحصار الذي يتعرض له اليرموك، و'كان خيار الحياة يجب أن ينتصر'.

حوصر رياض في المخيم، وعاد الوالدان إلى سوريا من أجل أحمد ورياض، دخلا المخيم  بصعوبة بالغة وبقيا فيه ليومين، ورغم أن ابنهما في المخيم لكنهما لم يلتقيا به أبداً، فقد كان الشاب قد استشهد ولم يعلم الوالدن بذلك. أحمد عرف الخبر وبدء رحلة يصفها بالصعبة لإخراج والديه من المخيم ثم نقل الخبر لهما، كان الجوع شديداً في اليرموك، ويجب أن يخرج الوالدين العجوزين بشكل سريع.

استشهد رياض بغارة جوية من النظام على المخيم في الرابع عشر من رمضان عام 2013. سقط البناء بشكل كامل عليه، ولم تفلح الجهود التطوعية في إزالة الركام وإخراج الجثة، بسبب القنص وعمليات القصف، وحتى اليوم لا يزال جثمان رياض تحت الأنقاض.

تمكن الوالدان من مغادرة المخيم بعد فترة من ذلك، ثم غادرا مع ابنهما أحمد إلى لبنان، وأقاموا في مخيم عين الحلوة. هناك، يقول الباش، إن العائلة انتقلت إلى ظروف أصعب من تلك التي عاشوها في سوريا.

من لبنان إلى ألمانيا

في لبنان أكمل أحمد الرياضي لعبه مع النادي المقدسي، حتى انتقلت العائلة إلى ألمانيا، ويقول 'لم نكن نعلم أن شقيقتي قدمت أوراقنا إلى السفارة الألمانية في بيروت، التي وافقت على قبولنا كمهاجرين في البلاد، كان هذا منذ عام”.

منذ أسبوعين، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور الباش بعد حصوله على جائزة أفضل لاعب في دوري محلي بكرة القدم في ألمانيا،.يشرح  البطولة قائلا 'هي بطولة محلية شارك فيها ٢١ فريقاً من جاليات أجنبية في ألمانيا. حصلت أنا على جائزة أفضل لاعب في البطولة، وتم أختياري من لجنة تحكيم خاصة وشاركت ضمن الفريق السوري بالبطولة”. يقول الباش إن الفريق السوري الذي يعلب فيه لا يتلقى أي تمويل أو دعم ولا ينتمي لأي فريق سياسي سوري، وهو يضم لاعبين من مختلف الطوائف والاثنيات السورية. ذات الفريق حصل على المركز الأول منذ أيام في بطولة خاصة بمكافحة العنصرية، تقام في العاصمة الألمانية برلين.

تسأل الباش عن التوجه السياسي للفريق السوري الذي يعلب في صفوفه، بالذات وأن السوريين منقسمين حتى حول علمهم الوطني، فيقول إن الفريق لا يميز سياسياً ولا يريد أن يصنف مع أي طرف، فهو لديه راية خاصة ترفع في البطولات التي يشارك فيها.

لعب الباش في سوريا مع فريق الجيش الذي كان واحداً من فرق الدرجة الأولى في البلاد، وكان تدرج في هوايته في مخيم اليرموك، شجعه على ذلك والده الذي يذكراه دائماً كصاحب الفضل في تطوير موهبته، فمن المدينة الرياضية في المخيم إلى النادي العربي الفلسطيني، صقل الباش موهبته، لكن ما يصفه بالظروف المعيشية الصعبة التي عاشها في سوريا منعته من التطور أكثر، ويؤكد أنه 'كان من الصعب أن تحترف الرياضة بشكل كامل في سوريا، الحياة بالنسبة للفلسطيني السوري كانت صعبة مادياً لذلك لم استطع المتابعة مع نادي الجيش الذي كان ينافس على البطولات في البلاد قبل عام 2011'.

الشام أم المخيم؟

'في برلين لم أستطع التأقلم حتى الآن، هنا يوجد الأمان فقط، لكني ابن الشام في النهاية' يقول الباش مشتاقاً لدمشق بذات الشوق لفلسطين، ويحمل في صوته الكثير من الحنين الذي لا يفسر كثيراً من قبله إلا بعبارة بسيطة 'أنا ابن الشام في النهاية حتى أني اتحدث اللهجة الشامية”، ثم يقول إن الموت في الشام أفضل من الحياة في أي مكان آخر في العالم.

تزداد الحرقة حين يبدأ الحديث عن المخيم، فهو الملعب الأول للباش، والأرض الأولى والسماء الأولى، هناك –يقول- كان الناس يحبون بعضهم أكثر من أي مكان آخر في العالم.

يلعب الباش اليوم مع فريق Fc Neuköln 1895 الألماني، وهو يطمح للعب مع فرق كبيرة في ألمانيا بعد الجائزة التي حصل عليها، أما الفريق الذي يتمنى بشدة أن يعلب فيه يوماً، فهو منتخب فلسطين الوطني، حتى لو أنه لا يظن بأن هذا غير ممكن في يوم من الأيام، فالعودة إلى فلسطين رغم أنها متمناة إلا أنها بعيدة التحقق.

عاش الباش ظروفاً استثنائية في سوريا ثم لبنان، فقد أخاً وعاشت عائلته حصاراً ثم نزوحاً ثم اللجوء مجددا في ألمانيا، لكنه يرد إصراره  على تحقيق حلمه، لكونه فلسطيني لا يملك خياراً إلا إثبات الذات.

التعليقات