مصير أشجار الزيتون في "بلاد صهيون"!

-

 مصير أشجار الزيتون في
إذا كان شعار حملة التخلي عن السلاح الذري في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب قد أصبح مع مرور الزمن رمزا للسلام، فإن رمز السلام في الشرق الأوسط يتجسد في حمامة تحمل بمنقارها غصن زيتون. وهذا الرمز مأخوذ من قصة نوح- عليه السلام- الواردة في الكتب المقدسة، حيث مكث في سفينته إلى أن أرسل حمامة لتستكشف فيما إذا انتهى الطوفان، وعندما عادت وأتته بورق الزيتون، أدرك نوح أن الماء قد نضب ويمكن الخروج من السفينة والهبوط على الأرض.

وأصبحت شجرة الزيتون في ثقافة شعوب الشرق الأوسط رمزا مركزيا للاستقرار والسكينة والسلام. كما ترمز شجرة الزيتون الى الخلود في علاقة الانسان مع الارض. وكان ياسر عرفات كممثل للشعب الفلسطيني ورئيس م.ت.ف، قد ألقى خطابا، لأول مرة في مقر الامم المتحدة في نيويورك، في 13 تشرين الثاني 1974، وأطلق هناك عبارته الشهيرة: "جئت إليكم وأنا أحمل غصن زيتون في يدي، وفي اليد الأخرى أحمل بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي".

منذ الأزل، كانت ارض فلسطين مرتبطة برباط وثيق بشجرة الزيتون. إذ يبجل الفلسطينيون هذه الشجرة المباركة لفخامتها وانتعاش اوراقها دائمة الخضرة وحصانة جذورها الضاربة في الارض حتى في الصخور، ولجودة الزيت عصارة حبات زيتونها. ويستخدم ثمر شجرة الزيتون وزيتها للغذاء والإنارة وتدهين الجسم ولعلاج الامراض والجروح والكدمات ولتقوية الجلد والعضلات. كما استعمل الزيت كمداد للكتابة وصابون للاغتسال. وتتميز الشجرة بقدرتها الدائمة على الإثمار حتى بعد مئات بل آلاف السنين. وتوجد في الجليل والقدس اشجار زيتون معمرة، يصل عمرها الى اكثر من الفي سنة وما زالت مثمرة حتى يومنا هذا.

وبسبب مميزاتها الخاصة، اصبحت شجرة الزيتون رمزا لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، ورمزا للصمود امام ظلم الاحتلال الوحشي، ورمزا لضرب الجذور العميقة في الارض واستحالة اقتلاع هذه الجذور من قبل أي قوة خارجية معادية. وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة يعرف الجميع العديد من القصص حول اقتلاع اشجار الزيتون بالجرافات، تحت ذرائع "الأمن"، او لتوسيع مستوطنة هنا وأخرى هناك، او لبناء جدار الفصل العنصري، وكل ذلك على حساب الاراضي الفلسطينية. وبالنسبة للفلسطينيين، يرمز اقتلاع اشجار الزيتون الى محاولة اسرائيل اقتلاع الجذور الفلسطينية العميقة في الارض، وكأنها تريد ان تمرر رسالة واضحة: هذه الارض ليست لكم، لا جذور لكم هنا، وليس لكم أي حق فيها. أضف الى ذلك، ان قيام اسرائيل باقتلاع اشجار الزيتون يأتي لتجريد الفلسطينيين من اي موطىء قدم كشرط لأي امكانية سلام وهدوء في هذه الرقعة من الارض الصغيرة.
القصة التي نأتي على وصفها هنا تعكس، بشكل فظ، نظرة وتعامل دولة اسرائيل تجاه المواطنين العرب بكل ما يتعلق بسياسة سلب الاراضي العربية واقتلاع اشجار الزيتون. ففي تاريخ 14/6/2007 اقتلعت جرافات وزارة الداخلية ودائرة اراضي اسرائيل عشرات اشجار الزيتون التابعة لقرية المشهد العربية في الجليل، بذريعة ان الارض صودرت لصالح المدينة اليهودية "نتسيرت عيليت" (الناصرة العليا). كما اعتقل عدد من ابناء عائلة شحادة (إحدى العائلات التي تمتلك جزءا من الاراضي المذكورة) بسبب محاولاتهم الدخول الى ارضهم اثناء تطويق الشرطة للمنطقة. الاشجار التي اقتلعت تركت في الارض، وفي اليوم التالي تجمع اصحاب الاراضي وعدد من سكان المشهد وأعادوا زراعة اشجار الزيتون التي اقتلعت وأشجار جديدة أخرى، ومنذ ذلك الحين يتواجدون طوال النهار في الخيمة التي اقاموها هناك. ويقول خالد كريّم، عضو اللجنة الشعبية لمكافحة مصادرة اراضي المشهد وابن لعائلة تمتلك احدى قسائم الارض المهددة بالمصادرة: "اقمنا خيمة احتجاج وأردنا ان نثبت لكل الجهات التي تريد نهب الاراضي، أن اصحابها لن يسمحوا بتكرار ذلك مرة أخرى. ولذلك حافظنا على الارض، بمساعدة ابناء العائلة وعدد من سكان القرية من خلال التناوب على حراستها على مدار الساعة، لكي نمنع أي محاولة من قبل السلطات للعودة والمس بالأرض".

