جو بايدن.. حياة صاخبة بالمآسي والمناصب

ليس الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مجهولًا في واشنطن والولايات المتحدة، فله تاريخ طويل من المناصب العامّة.. والمآسي الخاصّة.

جو بايدن.. حياة صاخبة بالمآسي والمناصب

(أ ب)

ليس الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن مجهولًا في واشنطن والولايات المتحدة، فله تاريخ طويل من المناصب العامّة.. والمآسي الخاصّة.

وصل بايدن إلى مجلس الشيوخ الأميركيّ لأوّل مرّة عام 1972، وكان حينها ابن 30 عامًا، لكنّ فرحته تلك لم تكتمل، فبعد شهر واحدٍ من انتخابه توفيّت زوجته وابنته في حادث سير وأصيب نجلاه بجروح.

نمّت هذه المأساة التي تبعها فقدان ابنه الأكبر العام 2015، مشاعر التعاطف التي يكنها الناخبون له. وجعل بايدن من التعاطف أحد سمات مسيرته السياسية البارزة.

بايدن وزوجته الأولى قبل وفاتها بفترة قصيرة
بايدن وزوجته الأولى قبل وفاتها بفترة قصيرة

وفي 2020، لا يزال بايدن يتمتع بطلته الأنيقة، لكن هذا المخضرم في السياسة لم يعد كما كان في أوج عهده نائبًا للرئيس باراك اوباما.

فحين يكون واقفا على المنصة يبدو واهنا أحيانًا، فيما يغطي الشيب شعره. ويخشى البعض، حتى في صفوف داعميه، عليه من ضغط معركته الطويلة ضد دونالد ترامب (74 عاما) الذي اعتمد أسلوبا هجوميا.

ومع أنه استأنف في نهاية آب/أغسطس رحلاته بشكل مكثّف أكثر، إلا أن امتثاله الصارم للتعليمات الصحية يلجم تواجده على الأرض. ويرى منتقدوه أن ذلك سمح له القيام بحملة انتخابية بعيدًا عن الناخبين ومتجنبا في غالب الأحيان الصحافة.

ويطلق عليه دونالد ترامب ساخرا اسم "جو الناعس"، وينتقد بشدّة الأسئلة التي توجهها إليه الصحافة معتبرا أنّها "موجّهة لأطفال" ولا يتوانى عن انتقاد ضعف لياقته البدنية.

ويتناقل أنصار ترامب بكثرة عبر تويتر تلعثم جو بايدن، كما أن فريق حملة الملياردير الأميركي يصفه بأنه رجل عجوز يعاني الخرف.

ومع أن البعض اعتبره متقدما جدا في السن ووسطيا كثيرا، تمكن بايدن من الفوز بغالبية كبرى في كارولاينا الجنوبية بفضل أصوات الأميركيين السود، حجر الزاوية لكل ديموقراطي مرشح إلى البيت الأبيض.

متسلّحًا بهذا الانتصار، حشد بايدن بسرعة تأييد معتدلين آخرين ثم هزم منافسه الرئيسي بيرني ساندرز، وخلافا للمعركة المريرة والطويلة بين هذا الاشتراكي العنيد وهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية عام 2016، تمكّن بايدن سريعا من جمع التيار اليساري في الحزب مركزا على هدف واحد يتمثل بالحاق الهزيمة بدونالد ترامب.

وتبقى معرفة ما إذا كان بايدن "الموحد" المعتدل سينجح في إبقاء الوحدة بعد فوزه بالرئاسة.

وقال اوباما إنه حتى لو عرض بايدن البرنامج "الأكثر تقدمية" في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن البعض من اليسار سيعتبرونه فاترًا للغاية.

محاولتان سابقتان.. انتهت إحداهما بفضيحة

كانت المحاولة الثالثة هي الصائبة لهذا السياسي المخضرم، بعد فشل محاولتين للترشح للانتخابات التمهيدية الديموقراطية في 1988 و2008.

فخلال محاولته الأولى، اضطر سريعا للانسحاب بعدما تبين أن خطابه سرق عبارات من سياسي بريطاني.

مع زوجته عند ترشّحه مرة سابقة للانتخابات (أ ب)
مع زوجته عند ترشّحه مرة سابقة للانتخابات (أ ب)

وشغل بايدن منصب عضو مجلس شيوخ على مدى أكثر من 35 عاما (1973-2009) ثم نائب الرئيس من 2009 إلى 2017، ما مكّنه من التواجد على مدى عقود في أروقة السلطة في واشنطن.

وتخللت حياته السياسية الطويلة فصولا مثيرة للجدل فضلا عن نجاحات يبرزها اليوم.

ففي السبعينيّات، وفي خضمّ عملية إلغاء الفصل العنصري، عارض ما يسمى بسياسة "الحافلات" التي تهدف إلى نقل أطفال سود بالحافلات إلى مدارس ذات غالبية بيضاء لتشجيع التعليم المختلط.

وأرضى هذا الموقف الناخبين البيض في ولاية ديلاوير، لكنه عاد ليطارده بعد عقود عندما أخذته عليه السيناتور السوداء كامالا هاريس التي كانت منافسته في الانتخابات التمهيدية، في خضم مناظرة تلفزيونية.

لكن بايدن أعلن أنه "غير حاقد"، حين اختار كامالا هاريس مرشحته لنيابة الرئاسة، لتكون أول سوداء من أصول هندية تترشح لهذا المنصب.

ويحظى جو بايدن بشعبية كبرى في صفوف الأميركيين السود، وكان دعا في بداياته السياسية حين كان نائبا محليا في ويلمنغتون إلى تطوير المساكن الشعبية، ما أثار استياء السكان البيض. وغالبا ما يروي كيف أسّست تجربته كمنقذ بحري في حي تقطنه غالبية من السود لعمله السياسي.

