العرب في المدن المختلطة: "شبح ديمغرافي" و"احتلال عربي"../ هاشم حمدان

"اليهود حاصروا المدن والقرى العربية، لأنهم اعتقدوا أن ذلك سيدفع العرب إلى الرحيل، إلا أن العرب لم يرحلوا بل وجدوا طريقة لمحاربة الحصار، فقد انتقلوا للسكن في المدن اليهودية"..

العرب في المدن المختلطة:
تتناول التقارير الإسرائيلية بقلق ظاهرة سكن العائلات العربية في المستوطنات/المدن اليهودية والتي أقيمت بشكل خاص في الجليل. ولا تخلو هذه التقارير من تناول هذه الظاهرة بأدوات ومضامين عنصرية، ولا تتردد في وصفها "خطرا ديمغرافيا" أو "شبحا ديمغرافيا" أو "ظاهرة خطيرة" أو "نهاية العالم" أو "احتلالا عربيا" أو "سيطرة عربية" أو "تطورات ديمغرافية مثيرة للقلق"، في حين يذهب بعض المسؤولين في عدد من السلطات المحلية فيها إلى القول بأن الحديث هو عن حملة منظمة من قبل العرب للسيطرة على المدن اليهودية.

يجدر التأكيد هنا إلى أن هذه المدن/ المستوطنات كانت قد أقيمت في إطار مخطط تهويد الجليل، وهي قائمة على أراضي القرى العربية المحيطة بها والتي تمت مصادرتها. وفي ظل الحصار الذي فرض على القرى العربية بالإضافة إلى سياسة المصادرة فقد بات تطور واتساع هذه القرى محدودا، علاوة على الجمود والإجراءات المعقدة والتي لا تنتهي لعملية توسيع مسطحات البناء في أية خارطة هيكلية لأية بلدة عربية، وأدى بالتالي إلى تضييق حيز السكن مع الزيادة السكانية، ما يدفع الأجيال الشابة إلى البحث عن أماكن أخرى قريبة للسكن.

وغني عن البيان الإشارة إلى أن هذه المستوطنات التي أقيمت لتهويد الجليل لم تأخذ في الحسبان عملية "الزحف العربي" إليها في ظل السياسة العنصرية القائمة تجاه العرب. وبالنتيجة، ومع ارتفاع نسبة السكان العرب فيها، فقد بات هناك حاجة ملحة لتوفير خدمات خاصة بهم، خاصة في مجال التربية والتعليم (مدارس عربية مثلا) ومؤسسات ثقافية وخدماتية وأطر تربوية، وفضاء خاص يتلاءم واحتياجات وخصوصيات السكان العرب، الأمر الذي يفرض على العرب في هذه المدن تعزيز تنظيمهم ووحدتهم من أجل المطالبة بتحصيل هذه الخدمات، وخاصة في ظل مخاوف جديدة قد تنشأ مع مرور الوقت، بحيث تتغلغل الأسرلة تدريجيا إلى حياة العائلات العربية، علاوة على المخاوف من فقدان الهوية القومية، وبالتالي وبدل بناء مجتمع عربي عصري ومنظم ومناضل من أجل تحصيل حقوقه فوق أرضه، من جهة أحقيته الخاصة ومن جهة الأحقية التاريخية، فهناك مخاوف من حصول عملية انحلال وتفكك تؤدي بالنتيجة إلى حالة من العدمية القومية تخلق مجموعة من المؤسرلين والمهمشين الذين ينخر صفوفهم الإنحلال والفساد والجريمة.

ونتناول في هذا التقرير بعض الجوانب التي تمس العرب في هذه المستوطنات/ المدن التي باتت مختلطة، وخاصة نظرة السلطات المحلية فيها تجاه العرب، ومع التأكيد على أن مثل هذا الموضوع يتطلب دراسة مستفيضة تتناول كافة جوانب هذه المسألة، خاصة وأن هذه المستوطنات تحولت إلى "إسرائيلات" مصغرة، بكل ما يعني ذلك من تمسكها بالطابع اليهودي وحربها على الوجود العربي فيها، بالإضافة إلى المحاصرة والمصادرة والتهميش وغياب المؤسسات والهيئات الخاصة بالعرب، والنقص في الخدمات، والتمييز العنصري، باعتبار أن المستوطنين هم أصحاب الحق في السكن، في حين أن العرب هم "مهاجرون" أغراب، رغم أن الأرض المقامة عليها المستوطنة هي أرضهم.

في هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن "بنك المعلومات – ركاز" ( وهو بنك معلومات اقتصادي واجتماعي حول المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتقوم جمعيّة الجليل بدعمه وتطويره) قد أشار في إحصائية له إلى أنه في نهاية العام 2006، بلغت نسبة السكان العرب في "نتسيرت عيليت"13%، وفي "معالوت – ترشيحا" 22%، في حين لا يوجد هناك إحصائيات دقيقة بشأن "كرميئيل".

وتشير التقارير الإسرائيلية إلى أن "نتسيرت عيليت" ومنذ 3 سنوات قد تم تسجيلها في الوثائق الرسمية في مكتب رئيس الحكومة بعلامة "كود 20"، الذي يصنف المدن المختلطة. وبحسب تقرير نشر في صحيفة "هآرتس" فإن ذلك يأتي خلافا لحلم دافيد بن غوريون، الذي قرر قبل 50 عاما إقامة مدينة يهودية فوق مدينة الناصرة على الأراضي العربية التابعة للناصرة وقرى عين ماهل وكفركنا والمشهد والرينة.

والمدينة التي يبلغ عد سكانها 50 ألفا، باتت مدينة مختلطة، في حين أن عدد السكان العرب في المدينة في ارتفاع مستمر، مقابل هجرة سلبية للسكان اليهود من المدينة.

ومن خلال التجوال في أحياء المدينة تظهر عشرات اللافتات التي كتب عليها "للبيع" في المباني متعددة الطبقات أو الطوابق الأرضية. وفي الغالب فإن البائعين من اليهود، في حين أن المشترين من العرب. وبحسب التقرير "اليهود يغادرون، والعرب يدخلون". ومن اللافت أن اليهود يتحدثون عن هذه المسألة بمصطلحات "احتلال" و"سيطرة"، في حين أن العرب يقولون إن من حقهم العودة إلى أراضيهم التي تمت مصادرتها لإقامة مستوطنة "نتسيرت عيليت".

ويقول أحد المستوطنين الذي هاجر إلى البلاد قبل 18 عاما، إيليا روزنفيلد، الذي ينافس على عضوية البلدية وكان قد عمل في مكتب رئيس الحكومة السابق أرئيل شارون، إن "المدينة اليهودية التي جاء ليعيش فيها معروضة الآن للبيع"، وبحسبه فإنه يزعجه أنه لا يسمع في الشارع من يتحدثون اللغتين العبرية والروسية، وإنما العربية فقط.

ويشير المستوطن المذكور إلى عدد من الشوارع التي تم تغيير مظهرها من خلال قيام العرب بهدم المنازل التي بنيت قبل 50 عاما، وبناء مبان جميلة مكانها، في حين أن الشوارع التي تكثر فيها المكاتب والمصالح، تظهر فيها لافتات، وبكثافة، تحمل أسماء محامين وأطباء ووكلاء عرب.

كما لم يتردد الحاخامات والربانيم في التجند لوقف هذه الظاهرة، حيث يتوجهون إلى اليهود الذين يعرضون بيوتهم للبيع بعدم بيعها للعرب، وأحيانا ينجحون في ذلك، ولكن بشكل محدود، حيث لا تزال تستمر عملية البيع للعرب.

وضمن القوائم المرشحة لرئاسة البلدية، هناك قائمة "عوري عير" التي يترأسها شمعون غابسو، والذي من الممكن أن تتعزز إمكانية وصوله إلى رئاسة البلدية في حال تمكن من ضم إثنين من المرشحين إليه. ويدعي مرشح القائمة أن لديه خطة بديلة تتمثل في تشكيل صندوق لشراء المباني من اليهود بدل أن يقوم العرب بشرائها.

