03/09/2023 - 20:35

تاريخ شيكاغو: من الكساد العظيم إلى القضاء على الجريمة المنظّمة

جلب الكساد الكبير صعوبات اقتصاديّة إلى شيكاغو، ممّا أدّى إلى تفاقم التوتّرات الاجتماعيّة والمساهمة في معدّلات الجريمة، وكان الفقر والبطالة متفشّيين، ممّا وفّر أرضًا خصبة لازدهار الجريمة، كما كان لاندلاع الحرب العالميّة الثانية في الأربعينيّات من القرن الماضي تأثير كبير

تاريخ شيكاغو: من الكساد العظيم إلى القضاء على الجريمة المنظّمة

آل كابوني (Getty)

تُعرف شيكاغو الّتي يشار إليها غالبًا باسم "المدينة العاصفة"، بتاريخ معقّد ومتعدّد الأبعاد جعلها تتطوّر من مدينة تعاني من الجريمة إلى مكان معروف بمرونته وتحوّله، وعلى مدى القرن الماضي، عانت شيكاغو من ارتفاع معدّلات الجريمة وعنف العصابات والفساد، ومع ذلك، فمن خلال الجهود المتضافرة والمشاركة المجتمعيّة والاستراتيجيّات المبتكرة، خطت المدينة خطوات كبيرة في الحدّ من الجريمة وتحسين سلامة ونوعيّة الحياة لسكّانها.

وتعتبر رحلة شيكاغو عبر قرن من الجريمة وطريقها إلى التحوّل هي قصّة المرونة والتكيّف وتمكين المجتمع. من الأيّام المظلمة للحظر والجريمة المنظّمة إلى تحدّيات العصر الحديث، أظهرت شيكاغو أنّه من الممكن تقليل معدّلات الجريمة وتحسين سلامة ورفاهية سكّانها من خلال الاستراتيجيّات المبتكرة والشراكات المجتمعيّة والالتزام بـ عدالة.

وتعتبر ملحمة الجريمة في شيكاغو في أوائل القرن العشرين مرادفة لشخصيّة آل كابونيّ سيّئة السمعة، فأثناء الحظر (1920-1933)، ازدهرت الجريمة المنظّمة في شيكاغو، وبرز آل كابونيّ كأقوى رجل عصابات في المدينة وأكثرها رعبًا، حيث إمبراطوريّته الإجراميّة، الّتي تغذّيها مبيعات الكحول غير القانونيّة، والقمار، ومضارب مختلفة، حوّلت شيكاغو إلى معقل للعنف والفساد، وكانت مذبحة عيد القدّيس فالنتاين عام 1929، حيث قتل سبعة أعضاء من عصابة منافسة بوحشيّة، بمثابة تجسيد لوحشيّة تلك الحقبة.

وجلب الكساد الكبير صعوبات اقتصاديّة إلى شيكاغو، ممّا أدّى إلى تفاقم التوتّرات الاجتماعيّة والمساهمة في معدّلات الجريمة، وكان الفقر والبطالة متفشّيين، ممّا وفّر أرضًا خصبة لازدهار الجريمة، كما كان لاندلاع الحرب العالميّة الثانية في الأربعينيّات من القرن الماضي تأثير كبير على المدينة، حيث جلبت المجهود الحربيّ فرصًا اقتصاديّة وحفّزت المجتمعات، ممّا أدّى إلى انخفاض مؤقّت في الجريمة مع تحوّل الموارد والتركيز نحو الحرب.

