ذوو الشهداء في الداخل لا يزالون في انتظار تسلم رفات أبنائهم الشهداء../ هاشم حمدان

زحالقة: "من حق العائلات أن تدفن أبناءها مهما كانت الظروف، واجبنا متابعة هذه القضية حتى تستطيع كل عائلة أن تدفن ابنها وأن يكون له مرقد، وهذا أمر ديني وإنساني من الدرجة الأولى"..

ذوو الشهداء في الداخل لا يزالون في انتظار تسلم رفات أبنائهم الشهداء../ هاشم حمدان
ضمن تداعيات عملية الرضوان، بكل ما تضمنته من مشاهد مؤثرة، أعيدت قضية أسرى الداخل وشهداء الداخل مرة أخرى إلى دائرة الاهتمام، ونلفت في هذا التقرير إلى الشهداء الذين سقطوا منذ عشرات السنين، ولم يتم تسليم الجثامين لذويهم لتكريمهم ودفنهم بالشكل الذي يليق بهم.

لا يعرف بالضبط عدد شهداء الداخل الذين سقطوا ولم يتم تسليم جثامينهم إلى ذويهم، إلا أن التقارير تشير إلى حالات كثيرة كان قد انخرط فيها شبان من الداخل في صفوف الثورة الفلسطينية، وسقطوا شهداء في العمليات التي قاموا بتنفيذها، ورفضت السلطات الإسرائيلية تسليم الجثث إلى عائلاتهم لدفنها.

ويتضح من اللقاءات التي أجراها موقع عــ48ـرب أن ذوي الشهداء لم ينسوا للحظة أبناءهم الذي سقطوا شهداء بدافع حماسهم لتأدية دور في رفع معاناة الشعب الفلسطيني. ورغم المضايقات والتهديدات التي تعرضوا لها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية إلا أنهم لم يفقدوا الأمل يوما في الحصول على جثامين الشهداء، ليتم دفنها. وهذا الأمر يفرض على كافة الفعاليات والقوى والتنظيمات الوطنية والإسلامية أن تبقي هذا الملف في مركز دائرة الاهتمام.

كما تبين، ونظرا لكون الحالات التي نحن بصددها وقعت منذ أكثر من 30 عاما، فإن أحد أو كلا والدي الشهيد قد توفي أو توفيا في انتظار تسلم الجثث لدفنها، بيد أن هذا "الهم" قد انتقل إلى الأشقاء في الغالب ليتابعوا إعادة طرح القضية مجددا.

وتحدث عدد منهم أيضا عن احتمالات أن يكون قد تم تسليم رفات أبنائهم الشهداء إلى حزب الله، في إطار "عملية الرضوان".

وفي هذا السياق كانت قد طالبت عائلة الشهيد العكاوي أحمد محمد فوزي عبد الغني عبد العال بتسليمها رفات ابنها، على اعتبار أنه من الممكن أن يتم تسليمها لحزب الله في إطار صفقة التبادل، ليتسنى لعائلته دفنها في مدينة عكا مسقط رأسه .

وقد استشهد عبد العال بتاريخ 4/7/1974 خلال تنفيذه عملية في مدينة نهريا برفقة اثنين آخرين، الأول سوري، والثاني لبناني، حيث كان قد اضطر لمغادرة مدينة عكا قبل ذلك بثلاثة أعوام بعد أن اكتشفت الخلية التي كان ينتمي إليها وسجن جميع أفرادها.

يذكر أن الشهيد عبد العال كان ينتمي للخلية التي كان يقودها محمود شموط من مدينة عكا، والتي شارك فيها أيضا يوسف إدلبي ومحمود طميش من عكا أيضا، حيث ضبط جميع أفراد الخلية وتم فيما بعد إطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل الأسرى "عملية الجليل" عام 1985 مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة.

وبعد استشهاد عبد العال في عملية نهريا التي استهدفت القاعدة البحرية العسكرية في المدينة، تم إحالة جثمانه إلى مكان مجهول ولم يتم حتى اليوم إبلاغ أهله بمكان دفنه.

وفي سياق ذي صلة، علم موقع عــ48ـرب أن شهيدا آخر من مدينة الطيبة في المثلث، ويدعى زياد (أحمد) عبد الرحيم قعيق، كان قد استشهد أيضا في 15/05/1974، ولم يتم تسليم جثته لذويه حتى اليوم.