لكن، ثمة فصول أخرى تلقي بثقلها على مسيرته السياسية، مثل تصويته لصالح الحرب في العراق عام 2003 أو جلسة الاستماع العاصفة برئاسته في مجلس الشيوخ العام 1991.

يضاف إلى ذلك تأييده القوي لـ"قانون الجريمة" العام 1994، الذي اعتبر مسؤولًا عن ارتفاع كبير في عدد السجناء وبينهم نسبة كبيرة من الأميركيين السود.

ويعترف جو بايدن اليوم بأن ذلك كان "خطأ" مشددا على شق آخر من هذا الإصلاح الواسع النطاق يتعلق بقانون مكافحة العنف بحق النساء، والذي يشكل "أكبر مصدر فخر" بالنسبة له.

وفور وصوله إلى البيت الأبيض نائبا للرئيس باراك أوباما، في أوج الأزمة المالية، عمل السناتور السابق على اعتماد الكونغرس خطة إنعاش هائلة بقيمة 800 مليار دولار.

وغالبا ما يذكر هذا الأمر لكي يثبت أن بإمكانه إنعاش الاقتصاد مجدّدا، بعدما تضرر كثيرا بسبب تداعيات الوباء.

سعى دونالد ترامب إلى انتقاد بايدن باستمرار وقال عنه "يعمل في السياسة منذ 47 عاما، ولم يقم بشيء إلا في العام 1994، عندما تسبب في الكثير من الأذى لمجتمع السود"، ورد بايدن بأن هذه الانتخابات تمثل اختيارا بين الطبقتين العاملة والوسطى اللتين يدافع عنهما، و"بارك أفينيو" الجادة النيويوركية الفخمة التي تشكل رمزا للوريث الثري.

ويؤكد بايدن باستمرار على أصوله المتواضعة. فقد ولد جوزف روبينيت بايدن الابن في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1942 في مدينة سكرانتون في بنسلفانيا. وكان والده بائع سيارات.

في الخمسينيات من القرن الماضي شهدت المدينة الصناعية فترة صعبة. بحث والده عن عمل في ولاية ديلاوير المجاورة، ثم بعد عدة زيارات نقل العائلة إلى ويلمنغتون وكان جو بايدن في سن العاشرة. وجعل منها معقله لاحقا.

وقال بايدن "كان والدي يقول دائما: ’نحكم على رجل ليس بحسب عدد المرات التي يقع فيها وإنّما بحسب الوقت الذي يستغرقه للنهوض’".

ندّدت عدة نساء بسلوكيات جو بايدن الذي يقبل على ملامسة الناس، واعتبرن أنها غير مناسبة. ووعد بالانتباه من الآن وصاعدا "للمساحة الشخصية" للآخرين، واعتذر في نيسان/أبريل 2019.

أما دونالد ترامب، المتهم من قبل أكثر من عشر نساء بالاعتداء الجنسي أو التحرش، فلم يعلق كثيرا على الاتهامات الخطيرة من امرأة تدعى تارا ريد وتقول إن جو بايدن تعدى عليها في التسعينيّات. وهو ما نفاه المرشح الديموقراطي بشكل قاطع.

علاقة وطيدة خاصّة جمعته بأوباما (أ ب)
علاقة وطيدة خاصّة جمعته بأوباما (أ ب)

ولم تعلق زوجته جيل بايدن (69 عاما) التي قامت بحملة من أجله في جميع أنحاء البلاد، على هذا الاتهام.

وجيل بايدن المعلمة الديناميكية، شكلت إحدى الاوراق الرابحة في حملة بايدن. وتزوّجا العام 1977 ولهما ابنة تدعى آشلي.

وروى بايدن في مذكراته أن ابنيه بو وهانتر اقترحا عليه حين كانا لا يزالان صغيرين الزواج من جيل. ويقول عنها "لقد منحتني الحياة مجددا".

وغالبا ما يتحدث بايدن عن الألم الذي لا يزال يسكنه منذ وفاة نجله بو بايدن بمرض سرطان الدماغ العام 2015 قائلا "هذا لا يختفي أبدا"، وحالت وفاة نجله دون خوضه الانتخابات الرئاسية العام 2016.

تولى جو بايدن، الذي أصبح أرملا بعد حادث السيارة المأسوي، مهامه كسيناتور في كانون الثاني/يناير 1973 وكان في المستشفى بجانب ابنيه اللذين أصيبا في حادث السير.

حتى اليوم، غالبا ما يوجه التحية إلى المسعفين مذكرا بأنهم "أنقذوا حياة" ولديه وحياته أيضا.

ففي العام 1988، نقله مسعفون إلى المستشفى بشكل طارئ إثر تمدّد في الأوعية الدموية. اعتبرت حالته خطيرة لدرجة أنه تم استدعاء كاهن لرفع الصلوات الأخيرة.

وبايدن كاثوليكي فخور بأصوله الأيرلندية ويذهب كل يوم أحد تقريبا إلى كنيسة القديس يوسف الصغيرة في برانديواين في الحي الراقي الذي يسكنه في ويلمنغتون. ففي مقبرة هذه الكنيسة يرقد والداه وزوجته الأولى نيليا وابنتهما ناومي وكذلك ابنه بو تحت شاهد قبر مزين بأعلام أميركية.

في كانون الثاني/يناير، قال جو بايدن عن ابنه "كل صباح أستيقظ وأسأل نفسي: ’هل هو فخور بي؟’".

التعليقات