ويتابع التقرير أن الميسورين العرب على استعداد لدفع مبالغ تصل إلى 500-600 ألف دولار مقابل "فيلا جميلة"، بدون أن يقلقوا بمكان العمل أو بجهاز التربية والتعليم، حيث أنها متوفرة في مكان آخر. وبينما يغادر اليهود المدينة إلى مناطق أخرى لتحسين معيشتهم، فإن العرب يغادرون مدينة الناصرة المكتظة إلى "نتسيرت عيليت" للسبب نفسه. مع الإشارة إلى أن هذا الحديث لا يؤخذ بسذاجة، خاصة وأنه يتصل بمدينة حصلت فيها "يسرائيل بيتينو" على غالبية الأصوات في الانتخابات العامة للكنيست، وقبل 3 شهور من الانتخابات البلدية حيث يلعب "الشبح الديمغرافي والعنصري دورا مركزيا".

وحول نسبة العرب في المدينة، يقول رئيس البلدية مناحيم أرياف الذي يشغل منصبه مدة 32 عاما، وقرر مؤخرا التنحي، بلهجة لا تخلو من الدفاع كأنما هو متهم بما حصل، إن "نسبة العرب لا تتجاوز 10%. وفي المقابل، يقول غابسو إن نسبتهم أكثر من 20%. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأخير الذي يضع الخطط لحل هذه "المشكلة" يقترح تغيير اسم "نتسيرت عيليت" وذلك لتمييزه عن "الناصرة" التي يطلق عليها بالعبرية "نتسيرت"، وذلك من أجل تعزيز التوجه الصهيوني فيها.

ويقول غابسو إنه عندما وصل إلى "نتسيرت عيليت" إلى حي "ابن بيتك"، كان هناك عائلة عربية واحدة، أما اليوم فإن أكثر من 35% من سكان الحي هم من العرب. ويضيف إن والده قد "هاجر من تونس لكي يعيش أبناؤه في دولة اليهود، وليس في مدينة مختلطة" على حد تعبيره..

ويضيف أنه قدم إليه وفد عربي من السكان العرب في مدينة، وطلبوا منه إقامة كنيستين ومسجدين في المدينة، بالإضافة إلى قسيمتين لتحويلهما إلى مقبرة محلية. وفي محاولة منه للسخرية من الوفد سألهم إن كانوا قد قدموا من "سفينة نوح" ويطلبون أن يكون كل شيء بشكل زوجي، أجابوه بأنهم يتوقعون أن يحصلوا على نصف مطالبهم، وهذا ما يريدونه. وبالطبع فقد رفض طلبهم، مشيرا إلى أنه "مع نتسيرت عيليت ديمقراطية، ولكن يهودية أولا"..

وفي المقابل، يقول رونين بلوط، وهو مرشح الليكود لرئاسة المدينة إن "المشكلة ليست العرب، وإنما اليهود.. وحقيقة مجيء العرب للسكن في المدينة يدل على أنهم يبحثون على مستوى حياة أفضل، ولكن المشكلة في أن اليهود يغادرون المدينة بسبب غياب الفرص في العمل، كمجال الهايتك، على سبيل المثال".

ويدعي مناحيم أرياف، رئيس البلدية، أن الحكومة تهمل المدينة، وأنه حاول مرارا التحدث عن المشكلة مع مكتب رئيس الحكومة إلا أنه فشل. كما يصرح كبار المسؤولين بأنهم "قلقون جدا من التطورات الديمغرافية التي تحصل في المدينة".

ويشير التقرير إلى أن أرياف قد اجتمع في الشهر الأخير مع ضباط الشرطة وناقش معهم ما أسماه "قضايا أمنية" في المدينة، وبشكل خاص الشبان العرب الذين يتجولون في المدينة، مدعيا أنهم يلاحقون الفتيات اليهوديات. وبحسبه فإن هؤلاء الشبان من القرى المجاورة للمدينة، وليسوا من سكانها. ويخلص أرياف إلى نتيجة أن مشكلة "نتسيرت عيليت" ليست وحيدة، فهي مشكلة "معالوت" و"كرميئيل" و"عكا" و"طبعون"، وبحسبه فإن الشمال كله مهمل من قبل الحكومة.