قبل حوالي شهر (في تاريخ 15/1/2008)، وبعد نحو نصف سنة من قيام الجرافات باقتلاع اشجار الزيتون، ترك الاشخاص الذين تجمعوا في المكان خيمة الاحتجاج، معتقدين ان القصة قد مر عليها وقت طويل ونسيت. وفي اليوم نفسه بالذات، وبخطوة مخططة جيدا، اقتحمت قوة كبيرة من الشرطة، ترافقها الجرافات، الاراضي واقتلعت أكثر من 400 شجرة زيتون.

تبلغ مساحة الارض المذكورة حوالي 64 دونما، وتدعي بلدية نتسيرت عيليت انه تم مصادرتها في سنة 1976. ولكن حينها، لم تنفذ المصادرة، وفي سنة 1996 قرر وزير الداخلية آنذاك، حاييم رامون، الغاء امر المصادرة بشكل جزئي. وقبل سنتين نظرت المحكمة العليا في هذه القضية، وادعى اصحاب الارض الاصليين انه اصبح هناك تقادم على امر المصادرة، التي لم تنفذ على مدى سنوات. وقررت المحكمة عدم اعادة الارض الى اصحابها، ولكن اوصت بابقاء الارض منطقة خضراء، كما ذكر في اوامر المصادرة وفي الخارطة الهيكلية للمنطقة، وبتمكين اصحابها من فلاحتها والدخول اليها في موسم قطف الزيتون.

  • السكان العرب، الذين يشكلون 18% من مجموع سكان الدولة، يحوزون فقط على 3% حتى 3,5% من مجموع أراضي الدولة.

  • نحو 2% فقط مخصصة للسكن، و 1% من الارض كل ما تبقى لهم للزراعة.

  • المساحة المخصصة للمواطن اليهودي أكبر بثمانية أضعاف من المساحة المخصصة للمواطن العربي.

  • في الجليل، الذي تشكل نسبة السكان العرب فيه 72%، يوجد للعرب فقط 16% من مجموع الاراضي في هذه المنطقة.
    منذ 1948 وحتى اليوم أقيم نحو 700 بلدة يهودية، بينما لم يتم انشاء أي بلدة عربية في الدولة.

