"الزربية" الجزائرية: في انتظار قدوم السياح

تحولت الجزائر خلال الـ25 عاما الأخيرة من بلد منتج ومصدر للسجاد (الزرابي) إلى بلد يحاول الحفاظ على ما تبقى من حرفة تقليدية تعود إلى آلاف السنين، وسط تحذيرات من اندثارها إذا لم تعالج السلطات أسباب هذا التراجع الحاد.

تحولت الجزائر خلال الـ25 عاما الأخيرة من بلد منتج ومصدر للسجاد (الزرابي) إلى بلد يحاول الحفاظ على ما تبقى من حرفة تقليدية تعود إلى آلاف السنين، وسط تحذيرات من اندثارها إذا لم تعالج السلطات أسباب هذا التراجع الحاد.

تلك الأسباب، وفق مختصين جزائريين هي: تراجع عدد السياح الأجانب، وانخفاض عدد الحرفيين، تدني أسعار السجاد المحلي، ارتفاع أسعار المواد الأولية، ورخص أسعار السجاد الصناعي أكثر من اليدوي، فضلا عن غياب المعارض التسويقية على مدار السنة، وعدم وجود سياسة حكومية واضحة للنهوض بالصناعة التقليدية.

صناعة السجاد، أو "الزربية" في الجزائر، تراجعت من أكثر من 700 ألف قطعة سنويا عام 1990 إلى أقل من 80 ألف قطعة عام 2014، و"هذا الانهيار الكبير يعود إلى عدم وجود طلب محلي، وتراجع عدد الحرفيين المنتجين"، بحسب عضو الغرفة الجزائرية للحرفيين، وصاحب شركة تصدير للمنتجات التقليدية، مسعود داشا.

وحذر داشا في حديث له، من أنه "إذا تواصل هذا الانهيار، فسنشهد اختفاء الزربية في الجزائر ربما خلال 20 سنة القادمة... قبل 25 سنة كانت الجزائر بلدا سياحيا يدخله مئات آلاف من السياح، ويعود أغلبهم إلى بلادهم محملين بمنتجات، أهمها الزربية، لكن السياحة تعاني اليوم أزمة خانقة، لهذا فقدت صناعة السجاد سوقها الأهم، وهناك سبب ثان ناتج عن الأول، وهو تراجع عدد الحرفيين العاملين في الزربية".

وأوضح داشا أن "عدد الحرفيين في صناعة السجاد لا يزيد اليوم عن 15 ألف، أغلبهم نساء يعملن بشكل متقطع، كهواية وليس كحرفة... العدد انخفض من 100 ألف تقريبا عام 1990، حسب إحصاءات وزارة السياحة، إلى 15 ألف حاليا، والسبب دائما هو غياب العائد المادي من وراء صناعة السجاد، بسبب تراجع سعر السجاد الجزائري في السوق، وارتفاع سعر المادة الأولية".

عيد الزربية

على أمل إنقاذ "الزربية" لجأت السلطات الجزائرية إلى إحياء أعياد قديمة، مثل "عيد الزربية"، الذي ينظم سنويا في مدينة غرداية، 600 كلم جنوب العاصمة الجزائر، وهي تشتهر بإنتاج أنواع عدة من "الزرابي".

وقال صاحب محل لبيع الزرابي في غرداية، مبروك عبد الباقي: "قبل 25 سنة كانت المدينة تعج بالسياح وتشتهر بأنها أكبر سوق لبيع الزرابي في الجزائر... كان عدد الزرابي المتداولة في سوق غرداية يزيد عن 100 ألف سنويا، أما اليوم فنبيع مئات من الزرابي فقط؛ بسبب غياب السياح الأجانب".

وبحزن، تابع عبد الباقي أن "إنتاج الزرابي تقلص هنا إلى درجة أن عدد الحرفيات المنتجات للزربية لا يزيد اليوم عن العشرات في مدينة كانت توصف بأنها عاصمة الزربية في الجزائر... وإذا تواصل الوضع الحالي، فستنقرض هذه الحرفة".

إجراءات عاجلة

ولتفادي مصير انقراض صناعة "الزربية"، فإنها، ووفقا لصاحب محل آخر لإنتاج الزرابي، ماكني محمد، "تحتاج إلى إجراءات عاجة".

وبحسرة، أضاف محمد، أنه "قبل 25 سنة كان الناس من كل دول العالم يأتون إلى سوق غرداية لشراء الزرابي، أما اليوم، ومع التراجع الكبير، فإن أغلب محلات الزرابي غيرت نشاطها".

ووفقا لعضو لجنة السياحة والصناعة التقليدية في البرلمان الجزائري بين عامي 2002 و2007، مجذوب خير الدين، فإن "صناعة الزربية في الجزائر فقدت أغلب زبائنها، فالزبون الأجنبي، وهو السائح، اختفى تقريبا، والزبون الجزائري صار غير مهتم بالزربية، بسبب توفر السجاد الصناعي بأسعار أرخص كثيرا".

وشدد خير الدين، وهو مسؤول سابق بوزارة السياحة، على أنه "لا يمكن أبدا أن تنتعش صناعة الزربية دون أن يتحسن أداء القطاع السياحي، ومنذ البداية أدركت الحكومات المتعاقبة ارتباط قطاع الصناعة التقليدية بقطاع السياحة، فدمجتهما في وزارة واحدة منذ أكثر من عشرين سنة".