وينهي معد التقرير بالقول إنه لدى خروجه من المدينة دوّت أجراس الكنائس في الناصرة، وعندها قال أحدهم "هذه مشكلة أخرى.. ثلث المهاجرين الجدد في نتيسرت عيليت ليسوا يهودا، وهذه الأجراس تذكرهم باستمرار بحقيقتهم"..


وكانت تقارير أخرى قد تناولت الموضوع ذاته في فترات سابقة، مشيرة إلى ما أسمته "الخطر الذي يهدد نتسيرت عيليت وكرميئيل ومعالوت وعكا ونهاريا وطبعون". رغم أن أحدا لا ينكر الأهداف الاستيطانية وراء إقامة هذه المدن بالإضافة إلى مصادرة الأراضي من أصحابها العرب.

ويباهي، في هذا السياق، رئيس بلدية "نتسيرت عيليت" مناحيم أرياف، بأن المدينة بنظره مشروع قومي، فيخرج ورقة مجعدة من داخل غلاف من النايلون ويعرضها بفخر. وهذه الورقة المجعدة هي الإثبات الأبدي على ذلك. فهي وثيقة كتبها القائد العسكري لمنطقة الشمال في حينه، موشي تسادوك، في آذار/ مارس من العام 1953 تقول إنه تم تعيينه في لجنة هدفها إقامة استيطان يهودي في الناصرة، وبكلمات أخرى فإن "نتسيرت عيليت" قد أقيمت بأمر عسكري.

لا تبدو "نتسيرت عيليت" كمعسكر للجيش، وهي مثل كرميئيل ومعالوت. فالمدن الثلاث قد أقيمت بالقرب من بلدات عربية. "نتسيرت عيليت" أقيمت على سلسلة الجبال فوق الناصرة على أراضي الناصرة وقرى الرينة وعين ماهل والمشهد وكفركنا، في حين أقيمت "كرميئيل" على الأراضي العربية التي صودرت من قرى مجد الكروم ونحف ودير الأسد وغيرها، في حين أقيمت "معالوت" على أراضي ترشيحا، وذلك من أجل تنفيذ هدف واضح هو "تهويد الجليل".

ولكن ما يحصل الآن هو عملية عكسية. فكرميئيل ونتسيرت عيليت أصبحتا مدنا مختلطة. ومن الممكن أن يكون ذلك "التناقض الصهيوني الكبير". فـ"اليهود حاصروا المدن والقرى العربية، لأنهم اعتقدوا أن ذلك سيدفع العرب إلى الرحيل، إلا أن العرب لم يرحلوا بل وجدوا طريقة لمحاربة الحصار، فقد انتقلوا للسكن في المدن اليهودية".

تقول نائبة رئيس بلدية كرميئيل إنه في حال عدم حصول تغيير، فإن المدينة سوف تصبح مختلطة في كل شيء. وبحسبها فإن ذلك يعتبر مصيبة كبيرة، ويوافقها في ذلك مدير منطقة الجليل في وزارة الإسكان، عوزي شمير. ويقول شمير إنه في حال عدم إتباع سياسة جديدة، فسوف تكون هذه المدن مختلطة بعد 10 سنوات. كما لا يتردد أرياف في وصف تحول "نتسيرت عيليت" إلى مدينة مختلطة بـ"المشكلة الخطيرة".

من الصعب الحصول على معطيات دقيقة حول نسب العرب في المدن في الشمال، فوزارة الإسكان تمتنع عن جمع هذه المعطيات، في حين يحاول رؤساء البلديات في هذه المدن تقليل العدد قدر الإمكان. فأرياف على سبيل المثال يدعي أن 10% من سكان نتسيرت عليت هم من العرب، في حين أن الرقم الحقيقي للعرب، بحسب سجل الناخبين في الانتخابات الأخيرة، هو أعلى بكثير. ويعترف أرياف أن عدد العرب في تصاعد مستمر في كل عام.

