هل نقبل لشبابنا أن يخاطبوا شعبهم ببندقية إحتلال؟/ هاشم حمدان

-

هل نقبل لشبابنا أن يخاطبوا شعبهم ببندقية إحتلال؟/ هاشم حمدان
في بيان أصدره منفذو العملية في معبر رفح: "أعلنت وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وصقور فتح- الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، مسؤوليتهما عن القيام بنسف وتفجير موقع معبر رفح العسكري الجاثم فوق أرضنا فلسطين بمنطقة الحدود الفلسطينية المصرية جنوبي القطاع، حيث استطاع أبطال القسام والصقور من الوصول إلى عمق الموقع عن طريق حفر نفق يصل إلى أسفله وزرع كمية من المتفجرات شديدة التدمير تزن طناً ونصف طن ومن ثم نسف الموقع بمن فيه (...)، وذلـك في تمام السـاعة 17:07 من مساء اليوم الأحد 12/12/2004 .

وكان مصدر عسكري إسرائيلي قد أعلن أن خمسة من جنود الوحدة البدوية في الجيش الإسرائيلي قتلوا، وأصيب ستة جنود، جراح بعضهم بالغة الخطورة، في الهجوم المزدوج الذي استهدف موقعا عسكريا إسرائيليا على معبر رفح، مساء أمس الأحد.

وقال المتحدث العسكري ان القتلى الخمسة هم: العريف سعيد جهجاه (19 عاما) من عرعرة، العريف أدهم شحادة (19) من طرعان، العريف عارف زبارقة (20) من كسيفة، العريف طارق الزيادنة (20) من رهط، والجندي حسين ابو ليل (23) من قرية عين ماهل.

وقد خدم القتلى الخمسة في "كتيبة الجوالة الصحراوية"، التي بادر إلى تأسيسها عام 1990 موشي أرنس الذي أشغل منصب وزير الدفاع في حينه، وتتناقل وسائل الإعلام تسميات أخرى لهذه الوحدة مثل "الوحدة البدوية" أو كتيبة "الجوالة البدوية"، علماً أن ليس البدو وحدهم في هذه الوحدة.

وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإنه من بين 170 الف عربي من البدو في النقب، يخدم فقط 1100 "بدوي" تقريباً في الجيش، وغالبيتهم ينظرون الى قضية الخدمة في الجيش كمصدر للدخل ومن المفارقات أن بعضهم يسكن في القرى غير المعترف بها، والتي تواجه الآن خطر الهدم، بل أن بعضهم هدمت بيوتهم أثناء خدمتهم في الجيش ولم يشفع لهم ذلك!!.

وقد نسبت الى أفراد هذه الوحدة "كتيبة الجوالة الصحراوية" مؤخراً تهمة التجارة بالمخدرات ومساعدة مهربي المخدرات وبيع أسلحة للفلسطينيين مقابل مبالغ مالية، وقد قدمت لوائح اتهام ضد بعضهم!!.

ويشار في هذا السياق أيضاً الى أن هذه الكتيبة قد قامت قبل أسبوع تقريباً بقتل خمسة فلسطينيين كانوا في طريقهم من مصر الى مدينة رفح في قطاع غزة.

ويشار أيضاً الى أن أفراد هذه الكتيبة يتعرضون إلى التمييز في "الحقوق" ضدهم، إذ أشار كثيرون منهم الى أنه بالرغم من تجندهم للجيش فهم لا يتلقون الحقوق ذاتها التي يحصل عليها الجنود اليهود، فكثيرون منهم يلقى بهم الى سوق البطالة بعد أدائه للخدمة، في حين يشير آخرون الى أن هؤلاء الجنود هم بمثابة "قنبلة موقوتة" قد تنفجر في أي لحظة، فالمجتمع العربي يقاطعهم والدولة لا تمنحهم حقوقاً!!.

وتجدر الإشارة الى ذوي القتلى الخمسة قد رفضوا إجراء جنازات عسكرية لأبنائهم، إلا في حالة سعيد جهجاه، كما رفضوا جميعاً أن يلف العلم الإسرائيلي على التابوت، وفي حالة جهجهاه فقد تمت تغطية العلم الإسرائيلي، ربما خجلاً!!

ومن الواضح أن تجند العرب في الداخل الى الخدمة الوطنية الصهيونية أو الشرطة الجماهيرية أو الجيش ينطوي على الكثير من المفارقات وفي الوقت نفسه تضع المجند في تناقض بحيث يتصادم مع شعبه وانتمائه ومع الأخلاق وجميع القيم والأعراف الإنسانية.


وقد ارتأينا في عرب 48 أن نسلط الأضواء على جانب من هذه المفارقات التي لا ينشر عنها.

حسين أبو ليل (23) من قرية عين ماهل:
الجيش الإسرائيلي أخذه وردة وأعاده جثة محروقة!!

اعتقد حسين أبو ليل أن الخدمة الوطنية الصهيونية لن تضيره، خاصة وأنها ستأخذ من وقته 4 ساعات في الشهر، وربما اعتقد أيضاً أنه قد يحصل على بعض حقوق نتيجة لذلك.

ربما لم تخطر ببال ذويه وأقربائه أن هذه الخدمة الوطنية ستكون وسيلة تمهيدية لدفعه الى التجند للجيش الإسرائيلي قبل سنة ونصف.

