الأصالة وتاريخ الأجداد بمتحف الصابون اللبناني

تعتبر لبنان، تلك الدولة الديمقراطية الطائفية من أهم الدول العربية، حيث أنها تتميز بتعدد ثقافتها وتنوع حضارتها، فمعظم سكانها من العرب المسلمين والمسيحيين، وهناك بعض السكان المنتمين إلى دول أخرى، بالإضافة إلى أن هناك الديانة اليهودية بالدول

الأصالة وتاريخ الأجداد بمتحف الصابون اللبناني

تعتبر لبنان، تلك الدولة الديمقراطية الطائفية من أهم الدول العربية، حيث أنها تتميز بتعدد ثقافتها وتنوع حضارتها، فمعظم سكانها من العرب المسلمين والمسيحيين، وهناك بعض السكان المنتمين إلى دول أخرى، بالإضافة إلى أن هناك الديانة اليهودية بالدولة، لكن تظل المسيحية هي الديانة الأكثر انتشارا في لبنان، وقد هاجر وانتشر أبناؤها حول العالم منذ أيام الفينيقيين، وحاليا فإن عدد اللبنانيين المهاجرين يقدر بضعف عدد اللبنانيين المقيمين بها.

وقد اشتهر سكانها قديما بصناعة الصابون بالطرق التقليدية، وهي تعتبر إحدى الحرف اليدوية العريقة في لبنان، فقد تم اختراعها منذ قرون عديدة، ومتحف الصابون في مدينة صيدا الساحلية الذي يقع جنوب لبنان، والذي بني منذ 300 سنة، وكان في بداية الأمر مصنعا للصابون، ويرجع بناؤه للقرن السابع عشر، وهو يهدف لتعريف الزوار الأجانب والمواطنين على حد سواء بحرفة كانت موجودة منذ نحو ثلاثة آلاف عام، وتعريف الأجانب بحضارة وعراقة سكان لبنان في هذه الحرفة، حيث اشتهرت العديد من المدن الساحلية بإنتاج وتصدير الصابون المصنوع من زيت الزيتون، وعرفت لبنان بأنها من أكثر الدول إنتاجا للصابون على الطريقة اليدوية.

تم شراء متحف الصابون عام 1880م من قبل عائلة عودة، وأبقته معملا للصابون لتلبية حاجات السكان المتواجدين في لبنان والحمامات البعيدة، مثل: حمام المير، وحمام الورد، وحمام السبع بنات، وحمام الشيخ، والحمام الجديد التي كانت قائمة في المدينة وقتها.

واشتهرت العائلة بتأسيس أول بنك في لبنان، واشتهر المتحف بوجود العديد من أنواع الصابون ذات الرائحة الجميلة التي تجذب الزائر إليها، ومن ضمن هذه الأنواع: صابون بزيت الزيتون، وصابون الغار، وصابون آخر مخصص للعروس، وصابون مقاوم للتجاعيد، وآخر برائحة الياسمين، وصابون حلبي، ويوضح المتحف تاريخ صناعة الصابون من حلب في سوريا إلى نابلس في الأراضي الفلسطينية، ويعرض مراحل تطورها المختلفة من عصر الفينيقيين إلى عصر الدولة العثمانية.

تراث قديم

صناعة الصابون كانت من أهم سمات التراث اللبناني قديما، فقد حافظ المتحف على تاريخ صناعة الصابون بالطرق القديمة التقليدية، وعن مكونات المتحف فهو يحتوي على صالة عرض كبيرة للصابون وأنواعه في المدخل، وقد استخدمت القربات والرفش الكبير، والدلو والجرار لعرض أنواع مختلفة من الصابون في شكله النهائي.

وفي نهاية الصالة يعرض فيلما وثائقيا بالمتحف يعرض مراحل تطور صنع الصابون التقليدي في لبنان، كما يحتوي على فخارات تعود إلى العصر العثماني، والتي اكتشفت خلال عملية تحويل المصبنة القديمة إلى متحف وتعرض هذه القطع التي تم ترميم البعض منها في واجهات خصصت لها، وقد توارث هذه المهنة الأجيال.