  • النتيجة هي، يعيش اليوم 1,413,300 نسمة بالضبط على نفس الاراضي التي عاشوا عليها عندما كان تعدادهم 160,000 نسمة (في سنة 1948)، دون امكانية لتطور جدي.
بلدية نتسيرت عيليت تعتمد على الخطوات التي اتخذتها الحكومة في سنة 1976 عندما بدأت بحملة مصادرة الاراضي العربية، التي شملت عشرات آلاف الدونمات في الجليل. وقد شملت عملية المصادرات في المنطقة حينها آلاف الدونمات التابعة للبلدات العربية عين ماهل، المشهد، كفر كنا، الرينة والناصرة في الجليل. وقد تم مصادرة الاراضي بموجب قرار وزير المالية الاسرائيلي، الذي استند الى قوانين الطوارىء التي تمنح الوزير صلاحية مصادرة الاراضي للصالح العام. ويقول خالد معلقا على تصرف الدولة تجاه المواطنين العرب: "نحن مقتنعون بشكل مطلق ان اسرائيل اقيمت على اراضي شعبنا الذي طرد من ارضه وهذه حقيقة لا جدال فيها. فلماذا يجب عليّ كمواطن ان اصل الى وضع اشعر فيه بأنني مواطن لفترة مؤقتة؟ كل عربي يعيش داخل دولة اسرائيل لا يعرف ماذا ينتظره في المستقبل".
تمت مصادرة تلك الاراضي بالتوازي مع كتابة "وثيقة كينيغ" التي اعدها يسرائيل كينيغ، الذي شغل على مدى ست وعشرين سنة منصب متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية، وصدرت في صحيفة "عل همشمار" في سنة 1976. وتضمنت الوثيقة خطة لسلخ ومصادرة اراض عربية وتغيير التوازن الديمغرافي في الجليل بهدف تهويد المنطقة. هذا بالاضافة الى تطرقها لنواح أخرى مثل تشجيع هجرة العرب الى خارج البلاد وزيادة العراقيل امام العرب للقبول للجامعات، وإقامة حزب عربي يكون بمثابة ذراع الحكومة للسكان العرب. تجدر الاشارة الى ان كينيغ كان قد قال قبل عدة سنوات لصحيفة "هآرتس" ان صديقه، "مسيحي غني من الناصرة"، ما زال يشكره لأنه اقنعه قبل سنوات بالهجرة الى كندا. وكان تبرير كينيغ: "لن ينعم أولادك بأي خير هنا قط" .
وبتشجيع من تلك الوثيقة قررت حكومة اسرائيل، في بداية سنة 1976، القيام بحملة جديدة لسلب الاراضي من المواطنين العرب بشكل واسع جدا، خاصة في الجليل، كخطوة ضخمة في عملية تهويد الجليل. وشملت خطة المصادرة في الجليل 20,000 دونم، وكان الغضب عارما في اوساط السكان العرب. وقبل خطة المصادرة، اوهم العديد من المواطنين العرب انفسهم، بأنه بعد ان صادرت حكومات اسرائيل المتعاقبة معظم اراضي السكان العرب في اسرائيل منذ سنة 1948 وحتى نهاية سنوات الستينيات، لن تقع ضربة ثقيلة الى هذا الحد ثانية. لكن اقتراح خطة "تطوير الجليل" التي نشرت في شهرية وزارة الزراعة (تشرين الاول، 1975) لم تخف ابدا الهدف القومي لخطة "تطوير الجليل" التي جاء فيها بوضوح: "إن المشكلة الخاصة بالجليل هي قلة السكان اليهود مقارنة بغير اليهود. في سنة 1973 كان في الجليل 147,000 غير يهودي و 62,000 يهودي... يجب تغيير الوضع القائم في مجال النسبة الديمغرافية بين السكان اليهود وغير اليهود، عن طريق تنفيذ خطة بعيدة الأمد...".

وقد حدث ذلك في سنة 1976. وفي تلك السنة تمت مصادرة 21 الف دونم من الاراضي التابعة للسكان العرب لصالح دولة اسرائيل.