وتميّزت فترة ما بعد الحرب في شيكاغو بتغيّرات ديموغرافيّة كبيرة، حيث شهدت الهجرة الكبرى تدفّقًا هائلًا للأميركيّين الأفارقة من الجنوب، بحثًا عن فرص اقتصاديّة أفضل وهربًا من الفصل العنصريّ، وفي حين أنّ هذه الهجرة أثّرت ثقافة المدينة، إلّا أنّها أدّت أيضًا إلى الاكتظاظ في الأحياء الفقيرة بالفعل، ممّا أثار التوتّرات العنصريّة وساهم في معدّلات الجريمة، ولاحقًا، كان لحركة الحقوق المدنيّة في الخمسينيّات والستّينيّات من القرن الماضي تأثير عميق على شيكاغو، حيث طالب الأمريكيّون من أصل أفريقيّ بحقوق متساوية وظروف معيشيّة أفضل، وعلى إثر ذلك، شهدت المدينة سلسلة من الاحتجاجات والاضطرابات المدنيّة، كما أثار اغتيال الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور عام 1968 أعمال شغب في العديد من المناطق الحضريّة، بما في ذلك الجانب الغربيّ من شيكاغو، وزادت هذه الأحداث من توتّر العلاقات بين المجتمعات وجهات إنفاذ القانون.

ودخلت شيكاغو السبعينيّات وهي تعاني من مشكلة العصابات المتزايدة، حيث أصبحت العصابات مثل نوّاب اللوردات والملوك اللاتينيّين وتلاميذ العصابات قويّة بشكل متزايد، ممّا أدّى إلى نشر العنف وتجارة المخدّرات في جميع أنحاء المدينة، كما أدّى إدخال الكوكايين في الثمانينات إلى تصاعد تجارة المخدّرات وأدّى إلى تأجيج عنف العصابات، حيث تحمّلت الأحياء الواقعة على الجانبين الجنوبيّ والغربيّ من شيكاغو العبء الأكبر من هذا الوباء، ممّا أكسب المدينة سمعة كونها واحدة من أخطر المناطق في الولايات المتّحدة، كما شكّلت التسعينيّات نقطة تحوّل في معركة شيكاغو ضدّ الجريمة، حيث اعتمدت المدينة استراتيجيّات الشرطة المجتمعيّة الّتي ركّزت على التعاون بين سلطات إنفاذ القانون والمجتمعات المحلّيّة، وتمّ إطلاق استراتيجيّة شيكاغو للشرطة البديلة (CAPS) في عام 1993، بهدف بناء الثقة، وتحسين العلاقات بين الشرطة والمجتمع، والحدّ من الجريمة من خلال مشاركة المجتمع.

وبدأت جهود التسعينيّات تؤتي ثمارها في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، حيث شهدت شيكاغو انخفاضًا كبيرًا في معدّلات الجريمة، بما في ذلك جرائم القتل، حيث اكتسبت المبادرات المجتمعيّة زخمًا وتمّ تنفيذ برامج منع الجرائم العنيفة، كما لعب النشر الاستراتيجيّ لموارد الشرطة والتكنولوجيا دورًا في هذا التخفيض، وعلى الرغم من التحدّيات المستمرّة، كانت المدينة تخطو خطوات نحو أن تصبح مكانًا أكثر أمانًا للعيش فيه، وجلب القرن الحادي والعشرون تحدّيات جديدة لشيكاغو، حيث استمرّت المدينة في مواجهة قضايا مثل الفقر والفصل العنصريّ وعدم المساواة، والّتي غالبًا ما ترتبط بالجريمة، وأدّى تصاعد العنف المسلّح في أوائل عام 2010 إلى تجديد الجهود لمعالجة الأسباب الكامنة وراء العنف، حيث نفّذت منظّمة CeaseFire، وهي منظّمة مجتمعيّة، نهجًا للصحّة العامّة في التعامل مع العنف المسلّح، وتعاملت معه باعتباره وباء وتدخّلت لمنع عمليّات إطلاق النار الانتقاميّة.

وواجهت المدينة أيضًا تدقيقًا بشأن قضايا سوء سلوك الشرطة والمساءلة، حيث وأدّت حالات بارزة من حوادث إطلاق النار الّتي تورّطت فيها الشرطة، بما في ذلك مقتل لاكوان ماكدونالد في عام 2014، إلى غضب شعبيّ ودعوات لإصلاح الشرطة، كما خضع قسم شرطة شيكاغو لتغييرات كبيرة، بما في ذلك اعتماد الكاميرات الّتي يتمّ ارتداؤها على الجسم، وزيادة الشفّافيّة، والجهود المبذولة لإعادة بناء الثقة بين سلطات إنفاذ القانون والمجتمع.

التعليقات