الطريق إلى الإرهاب... رحلة أنيس العامري

"أتمنى ألا يكون ابني هو الفاعل لأنني أرفض قتل الناس وإن ثبت أنه الفاعل فسأتبرأ منه"...

الطريق إلى الإرهاب... رحلة أنيس العامري

"أتمنى ألا يكون ابني هو الفاعل لأنني أرفض قتل الناس وإن ثبت أنه الفاعل فسأتبرأ منه"...

بهذه العبارات التي امتزجت بدموع الحرقة والحيرة، تحدثت الأم التونسية نور الهدى، وهي لا تقدر على مواراة حزنها على ابنها أنيس العامري، المشتبه به الأول في تنفيذ حادثة دهس مواطنين في متجر لهدايا عيد الميلاد بالعاصمة الألمانية برلين الإثنين الماضي، وراح ضحيتها 12 شخصا.

الشرطة الألمانية ما تزال تبحث عن الشاب التونسي (24 عامًا) الذي عثرت على وثيقة هويته بمكان الحادثة ورصدت مبلغاً قدره 100 ألف يورو لمن يساعد في القبض عليه.

رغم إعلان الشرطة الإيطالية ظهر اليوم، الجمعة، عن تطابق بصمات العامري مع بصمات شخص قتل بتبادل إطلاق النار مع الشرطة الإيطالية في ميلانو، والذي وقع عقب طلب الشرطة الإيطالية التأكد من أوراق إثبات الشخصية لأحد الأشخاص، والذي بادر بدوره بإطلاق النار على رجال الشرطة فأصيب أحدهم، وقتل هو.

عند تصفيته في إيطاليا

البحث الأمني في ألمانيا يوازيه حيرة وحرقة للأم نور الهدى التي ما تنفك تستقبل الضيوف والأقارب والصحافيين في منزل العائلة بمدينة الوسلاتية الواقعة بين جبلي وسلات والسرج، 60 كلم غرب مدينة القيروان.

من يحضر إلى بيت عائلة أنيس لا يعرف أي العبارات يقول بين المواساة والاستفسار عما فعله الابن الذي يُنظر له اليوم كـ"إرهابي خطير".

الخميس 22 كانون الأول/ ديسمبر يوافق عيد ميلاد أنيس الخامس والعشرين، ابن مصطفى العامري ابن حي العمال بالوسلاتية، أحد الأحياء الفقيرة بالمدينة وأوسط إخوته الخمسة.

عام 2011 كان آخر عهد أنيس بالحي الذي قضى به طفولته عندما غادره مهاجرا سرّيا إلى إيطاليا وهو لم يبلغ العشرين من عمره.

مسجد في إيطاليا.

لم ينه أنيس مرحلة الإعدادي من دراسته، فقد فُصِل من المدرسة الإعدادية "الشابي" القريبة من منزله منذ الثامنة بسبب عدم المواظبة.

قضّى أنيس سنوات من الانحراف والبطالة مثل غيره من شبان المنطقة الفقيرة.

حسب رواية شقيق أنيس، وليد العامري، فإن الأخير لم يكن يحمل أية أفكار دينية أو سياسية، بل لم يكن يقم بواجباته الدينية مثل إخوته.

يقول وليد "نحن نصلي وهو لم يكن يفعل ذلك".

هاجر أنيس سرّا إلى إيطاليا ضمن قوافل المهاجرين دون أن يُعلِم عائلته، هربا من وضعه الاجتماعي الصعب ومن الحكم القضائي الذي سيطاله بسبب اتهامه بسرقة شاحنة خفيفة.

في إيطاليا، وفي أحد مركز إيواء المهاجرين أدين العامري بحرق مركز الإيواء وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بحسب ما أفاد شقيق آخر له، عبد القادر.

عائلة أنس.

"أرجّح أن يكون التغيير في شخصية وفكر أنيس قد تم في السجن"، يقول عبد القادر متحدثًا عن ظروف مجهولة واحتمال استقطاب شقيقه داخل السجن علّه يجد تبريرًا للاتهام الموجهة لأخيه بحادثة الدهس.