وكان قعيق قد غادر البلاد سرا إلى لبنان، حيث انضم إلى صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ثم عاد إلى البلاد ضمن مجموعة ضمت إثنين آخرين من رفاق الجبهة الديمقراطية؛ على أحمد العتمة (لينو)، ومحمد مصلح دردور (حربي)، ووصلوا إلى مدرسة في "معالوت" حيث سيطروا على المدرسة، وطالبوا بتحرير أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

يذكر أنه في ذلك الحين أجرت معهم أجهزة الأمن الإسرائيلية مفاوضات حول إطلاق سراح أسرى، تبين لاحقا أنها خديعة، وأنها كانت تمهيدا لاقتحام الجيش للمدرسة وسط إطلاق النار، الأمر الذي أسفر عن استشهاد رفاق المجموعة الثلاثة، بالإضافة إلى مقتل 25 تلميذا في المدرسة.

كما علم موقع عــ48ـرب أن جهود والد الشهيد قعيق والتي بذلها على مدى سنوات طويلة من أجل الحصول على جثة ابنه لدفنها، ذهبت أدراج الرياح، حيث رفضت أجهزة الأمن تسليم الجثث لذويهم، وعانت أسرة قعيق من تنكيل أجهزة الأمن لسنوات طويلة. وتوفي والده دون أن يحقق أمله في دفنه بالصورة اللائقة.
ويذكر في هذا السياق أيضا الشهيد نواف محمد سعيد حمد (أبو الغضنفر) من مدينة الناصرة، والذي استشهد في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1974، خلال اشتباك مع قوة تابعة لحرس الحدود.

وكان الشهيد نواف حمد قد وصل إلى لبنان، في نهاية العام 1973، هربا من السجن، وانضم إلى حركة "فتح"، وتدرب على استخدام السلاح، وعاد بحرا إلى البلاد، بمعية الأسير المحرر منير منصور من قرية مجد الكروم.

وأكد الأسير المحرر منير منصور لموقع عــ48ـرب أن الشهيد نواف حمد، الذي حمل الاسم الحركي "أبو الغضنفر"، كان قد وصل إلى لبنان في العام 1973، وانضم إلى صفوف حركة فتح، ليعود مع منصور في قارب مطاطي محمل بالسلاح إلى شواطئ الزيب، بين نهارية ورأس الناقورة، في الساعات الأولى من بعد منتصف ليل 15/11/1974.

ويروي منصور أن الشهيد حمد قد سبقه إلى استبدال ثيابه والنزول إلى الشاطئ، بينما كان منصور لا يزال في القارب. وبعد دقائق من نزول حمد إلى الشاطئ سمع منصور أصوات إطلاق نار، فأخذ بدوره يطلق النار. وما هي إلا دقائق حتى سمع صراخ حمد بعد أن أصيب، كما أصيب منصور بسبع رصاصات بالإضافة إلى شظايا القنابل التي أطلقت عليهما من قبل قوات تابعة لحرس الحدود.

ويذكر منصور أن عدة جيبات عسكرية شاركت في الاشتباك، نظرا لقرب المكان من معسكر للجيش، بالإضافة إلى مروحية كانت تحلق في الجو وتطلق النار. وهنا يشير إلى أن الحوار الذي كان يدور بين أفراد حرس الحدود، قبل أن يفقد وعيه جراء إصابته، يشير إلى إصابة 3 منهم .

ويتابع منصور أنه تم نقله إلى سجن صرفند حيث تعرض للتعذيب والعلاج في الوقت نفسه في مستشفى السجن. ويضيف أنه بعد شهرين نقل منصور، وهو لا يزال قيد العلاج، ليتعرف على جثة الشهيد حمد التي كانت محفوظة في ثلاجة. وبحسبه لم يستطع التعرف عليه من خلال الوجه، وعلى ما يبدو فإن الأمر نابع من إصابته بعدة طلقات نارية في رأسه ووجهه الأمر الذي صعب من عملية التعرف عليه، إلا أنه تمكن من التعرف عليه من خلال الوشم الموجود على ذراعه اليمين، وكذلك من خلال وشم يتألف من 3 نقاط على رسغه الأيسر.