وكانت اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي العربية قد اتخذت قرارا بالإضراب العام في تاريخ 30/3/1976، وتنظيم مظاهرات كخطوة احتجاجية على سلب الاراضي. وكانت المظاهرات التي جرت بالاساس في سخنين وعرابة ودير حنا هادئة في البداية لكنها سرعان ما أصبحت عنيفة في اعقاب اطلاق الرصاص الحي من قبل الشرطة. وعندما فشلت شرطة اسرائيل في مواجهة المظاهرات، توجهت لطلب المساعدة من الجيش، الذي قتل اربعة من المتظاهرين، فيما قتل اثنان آخران برصاص الشرطة. ثلاثة من الشهداء كانوا من سخنين. وأطلق على تلك الاحداث "يوم الأرض"، ومنذ ذلك الحين يحيي المواطنون العرب ذكرى يوم الارض بالاضراب والمظاهرات والمسيرات في الثلاثين من آذار كل سنة لتخليد ذكرى الشهداء.
وبالفعل، مصادرة القسم الأكبر من الاراضي العربية المحيطة بنتسيرت عيليت نفذت في فترات زمنية مختلفة، واليوم تشكل هذه الاراضي جزءا من مدينة نتسيرت عيليت اليهودية. وكانت ذريعة اوامر المصادرة، كما قيل للمواطنين العرب، لأسباب امنية. ويقول خالد بهذا الخصوص: "حسب ادعاءات دائرة الاراضي فإن المصادرة التي تمت في سنة 1976 كانت لأسباب أمنية. وصحيح انه اقيم في تلك السنوات معسكر للجيش الاسرائيلي في المنطقة، ولكن يبدو ان ذلك كان لعبة دعائية فقط من اجل تأكيد الاسباب الامنية للمصادرة، لأنه لم تمر سنة وإذا بالجيش يقوم بإخلاء ذلك المعسكر".

ورغم مرور 30 سنة على قرار المصادرة الذي اتخذ في سنة 1976، فإن جزءا من الاراضي لم يصادر فعليا واستمر اصحاب الاراضي في حيازتها واستخدامها، لأن نتسيرت عيليت حينها لم تكن بحاجة لهذه الاراضي الاحتياطية، الامر الذي يؤكد غياب الاهمية لمصادرة تلك الاراضي. ولكن اليوم، تحاول السلطات الاسرائيلية تطبيق هذا القرار بهدف مواصلة توسيع الاحياء الاستيطانية، بالاساس في حي "هار يونا" (جبل سيخ) في نتسيرت عيليت، على حساب اراضي قرية المشهد، من خلال تجاهل حقيقة ان الامر يأتي على حساب احتياطي الاراضي التابعة للسكان العرب في المنطقة. هذه الاراضي بملكية خاصة للمواطنين العرب، وقد انتزعت من اصحابها القانونيين لصالح بناء احياء جديدة لتوطين القادمين الجدد، الذين هاجر معظمهم من الاتحاد السوفييتي سابقا. ويقول خالد بحزن شديد: "لماذا يمنع ابن المشهد من الوقوف في ارضه، وفلاحتها والعناية بأشجارها، في حين ان من وصل من روسيا يتمتع هو وكلبه بالركض صباحا في اراضينا؟".
عندما سئل دافيد بن غوريون بالنسبة لللاجئين الفلسطينيين وإعادتهم لأرض وطنهم فلسطين، اجاب: "هذه الارض تابعة لطرفين، للعرب الذين يسكنون فيها ولليهود في كل أنحاء العالم" . وكأول رئيس لحكومة دولة اسرائيل وكمفكر مركزي بالايديولوجيا الصهيونية في دولة اسرائيل، ما زالت هذه الجملة واقعية حتى ايامنا هذه. ان السياسة المنتهجة من الناحية السياسية والاجتماعية لكل الحكومات المتعاقبة في دولة اسرائيل، على مدى الستين سنة الاخيرة، أكدت من ناحية ان الفلسطينيين الذين بقوا في اراضيهم بعد نكبة 1948 سيتحولون الى مواطنين اسرائيليين ويحصلون على بطاقة هوية اسرائيلية، من خلال التشديد على انه لا يستطيع أي لاجئ العودة الى ارضه التي سلبت منه في تلك السنة. ومن الناحية الثانية تستقبل دولة اسرائيل بأذرع مفتوحة كل يهودي في العالم وتهتم بمساعدته بشكل شخصي ومتعاقب في سنوات هجرته الاولى.