وبينما تقول الناطقة بلسان بلدية كرميئيل أن الحديث هو عن أرقام صغيرة جدا، فإن أحد كبار المسؤولين في البلدية يشير إلى أنه يعيش في المدينة ما بين 500-700 عائلة عربية، أي أكثر من 6% من عدد السكان فيها.

وعلم أنه تم إلغاء مناقصة تشمل 300 وحدة سكنية في كرميئيل، وذلك نظرا لكون غالبية المتقدمين للمناقصة هم من العرب. أما الذريعة الرسمية لإلغاء المناقصة، فكانت، بحسب شمير، هي أن الشقق المذكورة معدة لأبناء المدينة، في إشارة إلى اليهود. ولم يتم الإعلان حتى الآن عن مناقصة جديدة.

وفي "حي الزيتون" الجديد في "معالوت" فإن 45% من السكان هم من العرب. وغالبيتهم لم يأتوا من ترشيحا، وإنما من قرى أخرى في المنطقة. كما أن هناك ظواهر مماثلة في مدن أخرى في الشمال في نهارية والعفولة، أما مدينة عكا فهي مختلطة منذ النكبة.

وتشير المعطيات الرسمية لوزارة الإسكان، والتي عرضت قبل أقل من سنة على لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست، أن مدينتين فقط في الشمال، نهارية وشلومي، قد ارتفعت فيهما نسبة "النمو" أكثر من المعدل القطري في السنوات الست الأخيرة، في حين كانت باقي المدن تحت المعدل القطري والذي يصل إلى 1.9%، وكانت غالبية المدن تحت المعدل بـ 0.5%. حيت تراجعت نتسيرت عيليت بـ0.5%. وقد ألغيت كافة مناقصات الإسكان تقريبا، وهبطت أعمال البناء في المدن في مشاريع إسكانية جديدة في الشمال من 10 آلاف في العام 2000 إلى 6100 في العام 2006.

هناك أكثر من سبب لذلك، ومن بين هذه الأسباب النقص في أماكن العمل والتقليص الكبير في المساعدات الحكومية على الشقق السكنية في الشمال. ويتضح أن الجهود لتهويد الجليل في كل ما يتصل بما يسمى بـ"البلدات الجماهيرية" وتوسيع الكيبوتسات والموشافيم في إطار تحقيق عصري للفكرة الصهيونية، تساهم مساهمة ملموسة في إضعاف هذه المدن والهجرة العربية إليها. حيث تبين أن توسيع البلدات الجماهيرية يجذب اليهود من المدن في الشمال، ويحتل العرب، الذين يعانون من نقص في مسطحات البناء في قراهم، محلهم في المدن.

و"نتسيرت عيليت" هي خير مثال على ذلك. ويقول أرياف: "لقد حصل السكان اليهود على امتيازات بدون حدود. الأرض مجانية، بالإضافة إلى المساهمة في التطوير، ومساعدات في القروض السكنية (المشكنتا). والآن يقومون ببيع البيوت للعرب".

ويتابع أرياف: "باع جاري بيته لعرب بسعر يصل إلى 390 ألف دولار، وانتقل إلى بلدة جماهيرية حيث لا يوجد عرب ولا أثيوبيون ولا هنود، وذلك بسبب وجود لجنة قبول هناك، أما في نتسيرت عيليت فلا يوجد".

ويتابع أن عناصر أجهزة الأمن قد حصلوا على امتيازات لبناء شقق سكنية فاخرة في "نتسيرت عيليت" بشرط أن يسكنوا فيها لمدة 8 سنوات على الأقل. وهم يقومون بعقد صفقات مع مشترين عرب لكي يبيعوا شققهم بعد انتهاء المدة لينتقلوا إلى "البلدات الجماهيرية".