وتبين لاحقا أن "أبو الغضنفر" قد استشهد خلال الاشتباك، إلا أنه لم يتم تسليم جثته لذويه في مدينة الناصرة لدفنه. وعبثا ذهبت جهود العائلة، وخاصة والدته المرحومة التي عانت من تهديدات وتنكيل أجهزة الأمن، في الحصول على جثمانه.

وفي حديث لأشقائه مع موقع عــ48ـرب، علم أن العائلة ظلت لسنوات طويلة تحاول معرفة مكانه، أو المكان الذي دفن فيه، بيد أن السلطات الإسرائيلية رفضت طوال الوقت الإدلاء بأية معلومات عن مكان دفنه.

كما سبق وأن حاولت العائلة من خلال النائب السابق، هاشم محاميد، ومن خلال كتلة التجمع الوطني الديمقراطي الحصول على جثته، إلا أن جميع هذه المحاولات قوبلت بالرفض التام.

ويشير الأسير المحرر منير منصور في هذا السياق إلى أن قضية الشهداء والأسرى والجرحى يجب أن تبقى محط الاهتمام وأن تبقى حية. كما يشير إلى أنه من واجب التنظيمات الفلسطينية عدم إهمالهم. ويلخص بالقول إن الأمة التي تحترم شهداءها وأسراها يجب ألا تسمح بهذا الوضع، الذي جعل المئات من الأسرى، أمثال القنطار والعتبة، يقبعون في السجون أكثر من 30 عاما. ويضيف أن "المناضلين على استعداد لتحمل عشرات السنين في السجون، ولكن ذلك لا يعفي التنظيمات والأحزاب من إبقاء قضيتهم حية وفي مركز الاهتمام".
وكان النائب د.جمال زحالقة الذي يعكف مؤخرا على متابعة هذا الملف، قد زار منزل العائلة في الناصرة، وتحدث إلى شقيقه إحسان حمد بشأن جثة شقيقه الشهيد.

ولفت زحالقة إلى العلاقة الشخصية التي كانت تربطه بالشهيد نواف من خلال السجن، حيث قال إن "الشهيد نواف هو صديق شخصي، التقيته في سجن الدامون، وكنا في نفس القسم في العام 1973، وقد تعرفت عليه عن كثب، وأذكر أنه كان أول من أبلغ باندلاع حرب تشرين 1973".

وأضاف أنه بالنسبة لقضية شهداء الداخل بشكل عام فإنه ينوي طرح الموضوع ومتابعة القضية، وفحص مصير الجثث، وفحص إذا ما كان قد تم تسليمها لحزب الله أم لا، خاصة وأن التقديرات تشير إلى أنها كانت مدفونة في "مقبرة الأرقام".

وفي هذا الإطار زار عائلة حمد في مدينة الناصرة، واجتمع مع شقيقه إحسان حمد، وإحدى شقيقاته. وقد أبلغ العائلة بأنه سيقوم بمتابعة الموضوع والبحث عن جثمان الشهيد نواف وبقية الشهداء من الداخل.

وفي حديثه مع موقع عــ48ـرب، قال النائب زحالقة إن تعامل إسرائيل مع هذا الملف ينم عن وحشية وتلاعب بمشاعر الأهالي، عدا عن أن عائلات الشهداء كانت قد تعرضت للتنكيل من قبل أجهزة الأمن.

وقال: "من حق العائلات أن تدفن أبناءها مهما كانت الظروف، وما يحصل هو بمثابة فرض عقوبات على هذه العائلات. ومن واجبنا متابعة هذه القضية حتى تستطيع كل عائلة أن تدفن ابنها وأن يكون له مرقد، وهذا أمر ديني وإنساني من الدرجة الأولى".

بقي أن نشير إلى أمر في غاية من الأهمية وهو أنه لا يزال من غير المعروف بالضبط عدد شهداء الداخل الذين لم يتم تسليمهم إلى ذويهم، الأمر الذي يستوجب الاهتمام بهذا الملف، وإعداد قوائم بكافة الاسماء من أجل متابعة كافة جوانب هذا الملف، والعمل على إغلاقه وفقما تقتضي التقاليد الإنسانية والأخلاقية والدينية.

.

التعليقات