بالاضافة الى ان المهاجرين يحصلون على منح من الدولة لتسهيل استيعابهم في السنوات الاولى من هجرتهم الى ارض "صهيون"، مثل سلة الاستيعاب، منحة جمرك، وحقيقة ان الوكالة اليهودية مسؤولة عن ترتيبات الهجرة وتشارك في تمويل تكاليف السفر في الطائرة الى اسرائيل، ولكن أهم المساعدات من بينها هي تلك المتعلقة بالمسكن، حيث تقدم المساعدة في السكن العام من خلال قروض الإسكان والقروض العادية والمساعدة في ثمن الشقة. وبالموازاة لكل موجة هجرة لليهود من العالم الى اسرائيل، تم بناء احياء وبلدات جديدة من اجل توطينهم في كل مناطق البلاد- في المركز والنقب والجليل، وهذه الاحياء والبلدات تم بناؤها على الاراضي التي كانت في الماضي بملكية عربية.

وكانت ذروة بناء الاحياء الجديدة داخل المدن في بداية التسعينيات، حيث وصل العدد الأكبر من المهاجرين الى اسرائيل خلال الاربعين سنة الاخيرة (636,805 مهاجرين جدد شكلوا 53% من مجموع كافة المهاجرين الذين وصلوا بين السنوات (1989-2005) .

حي هار يونا في نتسيرت عيليت هو واحد من تلك الاحياء التي بنيت خصيصا من اجل توطين المهاجرين الجدد الذين وصلوا الى اسرائيل. وقد بدىء ببنائه في بداية التسعينيات، ويصل اليوم عدد السكان فيه الى 10,000 نسمة، من القدامى والمهاجرين الجدد (حوالي 70%) والقليل من العرب. والحي مقام على قمة جبل سيخ الذي يقع بين البلدات العربية عين ماهل، الرينة، المشهد وكفر كنا، تلك البلدات التي تطرقت اليها حملة مصادرة الاراضي في سنة 1976.

وبجانب ذلك الحي تقع قرية المشهد، التي يبلغ عدد سكانها 6,900 نسمة، ومعظمهم من الطبقة الاجتماعية- الاقتصادية المنخفضة (معدل الأجر للأجيرين في سنة 2005 في القرية كان 3,563 ش.ج فيما كان المعدل القطري 7,324 ش.ج). وفي اعقاب الواقع الكئيب الذي فرضته عليها الدولة، اصبحت قرية المشهد مطوقة ومحاصرة من جميع الجهات، دون أي امكانية لتطور يلوح في الافق. من الجهة الجنوبية شارع 79 (شارع نتسيرت عيليت- حيفا)، ومن الجهة الغربية موشاف تسيبوريت (الذي اقيم على اراضي قريتي "جبل الخروب" و"صفورية"، اللتين دمرتا إبان النكبة عام 1948، والذي اقيم ايضا على جزء من اراضي المشهد)، والمنطقة الصناعية تسيبوريت، التي تقع قرية المشهد في الوسط بينها وبين نتسيرت عيليت (تبعد عن نتسيرت عيليت حوالي 7 كلم)، ولكن مع ذلك تعتبر جزءا من منطقة نفوذ نتسيرت عيليت. ومن الجهة الشمالية يحد قرية المشهد القرية العربية كفر كنا، ومن الجهة الشرقية للقرية يقع حي هار يونا، الواقع في منطقة نفوذ نتسيرت عيليت.

