من هو إيمانويل ماكرون الذي تصدر جولة الانتخابات الفرنسية الأولى؟

تلقى ماكرون العديد من الصفات والألقاب من قبل منافسيه، الذي أدركوا مبكرًا انه سيكون أحد أبرز خصومهم، إذ وصفه اليمين الفرنسي بـ"العميل"، ويرى فيه المنافس الأشرس والذي يمكن أن يشكل عقبة أمام وصول فرانسوا فيون إلى سدة الحكم.

من هو إيمانويل ماكرون الذي تصدر جولة الانتخابات الفرنسية الأولى؟

إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تركزت الأضواء، مساء الأحد، بعد إغلاق صناديق الاقتراع للجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، على شخص واحد، اسمه إيمانويل ماكرون، تمكن من كسب أكبر عدد من الأصوات رغم كونه الأصغر سنًا بين 11 مرشحًا، وربما يصبح الرئيس الأصغر سنًا في تاريخ فرنسا، في جيل 40 عامًا.    

شغل ماكرون منصب وزير الاقتصاد الفرنسي بين عامي 2014-2016، واستقال بعدها من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية في فرنسا، بعد أن أسس حركة إلى الأمام وانتخب رئيسًا لها، وتشير التقديرات إلى احتمال توليه رئاسة فرنسا خلال أسبوعين.

وتلقى ماكرون العديد من الصفات والألقاب من قبل منافسيه، الذي أدركوا مبكرًا انه سيكون أحد أبرز خصومهم، إذ وصفه اليمين الفرنسي بـ'العميل'، ويرى فيه المنافس الأشرس والذي يمكن أن يشكل عقبة أمام وصول فرانسوا فيون إلى سدة الحكم.

أما الحزب الاشتراكي فلقبه بـ'بروتوس جديد'، ذلك السياسي الفيلسوف الذي شارك في قتل الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر عام 44 قبل المسيح، رغم أنه هو الذي صقل مسيرته ومنحه كل النعمات والخيرات، ويصف الاشتراكيون إيمانويل ماكرون بـ'بروتوس' لأنه بترشحه للرئاسة خدع، بحسب رأيهم، الرئيس فرانسوا هولاند الذي عينه وزيرا للاقتصاد في 2014، بعدما عمل مستشارا له في قصر الإليزيه في 2012.

لكن في آب/ أغسطس 2016، قرر ماكرون مغادرة الحكومة بحثا بمفرده عن السلطة العليا، ودون أن يتساءل عن تداعيات الترشح ضد رئيس قدم له كل الدعم والمساندة من أجل البروز في الساحة السياسة الفرنسية والأوروبية.

متزوج من معلمته التي تكبره بـ20 عامًا

حياة إيمانويل ماكرون شبيهة بألبوم صور متعدد الألوان. بدأها بمسار تعليمي ناجح في أبرز المدراس والمعاهد الفرنسية وهي معهد 'هنري 4' بباريس ثم معهد العلوم السياسية بباريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورغ (2002-2004) إضافة إلى مؤسسات تربوية عريقة أخرى.

خلال مشوراه الدراسي، وقع إيمانويل ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في غرام مدرسة للغة الفرنسية، تدعى برجيت ترونيو، والتي كانت تكبره سنا بعشرين سنة. وتزوجها بعد بضع سنوات، وما زالت تشاركه حياته إلى اليوم مع ثلاثة أطفال من زواجها السابق. 

لعبت برجيت ترونيو دورا أساسيا في تألق نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي، فمنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة.

فبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، عمل كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي، مستشار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران.

في 2008، غادر عالم الإدارة العليا والتحق بمصرف 'روتشيلد' ليكتشف أسرار البنوك والمالية. وفي حوار مع جريدة 'لوموند'، علق ماكرون عن خبرته البنكية قائلا:' لقد تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد'.

'قادر على الاستقالة في أية لحظة'

في 2012، التحق بالرئيس هولاند وعمل مستشارا اقتصاديا إلى غاية 2014 ليعينه هولاند بعد ذلك وزيرا للاقتصاد محل أرنو مونتبورغ الذي استقال من منصبه.

وعن هذا التعيين، قال ماكرون 'لقد طلبت من الرئيس أن يمنحني ساعة واحدة فقط للتفكير. كنت أريد أن أضمن أن تكون لي حرية كاملة في التصرف. في الحقيقة لست رجل النزاعات والخلافات، لكن الرئيس كان يدرك في نفس الوقت بأنني قادر على الاستقالة في أية لحظة'.

دامت عهدة ماكرون الوزارية سنتين (2014-2016) وظف خلالها خبرته في مجال البنوك لإعطاء دفعة جديدة للاقتصاد الفرنسي وتخفيض نسبة البطالة التي تطال ملايين الفرنسيين.

لكن عندما غادر الحكومة، اعترف بوجود عوائق كثيرة في الشركات والإدارات الفرنسية تحول دون القيام بإصلاحات عميقة وكفيلة بإخراج فرنسا من الأزمة التي تمر بها منذ سنوات عديدة.

ولم يشرح ماكرون سبب استقالته من منصبه ولم يكشف عما إذا كان يفكر آنذاك في خوض غمار الانتخابات الرئاسية أو إذا كان بصدد تأسيس حزب سياسي.

عمل ماكرون في الظل و بعيدا عن أنظار الإعلام إلى غاية تأسيس حركته ' إلى الأمام' واستقطب عشرات الآلاف من المساندين، غالبيتهم من الشباب الذين يرون فيه الرجل السياسي النظيف الذي جاء بأفكار حديثة ويتحدث لغة أخرى غير لغة السياسيين الفرنسيين التقليديين.

ماكرون لا يريد أن يصنف في أية 'خانة' سياسية

يؤكد ماكرون في كل تجمع انتخابي شعبي على ضرورة ألا يكون هناك منبوذون ومنسيون في فرنسا وضرورة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين في حال انتخابه رئيسا للبلاد وبالدفاع عن مشروع متناغم يقوم على رؤية شاملة.

كما تعهد بخفض كلفة العمل للمؤسسات العمومية وإبقاء نظام العمل 35 ساعة في الأسبوع وتحسين القدرة الشرائية للموظفين.

على المستوى الأوروبي، اقترح ميزانية أوروبية شاملة قادرة على التصدي للأزمات وتشجيع الاستثمار.

سياسيا، لا يصنف إيمانويل ماكرون في 'خانة' ما فهو لا ينتمي لليسار ولا لليمين. فرغم شغله منصب وزير الاقتصاد في حكومة يسارية، لم يعلن ولو مرة واحدة أنه يدعم التوجه اليساري أو الحزب الاشتراكي. لا ينتمي بذلك لأي تيار سياسي تقليدي بل يشق طريقه برفقة مسانديه ويبلور أفكارا جديدة أصبحت تلقى صدى كبيرا في المجتمع الفرنسي.

دخل ماكرون المعركة الانتخابية بقوة رغم نقص الإمكانيات المالية، واستقطبت تجمعاته الانتخابية آلاف الشباب الذين يرون فيه رجل المستقبل الذي سيقود فرنسا نحو التألق والازدهار. ويعتمد ماكرون في خطاباته على كلمات عادية يستخدمها العام والخاص، ويتصرف بكل عفوية، على عكس السياسيين التقليديين الذين تعودوا على لغة خشبية غريبة عن الشعب.

التعليقات