ومع تحسن الوضع الأمني، وتراجع عائدات الجزائر من النفط لتهاوي أسعاره عالميا، تعمل السلطات على تحسين أداء قطاع السياحة، الذي انهار مع اندلاع الأزمة الأمنية الدموية عام 1992؛ إثر إلغاء الجيش نتائج انتخابات برلمانية فازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بمرحلتها الأولى.

فقبل ذلك العام، كان يزور الجزائر سنويا، وبحسب المركز الحكومي للإحصاء، قرابة 250 ألف سائح، بينما لا يزيد عددهم، خلال السنوات الأخيرة، عن 30 ألف سائح سنويا.

واعتبر النائب الجزائري السابق أن "أزمة صناعة الزربية تعود إلى سببين أساسيين، هما عدم وجود سياسة واضحة للنهوض بقطاع الصناعة التقليدية، حيث لا تمتلك السلطات أية إستراتيجية لإنقاذ قطاع إنتاج الزرابي، إضافة إلى ارتفاع أسعار المادة الأولية، التي تدخل في صناعة السجاد الجزائري، مثل الصوف والصوف الصناعي".

غياب المعارض

وقالت صاحبة ورشة صغيرة لإنتاج الزرابي في مدينة تقرت، هاجر حملاوي، إن "تقرت معروفة بإنتاج أنواع من الزرابي التقليدية، لكننا نواجه مشكلة كبيرة في تسويقها؛ بسبب عدم وجود معارض ومحلات متخصصة في تسويق السجاد على مدار السنة".

وتابعت حملاوي، في حديث لها: "تعمل في ورشتي 11 سيدة في صناعة أنواع عدة من السجاد، وأجد صعوبة في تسديد راتبهن الشهري، بسبب ضعف الطلب على السجاد، وأفكر جديا في تسريح نصف العاملات".

واعتبرت أن "الطريقة الوحيدة التي نتمكن بها من تصريف منتجاتنا هي عبر المشاركة في المعارض التي تنظمها السلطات للترويج للمنتجات التقليدية... لكن الطريقة الأفضل لإنقاذ قطاع إنتاج السجاد هي تصديره إلى الخارج والترويج له بشكل أفضل في العالم".

أنواع الزرابي ودلالاتها

عن تنوعات الزرابي في الجزائر، قال أستاذ الصناعة التقليدية، رزقي بن خيضر، إن "الجزائر تتميز بستة أنواع رئيسية من الزرابي، هي زربية بابار الأمازيغية بالشرق الجزائري، وزربيتي النمامشة والحراكتة بالشرق أيضا، وهي نوع من السجاد الرفيع المنسوج بالصوف، وقادر على منافسة أفضل أنواع السجاد بالعالم، إضافة إلى زربية العمور، وهي سجاد عربي تنتجه نساء إحدى قبائل الغرب، وزربية غرداية في الجنوب، وأخيرا زربية منطقة سيدي بلعباس بالغرب، وتسمى الحنبل، وهي نوع من السجاد المنسوج بالصوف".

وأوضح المسؤول سابق في وزارة التكوين المهني، بن خيضر، أن "السجاد الجزائري يحمل نقوشا ورموزا وألوانا لها دلالات اجتماعية عميقة وأبعاد إنسانية معبرة تعكس تراث الجزائر القديم الأمازيغي والبريري المحافظ، مثل طبيعة العلاقة الزوجية والوحدة الأسرية".

وتابع بقوله إن "ألوانها كلها طبيعية يتم استخلاصها من الموارد الطبيعية والأعشاب، مثل عود شجرة الجوز البني، والعود الأصفر، وهو بهار هندي للون الأصفر، وحب الرمان المجفف لتثبيت الألوان، وعشبة شقائق النعمان للون الأحمر القرميدي، وحجر النيلة لاكتساب اللون الأزرق، وحجر المغرة للحصول على اللون الأسود".

وأوضح المتخصص الجزائري أن "السجاد الجزائري يستخدم في تزيين غرف استقبال الضيوف والجدران، وهي ميزة البيوت في الجزائر قديما، وبالنسبة للأعراس تعادل الزربية الذهب والحلي من حيث القيمة، حيث ذاع صيت السجاد الجزائري عالميا في السابق مع ازدهار السياحة".

قبل 5 آلاف عام

ووفق أستاذ التاريخ في جامعة وهران بالغرب الجزائري، الدكتور دهان منصور، فإن "تاريخ صناعة الزربية في الجزائر تعود إلى 5 آلاف سنة، وهي تنسج بواسطة الصوف أو الصوف الحر، حسب الطلب وحسب النوعية، ويتم شد خيوطها بدقة كبيرة لإنجاز الرموز والأشكال الهندسية التقليدية التي تميز كل زربية بمفردها".

وأضاف منصور، أنه "عادة ما تعبر هذه الرموز عن الأدوات القديمة، التي كان يستخدمها السكان المحليون الأمازيغ، مثل الغربال، والفانوس وآلة تصفية الصوف، التي تسمى القرداش ويستعمل في عملية النسج".

 

وختم الأكاديمي الجزائري بالتأكيد على أن "رموز وألوان الزرابي تحمل دلالات اجتماعية، حيث تعكس القيم المجتمعية، منها العلاقات الأسرية، وذلك عبر تلاقي المربعات والأشكال الهندسية وحروف من اللغة الأمازيغية".

التعليقات