إثر إنهاء عقوبة السجن في إيطاليا غادر أنيس سنة 2014 باتجاه دول أوروبية أخرى منها سويسرا ليستقر في ألمانيا.

بعد سنوات من انقطاع أخباره، نشطت اتصالات أنيس مع أفراد أسرته خاصة إخوته ووالدته، وفتح حسابا على شبكة التواصل الاجتماعي يحمل اسمه الحقيقي وكان يتواصل مع عائلته عبره.

في آخر مكالمة مع والدته قبل أيام من الحادثة، على حد قولها، أخبرها أنيس أنه أصبح يصلي فدعت له بالهداية وحدثته عن رغبتها في أداء العمرة ووعد بأن يلتقيها في الديار المقدسة.

كانت العائلة تنتظر عودة ابنها بالمال لمساعدتها في ظل ظروفها الاجتماعية والمعيشية الصعبة ومنها مرض والديه نور الهدى ومصطفى اللذان يشكوان من إعاقات.

نور الهدى ومصطفى العامري.

العائلة كانت مستندة في انتظارها إلى حالة عدم الاستقرار التي كان عليها أنيس في ألمانيا وعدم تمكنه من الحصول على موافقة على طلب اللجوء، حيث أنيس يحدّث أفراد أسرته بنيته العودة إلى تونس.

العقبة الأكبر التي كانت قد تقف أمامه هي حكم السجن لخمس سنوات الذي صدر غيابيا في حقه في أحد القضايا، وقد شرعت العائلة بالتنسيق مع ابنها في القيام بإجراءات الاعتراض عبر تكليف محام خاص بعد الحصول على تراجع في شهادة أحد الشهود بالقضية التي تعود إلى ما قبل هجرته من البلاد.

وأودت حادثة الدهس التي وقعت مساء الإثنين الماضي، في أحد أسواق عيد الميلاد وسط برلين، بحياة 12 شخصًا، لم تعلن السلطات الألمانية عن جنسياتهم بعد، وإصابة آخرين.

وأعلنت السلطات الألمانية، أنها تشتبه في التونسي أنيس العامري، بتورطه في الهجوم الدامي الذي تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي.

أول صورة تنشرها الشرطة الألمانية للعامري

وأفادت وسائل إعلام ألمانية، أمس الخميس، بعثور محققين على بصمات أنيس العامري على باب شاحنة الموت التي استهدفت سوق أعياد الميلاد في برلين.

وكشف مصدر أمني تونسي، الأربعاء، أن العامري "كان يتعاطى المخدرات، ومصنّف ضمن المنحرفين في البلاد".

وأضاف المصدر في تصريح له مفضلا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن "أنيس العامري، المشتبه به في تنفيذ هجوم برلين، كان من ذوي السيرة غير الحسنة، وقد هاجر بصفة غير شرعية إلى إيطاليا عام 2011، وسجن فيها 3 أعوام قبل أن ينتقل إلى ألمانيا طالبا اللجوء".

ولم يوضح المصدر المقصود بتصنيف المشتبه به ضمن "المنحرفين"، وهل يقصد بذلك أنه سيئ السمعة، أم على خلفية اتهامه بقضية سرقة الشاحنة.

حادثة أنيس العامري أعادت إلى الواجهة الحديث عن ظاهرة استقطاب خاصة بمعتمدية الوسلاتية التي شهدت سفر شبان إلى بؤر التوتر في ليبيا وسورية ومنهم من تلقت أسرهم أخبارًا بمقتلهم

وفي تصريحات سابقة للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، أشار إلى أنه "يوجد بسورية ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل تونسي بينهم نساء"، فيما قدّرت تقارير دولية أن أعداد التونسيين في مختلف بؤر التوتر في ليبيا وسورية والعراق يتراوح بين 5 آلاف و500 مقاتل.

التعليقات