من مجموع 11,067 دونما كانت تابعة لقرية المشهد قبل اوامر المصادرة، تصل اليوم منطقة نفوذها الى 7,300 دونما، في حين ان 830 دونمات فقط مخصصة للبناء. يقف خالد في ارضه ويشير الى القرية قائلا: "تعاني القرية مشكلة سكنية قاسية جدا، والكثير من الاشخاص يتركون القرية لأنهم سلبوا منهم الاراضي او لا يعطونهم تراخيص ملائمة للبناء. حتى ان قسما من اصحاب الاراضي هنا (من عائلة شحادة) يسكنون في قرية الرينة المجاورة لأنهم لم يحصلوا على التراخيص ذات الصلة لكي يقوموا بالبناء على اراضيهم".
ويقول رب العائلة، محمود شحادة، ببراءة: "حتى بعد ان سمعنا عن مصادرة الاراضي في السبعينيات، لم يؤثر ذلك على عملنا في الارض بتاتا. واصلنا العمل، قمنا بحرث الأرض وزراعتها طوال الوقت، الى ان وصلت جرافات الشرطة ودائرة الاراضي في شهر آذار". محمود (85 عاما) هو الأكبر سنا من بين أصحاب الاراضي وقد تعرض هو ايضا للاعتقال في الهجمة الأولى لدائرة الاراضي، ويقول بهذا الصدد: "هؤلاء لا يخجلون من أنفسهم.. لقد قاموا باعتقالي واعتقال ابنائي فقط لأننا اردنا الدخول الى اراضينا، ومنعهم من المس بأشجار الزيتون". ويتساءل: "كيف قدروا على اعتقالي وأنا في سن أجدادهم؟!".

ويحاول رمزي شحادة، وهو ايضا احد اصحاب الاراضي، أن يقارن بينه وبين المهاجرين الجدد الذين يسكنون في حي هار يونا المجاور، ويقول: "حبذا لو كنا نتمتع بحياة مثلما هي الحال في نتسيرت عيليت من ناحية الخدمات التي يحصلون عليها، الشوارع، النظافة، والمتنزهات لأولادهم. سيكون من المضحك ان نقارن بين المشهد ونتسيرت عيليت، وعلى سبيل المثال عندما اريد الذهاب مع اولادي للعب فإنني اذهب الى المتنزهات في نتسيرت عيليت، لأنه لا يوجد لدينا في المشهد حتى ولو دونم واحد مخصص لمتنزه". ويضيف: "أشعر بأنني اعيش في مكان ما في جنوب افريقيا وبجانبي مدينة اوروبية او امريكية. وما يثير الغضب اكثر اننا نحاول منذ 25 سنة الحصول على تراخيص لكي نبني على ارض هي لنا ، في حين ان المهاجر الجديد الذي يصل من روسيا او اوروبا يحصل على بيت فور هبوطه من الطائرة".

شجرة الزيتون هي احدى الاشجار الاكثر انتشارا في فلسطين. هذه الحقيقة هي نتيجة لكون الشجرة نفسها كانت جزءا مركزيا جدا في الفولكلور الفلسطيني، وتكاد تكون زراعة الارض بأشجار الزيتون على رأس سلم افضليات كل عائلة فلسطينية تملك قطعة ارض. تعكس شجرة الزيتون ثقافة الفلسطينيين وهي جزء من تاريخهم في علاقتهم مع الارض والطبيعة. ومع مرور الزمن اصبحت شجرة الزيتون جزءا من الاقتصاد المحلي الوطني، ان لم تكن جزءا اساسيا، للفلسطينيين.

اشجار الزيتون في اراضي المشهد تخدم اصحاب الاراضي، وهم ثلاث عائلات ومجموع تعدادهم 350 شخصا، وجميعهم فلاحون وحراثة الارض هي عملهم ومصدر رزقهم الاساسي، ان لم يكن الوحيد. في السنة الماضية، نجحت عائلة شحادة في انتاج قرابة 70 تنكة زيت زيتون في قسيمة مكونة من 8 دونمات تشكل حوالي ثلث الاراضي التي تملكها العائلة والتي اقتلعت فيها الاشجار.

