أنوثة بين شرار الحديد...

على صوت لِحام القضبان الحديدية، والشرار المتطاير من حولها، تقف السيدة رنيم صفدي (30 عاما)، تحمل آلة قص الحديد، التي تخشى منها بنات جنسها، وتبدأ بقص لوحٍ حديدي كبير.

أنوثة بين شرار الحديد...

على صوت لِحام القضبان الحديدية، والشرار المتطاير من حولها، تقف السيدة رنيم صفدي (30 عاما)، تحمل آلة قص الحديد، التي تخشى منها بنات جنسها، وتبدأ بقص لوحٍ حديدي كبير.

ذكورية المهنة وخطورتها، وخشونة الأيادي التي تتعامل مع قضبان الحديد الثقيلة، لم تقف عائقًا أمام رنيم، لتصبح 'معلمة'، في مجال الحدادة في قريتها 'عوريف'، جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية.

'منذ أربع سنوات وأنا أعمل داخل هذه الورشة الملاصقة لبيتي'، تقول رنيم في حين كان صغيرها ذو الثلاثة سنوات يلهو عند باب الورشة، قبل أن يأتي ليحتضنها ويحظى بقبلة منها.

أما إجابتها عن السؤال البديهي، الذي يوجّه لها من كل من يراها للمرة الأولى تعمل بورشة الحدادة،

'لماذا أنتِ هنا؟' أجابت رنيم 'ظروف الحياة الصعبة'.

وتضيف رنيم 'الحياة أجبرتني على اقتحام هذا المكان، فقد مرض زوجي ووصل لمرحلة لم يكن يقوى خلالها على العمل'.

وأكملت 'وضعنا المادي لم يسمح لنا بأن نستعين بعامل، يساعد زوجي بورشة الحدادة خلال مرضه، فكنت أقف معه، أساعده وأعطيه ما يحتاجه من الحديد أو الأدوات، ومع الوقت حفظت أسماء وأنواع الحديد، وكل شيء يتعلق بالحدادة، وبدأت بالعمل بيدي'.

خلال حديثنا، أصاب سيارة زوجها عطل، فما كان من رنيم إلا أن شمرت عن ساعديها، وعملت على إصلاحه.

سألناها 'أنت لست حدادة فقط، بل ميكانيكي سيارات أيضا؟' لتجيب رنيم مع ضحكة رُسمت على وجهها ردًا على استغرابنا، 'الحدادة ليست العمل الوحيد الذي أقوم به، أصلح سيارتنا كثيرة الأعطال، كما عملت ببناء منزلنا مع زوجي، وأصلح بعض الماكينات المستخدمة بالبناء كخلاطات الإسمنت'.

ولا يقتصر عمل رنيم داخل الورشة، فبائعو الحديد يعرفونها جيدًا، فهي مرافقة لزوجها في جولاته على الباعة لشراء الحديد.

تقول رنيم، إن 'بعض التجار يمازحون زوجي ويقولون له لا تحضر زوجتك معك المرة القادمة، فهي تأخذ السعر الذي تريده، في إشارة إلى قدرتي على (مفاصلتهم) جيدًا'.

ويقول زوج رنيم، أمجد عوريفي، الذي يعتمد عليها في كل تفاصيل العمل، إن 'ظروف مرضي والوضع المادي الصعب الذي مررنا به، هي من حكمت على زوجتي بالعمل ومساعدتي'.

أما عن نظرة المجتمع لزوجته وعملها يقول إن 'رضا الناس غاية لا تدرك، ومن الطبيعي أن تساعد المرأة زوجها، زوجتي تحب عملها أكثر من أي عمل آخر قد يراه الناس مناسبًا للنساء'.

وتشارك رنيم زوجها تركيب النوافذ والأبواب التي فصّلتها وطلتها، كما يشاركها أطفالها في هذا العمل، حيث تشير إلى أن أطفالها الثلاثة يرافقوها هي وزوجها خلال عملية التركيب في المنازل.

أما عن الحذر وخطورة العمل الذي تقوم به، تقول رنيم، إن 'عملي يتطلب حذرًا، تواجهني أحيانًا بعض الحوادث البسيطة لكني حذرة وأعمل بدقة، لقد أصبح هذا العمل عاديًّا بالنسبة لي'.

وفيما يتعلق بنظرة المجتمع لها ولطبيعة عملها تقول، 'في البداية كان الأمر غريبًا للناس، خاصة أني أعيش في قرية لها عادات وتقاليد معينة، والناس ليسوا معتادين على رؤية فتاة في ورشة حدادة، لكن عندما اضطررت للعمل، ولم يكن هناك من يساعدنا لم أتردد لحظة'.

اقرأ/ي أيضًا | 22 تشرين: حدث في مثل هذا اليوم

وتختم حديثها قائلة، 'أنا الآن أحب عملي، ولا أستطيع أن يمر يوم دون أن أعمل بالورشة'.

التعليقات