ويقول شلومو بوحبوط، رئيس بلدية معالوت، أقوالا مماثلة. فيقول: "لا يوجد أي منطق.. لا يوجد أراض لمعالوت، في حين يتم توسيع موشاف "حوسن" بـ 150 وحدة سكنية.. في "كريات شمونه" يقوم الأغنياء بشراء بيوت في المستوطنات القريبة، حيث يتم إقامة مدارس إقليمية تتنافس مع مدارسنا.. فالطلاب في "كفار هفرديم" يتعلمون في مدرسة الكابري بمعدل 17 طالبا في الصف، وقسط تعليمي يصل إلى 10 آلاف شيكل.. كيف يمكن منافستهم"..

ويقول أرياف، الذي يشغل أيضا منصب رئيس "السلطة لتطوير الجليل"إن المشكلة مشتركة لكافة المدن في الجليل. ويؤكد ذلك دراسة جديدة أجريت بطلب من وزارة الإسكان حيث تبين أن "غالبة المستوطنين في البلدات الجماهيرية في الشمال يأتون إليها من مدن الشمال، وفقط نسبة قليلة تأتي من مدن المركز".

وبينما يقول أرياف إنه يسكن نتسيرت عيليت 6 مديري أقسام في مستشفى "رامبام" في حيفا، وكلهم عرب، ورغم أنه يقر بالمردود الاقتصادي لوجود العرب في نتسيرت عيليت بقوله ردا على أقوال قائلين أن هناك عربا كثيرون في "الكانيون"، حيث يجيب أنه بدون العرب لا يكون هناك "كانيون"، فهو يعتبر أن لديه مشكلة مع "الشباب العرب الذين يأتون إلى نتسيرت عيليت ليجعلوا من شوارعها ميدانا لسباق السيارات"، وتثور ثائرته عندما يسمع أنه من الممكن أن يكون رئيس البلدية بعد عشرين عاما عربيا. فيقول أرياف: "سأجلب متدينين (حريديم) إلى نتسيرت عيليت، مثل "بيت شيمش".. ورغم ذلك يعرب عن قلقه من حقيقة أن 62% من الأولاد في الشمال ليسوا يهودا.. وبحسبه فإن "الدولة تطلق النار على رأسها لا على قدميها"..

أما رينا غرينبيرغ، نائبة رئيس بلدية كرميئيل، فتذهب إلى "أبعد" من ذلك ، حيث تقول إن الشبان العرب من القرى العربية قد سيطروا على منتزهات "كرميئيل"، وهم "يهدمون ويوسخون، ويعيثون الفوضى.. لقد سيطروا على المركز في مدخل المدينة.. فقد أصبح كله بملكية أبناء القرى العربية.. يتحدثون هناك فقط باللغة العربية.. ولا يقومون بتشغيل يهود"..

وتضيف: "إنها ليست ضد الناس الذي يعيشون خلف الشارع الرئيسي" (في إشارة إلى القرى العربية)، وبحسبها فإنها تفهم الضائقة التي تعاني منها القرى، ولكنها تصر على أنه "ما كان يجب أن تكون كرميئيل بلدة مختلطة".

وتقول غرينبيرغ إن الشريحة المؤسسة اقتصاديا تترك كرميئل إلى نهارية أو "كفار هفرديم"، ويحتل مكانهم العرب وشريحة سكانية ضعيفة اقتصاديا. وبحسبها فإن المدينة ستصبح مختلطة بعد 10 سنوات إذا ظلت الأمور تسير بهذا الاتجاه، وهو ما تعتبره "نهاية العالم" بنظرها.

عدد كبير من المسؤولين في السلطات اليهودية في الشمال يقولون إنهم على قناعة بأن الحديث هو عن حملة منظمة من قبل العرب للسيطرة على المدن اليهودية.

ولا تتردد غرينبيرغ في القول إن "كرميئيل قد أقيمت كمدينة يهودية، ويجب المحافظة على طابعها، حتى لا ينشأ وضع مماثل لوضع نتيسيرت عيليت التي تفقد طابعها اليهودي تدريجيا"..

التعليقات