مراكز طبية تعمل خارج الرقة

في المركز المخصص للجبهة الشرقية، يتجمع الفريق الطبي حول المقاتل الجريح الذي حمله رفاقه على بطانية، بينما هو يتنفس بصعوبة. يلقي أحد المسعفين نظرة على النزيف الناتج عن اختراق رصاصة لصدر الجريح، ويبدأ بتطهير الجرح.

مراكز طبية تعمل خارج الرقة

تصل سيارة مصفحة الى مركز طبي ميداني في قرية رقة سمرة في شمال سورية ينزل منها بسرعة مقاتلون من قوات "سورية الديمقراطية" يحملون رفيقا لهم أصيب في معركة الرقة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على بعد كيلومترات، قبل نقله مجددا في رحلة طويلة إلى مدينة كوباني لإنقاذه.

في المركز المخصص للجبهة الشرقية، يتجمع الفريق الطبي حول المقاتل الجريح الذي حمله رفاقه على بطانية، بينما هو يتنفس بصعوبة. يلقي أحد المسعفين نظرة على النزيف الناتج عن اختراق رصاصة لصدر الجريح، ويبدأ بتطهير الجرح.

بعد الانتهاء من تضميده وتعليق المصل، ينقل المقاتل المصاب إلى سيارة إسعاف بيضاء اللون ستأخذه في رحلة تطول نحو ساعتين إلى مدينة كوباني قرب الحدود مع تركيا.

وأصيب المقاتل الشاب في اشتباكات في حي الصناعة في شرق الرقة، الحي الذي سيطرت عليه قوات سورية الديمقراطية الأسبوع الماضي، وتعرض لهجوم من الجهاديين.

ويروي رفيق له أصيب أيضا في كتفه وفضل عدم ذكر اسمه، لوكالة فرانس برس، "تمركز قناصة داعش في مدرسة، وكانت هناك اشتباكات عنيفة".

ويضيف وقد لف كتفه بضمادات بيضاء "أطلق القناص الرصاص وأصاب صديقي في صدره وأنا في كتفي. نزف صديقي الكثير من الدماء حتى تمكننا من الخروج به من مكان الاشتباكات وإسعافه".

ويقول الشاب الكردي بلباسه العسكري الذي وضع عليه شارة العلم الأميركي، "أتمنى أن يتعافى، شاركنا في الدورة التدريبية نفسها وقضينا أجمل اللحظات سوية (...) أتمنى أن يعيش ونعود للقتال".

وتخوض قوات سورية الديمقراطية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، منذ السادس من الشهر الحالي معارك داخل الرقة التي تمكنت خلال الأسابيع الماضية من استعادة أربعة أحياء فيها.

أربع ساعات قبل العلاج

وليس المركز الطبي سوى محل صغير في أحد الشوارع الخالية، وضعت فيه ثلاجة ورفوف حديدية خصصت للأدوية والمعدات الطبية إلى جانب جدران كتب عليها "YPG"، الأحرف الأولى لاسم وحدات حماية الشعب الكردية باللغة الإنجليزية.

ويقول المشرف على الفريق الطبي، عاكف كوباني (48 عاما)، "فتحنا مركزا صغيرا هنا لإجراء المعاينة الأولية".

ويضيف "نقوم بما يلزم لوقف نزف الدماء وتعليق المصل قبل أن ينقل الجريح بحسب الإصابة إلى إحدى مدن "روج أفا" (التسمية التي يطلقها الأكراد على مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سورية)".

وانضم كوباني من دون أن يتخرج من الجامعة إلى وحدات حماية الشعب الكردية، ليخدم في فريقها الطبي في العام 2015 خلال معركة كوباني الشهيرة التي طرد الأكراد خلالها تنظيم "داعش" من المدينة الحدودية مع تركيا.

وعالج كوباني العديد من المقاتلين في الرقة، بعضهم أصيب برصاص قناصة، وآخرون "بترت أرجلهم" في انفجار الغام وغيرهم ألقت عليهم طائرات الجهاديين المسيرة القنابل.

إلا أن المشكلة الأكبر التي يواجهها الجرحى هي الإطالة في نقلهم لتلقي العلاج.

وينتظر الجريح أحيانا، بحسب كوباني، "أكثر من أربع ساعات ويخسر الكثير من الدماء قبل أن يصل إلى هنا"، مضيفا أن إمكانية إنقاذ المصابين تتعلق "بسرعة وصولهم إلى النقطة الطبية".

ولا تهدأ النقطة الطبية. فتصل سيارة بيك آب صغيرة تقل مقاتلين جرحى في صفوف "قوات النخبة السورية"، مجموعة المقاتلين العرب الذين يشاركون إلى جانب قوات سورية الديمقراطية في حملة "غضب الفرات" لطرد الجهاديين من الرقة.

ويقفز مقاتل من الشاحنة ويحمل زميله المصاب في قدمه نتيجة قنبلة ألقتها طائرة مسيرة. يمزق العاملون في الفريق الطبي سرواله لتنظيف الجرح بالمطهر وقد غطت الدماء رجله تماما.

وبعد الانتهاء من العلاج، يروي جواد عبد العليم لفرانس برس "لحقت بنا الطائرة (المسيرة) ونحن في السيارة (...) منذ مدخل الرقة وحتى نقطة تمركزنا. استهدفتنا عندما نزلنا من السيارة وأصبت أنا وصديقي".

"لأجل الانسانية"

ولا يقتصر عمل الفريق الطبي على معالجة المقاتلين، بل عالج أيضا عددا من المدنيين الفارين من المعارك.

ويخاطر الفارون من مدينة الرقة بالمرور في مناطق اشتباك أو في حقول ألغام او يتعرضون لرصاص قناصة تنظيم "داعش"، أو حتى يستهدفون ظنا من طائرات التحالف أنهم عناصر في التنظيم المتطرف.

ويوضح كوباني "التقينا حتى الآن بعشرات الأشخاص الذين أصيبوا بانفجار ألغام اثناء الفرار من داعش، كانوا نساء وأطفال ومتقدمين في السن. إنه موقف صعب".

وكما يحصل مع المقاتلين، يتلقى المدنيون المصابون العلاج الأولي قبل أن ينقلوا إلى المستشفيات في مناطق سيطرة الأكراد في شمال سورية. ويبقى كوباني وفريقه الطبي على أهبة الاستعداد طوال اليوم.

وتضع مقاتلة من قوات سورية الديمقراطية شالا تقليديا ملونا على وجهها وتضغط عليه بشدة للتخفيف من حدة ألمها في وقت يعمل كوباني على إخاطة جرح عميق في قدمها.

ولا تتحمل المقاتلة الوجع فتبادر زميلة لها إلى معانقتها لتهدئتها حتى يتمكن كوباني من إتمام عمله.

ويحضر مسعف يرفض الكشف عن اسمه كونه لا يزال موظفا لدى حكومة النظام السوري، معدات لمساعدة أحد الجرحى.

ويقول "أنا هنا متطوع لأساعد مقاتلي قوات سورية الديمقراطية والجرحى من المدنيين لأن عملنا هو لأجل الإنسانية وإنقاذ الإنسان".

التعليقات