من جانبها، تؤكد كارول عازار التي تتولى إدارة متحف الصابون منذ عام 2002، أنه تم اكتشاف الصابون منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، وكانت المنطقة تشتهر بتصدير الزيتون والصابون الحرفي، مشيرة إلى أن استمرار المتحف يوضح أهميتنا ببقاء المهنة وشرح تلك التفاصيل للزائرين للمتحف، ولكي نعرفهم بفائدة الصابون، وطرق تصنيعه التي تتم من خلال مواد طبيعية وليست كيميائية، وتكون لها فوائد للجسم ولا تضره.

وتوضح عازار أن المتحف يستقبل الزوار يوميا ماعدا يوم الأحد، وهو يوجد في قلب مدينة صيدا بمنطقة السوق القديمة، والتي تتكون من أزقة صغيرة تجاورها متاجر الحلي ومتاجر الجزارة، مؤكدة أن صناعة الصابون عمود من أعمدة التراث اللبناني الذي يؤكد على بدايتنا في تلك الحرفة وتطورنا فيها، لافتة إلى أن ذلك الصابون يستخدم في أغراض عديدة، من ضمنها أنه يقاوم التجاعيد، ويستخدم كمنشط جنسي للمتزوجين، موضحة أن ليس الأجانب فقط هم من يشترون الصابون، لكن هناك لبنانيون أكثر من السواح يقدمون على شرائه لأنه صابون تراثي طبيعي.

وتشير إلى أن إنتاج الصابون التقليدي عُرف منذ عدة قرون في لبنان وسوريا وفلسطين، ولا يزال قائما حتى يومنا هذا، وغالبا ما تقع معامل الصابون قرب مناطق زراعة الزيتون، سواء على الساحل، أو في داخل البلاد، موضحة أن أهم مركز هذه الصناعة هو حلب في سوريا، وطرابلس وصيدا في لبنان، ونابلس في فلسطين، فهم لديهم المفاهيم الأولية والتقليدية التي نشأنا عليها في صناعة الصابون الطبيعي الخام.

وتضيف عازار: العناصر الأساسية المكونة للصابون التقليدي هي: زيت الزيتون، العنصر القلوي أو الرماد، الكلس المخمد، الماء، والمعطر غالبا ما يكون الغار، والنطرون الذي يعرفه العامة بالقطرون، والمدن التي تصنعه تستخدم جميعها تلك المواد، إلا أن كل دولة لها طابعها وسمتها الخاصة في صناعته، فنابلس كان أساس تجارتها ترتكز على إنتاجها للزيت الزيتون الذي كان ينقل إلى مصر ودمشق والحجاز في القرن الثامن عشر، وعلى صناعة الصابون، حتى أن الصابون النابلسي كان دليلا على علامة الجودة.

أما مدينة حلب فلا تزال هناك عائلات تحافظ على هذه الصناعة التقليدية مثل آل زنابيلي وجبيلي ومقيد وفنسا، أما مدينة طرابلس فكان أساس تجارتها مع ولايات الإمبراطورية العثمانية في القرن الخامس عشر والسادس عشر يقوم على الصابون المحلي وحرير الجبل بشكل أساسي، وقد كانت تصدر الصابون والرماد الذي كان يؤتى به من السهب في صحراء حماة وحمص على ظهور الجمال، وأثناء الحرب العالمية الأولى كان هناك 11 معملا ينتج 40 ألف قنطار صابون يصدر ثلثه إلى الخارج.

وأخيرا، تؤكد عازار أنه لا يزال هناك عائلات في طرابلس تعمل في حرفة الصابون التقليدي من ضمنها السبيتي، وعبد، والبابا، وقمر الدين، وعويضة، وبركة، وعدرة، وأما صيدا فكانت تضم ثلاث مصابن، أقدمها يعود إلى القرن السادس عشر التي كانت ملك مفتي المدينة جلال الدين، والثانية يملكها ملك ماجد الخوري، والثالثة لآل عودة، وقد ازدهرت هذه المصابن في عام 1660 عندما تحولت صيدا إلى محور تجاري رئيسي لجنوب بلاد الشام، فقد كان يشحن منها باتجاه فرنسا الزيت والرماد المادتان الأوليتان الضروريتان لصناعة الصابون، والصابون البلدي، بالإضافة إلى السلع الأخرى كالقطن والحرير والخام والقمح التي كانت تصل مع القوافل من الأرياف المحيطة بها.

التعليقات