يقول محمود شحادة: "منذ 30 عاما وأنا اعتني بأشجار الزيتون، لكي أوفر لقمة العيش لعائلتي، وفي غضون ساعتين تقوم الشرطة بتدمير كل ما عملت من أجله". أما خالد، زوج ابنة محمد، فيقول: "نحن عائلة فلاحون نعتاش على فلاحة الارض. تنكة زيت كهذه وصل ثمنها هذه السنة الى حوالي 700 شاقل، وبحساب بسيط اهدر منا دخل يقدر بحوالي 49,000 شاقل، ناهيك عن الاستعمال الشخصي للزيت والزيتون من قبل العائلات الثلاث". ويؤكد خالد ان هذا هو مصدر الرزق الاساسي للعائلات، ويقول: "لم اسمع في حياتي ان ابي او جدي يتحدث عن شراء زيت او زيتون من آخرين. حتى انني اخشى ان نصل الى وضع لا يكون فيه لدينا زيت زيتون وحينئذ نضطر لشرائه".

ويضيف خالد: "نحن مواطنون نحافظ على القانون، ولا يهمنا أي شيء سوى العيش مثل البشر في اراضينا. ومع هذا تتعامل الدولة معنا كمواطنين من الدرجة الثانية او مخالفين للقانون"، ويتابع: "هذا يعيد لجميعنا كلمات مثل ترانسفير. ها نحن في كل يوم نسمع عن تجريف مقبرة اسلامية او مسيحية في القرى الفلسطينية في داخل مناطق 48. ما نطلبه هو الحرية والديمقراطية التي يجب ان احصل عليها كمواطن. اذا كانت هناك حقوق للمواطن في اسرائيل فلتعط ايضا للسكان العرب". ويفتح قلبه ويتحدث بصراحة قائلا، ان كل عربي في اسرائيل يشعر بأن الدولة تفعل ما لا تقول وتقول ما لا تفعل: "هي كأنها ترتدي فستانا ابيض ولكن في داخله كتلة سوداء من العنصرية والتمييز".
ويطلب رمزي، بإصرار وغضب كبير، نقل رسالة عبر "المؤسسة العربية لحقوق الانسان" ويقول: "أريد ان انقل رسالة باسم اصحاب الاراضي وعائلة شحادة وسكان قرية المشهد لضمير الناس في كل الأماكن: كيرن كييمت ليسرائيل، بلدية نتسيرت عيليت، اعضاء كنيست ووزراء، والسكان في اسرائيل، نحن لا نريد ان تتكرر احداث 1976، لكن يؤسفني القول انهم لن يأخذوا منا مترا واحدا الا اذا متنا في اراضينا. لا توجد لدينا كراهية او عنصرية تجاه أي انسان، لكننا نريد ان نسوّي الامور بعدالة، وإذا لم يحدث ذلك، لن تكون هناك طريق عودة. لا يوجد لدينا مكان آخر نعيش فيه او نبني فيه بيتنا. نحن عائلة تعتاش على العمل الزراعي ولا توجد لدينا قطعة ارض أخرى لفلاحتها والعمل فيها. اما ان نموت او ان نحيا بسلام مع المدن المجاورة دون ان تمس اراضينا". ويؤكد: "اعيد وأكرر: ما حدث في عام 1976 لن يتكرر".

هذه القصة تؤكد ثانية دوس القدم الاسرائيلية على كل ما يرمز له هذا المكان وهذه المنطقة بالنسبة للسكان المحليين، الفلسطينيين، السكان الأصليين في البلاد. اقتلاع اشجار الزيتون من قرية عربية، والدوافع التي تقف من ورائه، تشكل خروجا من الطبيعة، تغيير المنظر الطبيعي القروي للمنطقة، ومحاولة تغيير الجوهر الشرقي والطبيعي للمكان، لصالح بناء خلايا سكنية بأسلوب أوروبي، وخلط جنس بما ليس من جنسه. وربما من أجل خلق بيئة أخرى، تلجأ السلطات الاسرائيلية الى اقتلاع الرمز الاساسي لأرض فلسطين، رمز السلام، وهذه الحقيقة توضّح الثمن الباهظ الذي يضطر السكان الأصليون الى دفعه لصالح إقامة دولة يهودية في ارض فلسطين.

التعليقات