ولما كانت عملية التجند مستهجنة وغريبة عن قرية عين ماهل، فقد جوبه حسين بالمعارضة الشديدة من الجميع على الإطلاق، لدرجة أن بعض أقربائه قاموا بمقاطعته. وثارت عاصفة من الخلافات حول التجند داخل العائلة إلا أنه أسقط في يد الجميع أمام إصراره على ذلك.

ربما لم يدرك أبو ليل أن الجيش سيضعه في أكثر مناطق القطاع اشتعالاً، ولكنه وجد نفسه في موقع لجيش احتلال يجثم على أرض فلسطينية محتلة ويحمل بندقية اسرائيلية يوجهها الى صدور أبناء شعبه!!.

كان نائماً في غرفته عندما دوي الإنفجار من تحته!! فاحترقت جثته بالكامل وانهار عليه سقف الغرفة!!.

ويقول أقرباء أبو ليل أن جثته نقلت الى مستشفى العفولة بطائرة، ومن ثم نقلت الى المستشفى الفرنسي في الناصرة بتابوت قد لف بالعلم الإسرائيلي، وأمام إصرار العائلة التي رفضت تشييعه بالعلم، فقد نقل الى تابوت آخر في ساعات المساء وأحضر الى القرية في سيارة خاصة.


أما عبد السلام أبو ليل، ابن عم حسين، وهو موظف في المجلس المحلي ويعمل مراسلاً رياضياً لصحيفة معاريف فيقول: لقد تمكنت من رؤية جثته، ولن أنسى هذه الصورة ما حييت، فقد كانت الجثة محروقة تماماً. وعند إحضار الجثة الى البيت لم يتمكن أحد من رؤيتها، وحتى والدته لم تتمكن من إلقاء النظرة الأخيرة عليه، وبعد عشر دقائق نقل الى المقبرة مباشرة حيث جرى دفنه.

وحول عدم إجراء مراسيم جنازة عسكرية أجاب عبد السلام بأن العائلة قد رفضت ذلك بشدة كما أصرت على عدم نقله بتابوت يحمل العلم الإسرائيلي.

ويضيف عبد السلام: "الأجواء في بيته مأساوية للغاية، ويلاحظ الندم الشديد على الموافقة على أن يتجند حسين للجيش الإسرائيلي، لقد أخذه الجيش وردة وأعاده جثة محروقة!! وأعتقد في هذا السياق أنه من حق الشعب الفلسطيني أن يدافع عن أرضه ووطنه ومن يرسل ابنه الى غزة لمحاربة شعبه عليه أن يتحمل النتائج!!".

ويشير أبو ليل الى أن ابن عم حسين ويدعى حمزة قد تجند أيضاً للجيش قبل سنة، وهذه قضية أخرى، فبعد مقتل حسين فإن حمزة في وضع نفسي سيء جداً، كما يقول عبد السلام، ويصر والد حمزة على عدم عودة إبنه إلى الخدمة العسكرية بالإضافة الى إلحاح جميع من حوله على ذلك. خاصة وأن الجميع أساساً يعارضون الخدمة الوطنية الصهيونية فكم بالحري التجند لجيش احتلال.

وفي هذا السياق يؤكد عبد السلام: التجند مرفوض نهائياً وكذلك الخدمة الوطنية الصهيونية. أنا ضد الإحتلال ومع إحقاق كافة الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني. وأطلب من إبن عمي حمزة أن يترك الجيش فوراً ويعود الى بلده وأهله!! فدرس "حسين" عبرة لمن يعتبر.

ويروي عبد السلام أن حمزة قد قال له ذات مرة أن الشباب الفلسطينيين في رفح قد قالوا له بأن حمزة وحسين وأمثالهما من العرب الذين يخدمون في جيش الإحتلال مستهدفون أكثر من الجنود الصهاينة!!

يشار الى أن والد حسين وهو عامل بسيط يعمل في مصنع للنايلون في مدينة نتسيرت عيليت، قد عارض بشدة دخول ابنه الى الجيش ووقعت صدامات ومشاكل عديدة في البيت من أجل منع ذلك ولكن أعيته قلة الحيلة في النهاية!!.



وفي حديث لموقع عرب 48 مع المهندس عبد الحفيظ أبو ليل، نائب رئيس المجلس المحلي، قال: "نحن نعمل المستحيل من أجل منع الشباب من التجند الى الخدمة الوطنية الصهيونية وجيش الإحتلال. فنحن نسعى لكي يكون شبابنا فخورين بانتمائهم لشعبهم، فنحن جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني ولا نريد لشبابنا أن يخاطبوا شعبهم الفلسطيني ببندقية احتلال اسرائيلية!!.

وأشار المهندس عبد الحفيظ الى أن قرية عين ماهل هي منبر وطني، وقضية التجند للجيش دخيلة على القرية ومرفوضة تماماً، فالقرية تعتز بجذورها الفلسطينية وانتمائها. كما أكد أن من دواعي الفخر بقريته هو أنها منبر للأحزاب والقوى الوطنية، والأحزاب الصهيونية تكاد لا تذكر في القرية.


وفي سياق الموضوع ذاته نشير ايضاً الى مقتل اثنين من النقب وهما عارف محمد الزبارقة (20 عاماً) من كسيفة، وطارق نوري الزيادنة (20 عاماً) من راهط، وقد رفض ذويهما إجراء مراسيم جنازة عسكرية لهما كما رفضوا أن يلف التابوت بالعلم الإسرائيلي، وفي كلتي الحالتين لم يتم إدخالهما الى الجامع لإقامة صلاة الجنازة عليهما!!

وهنا تجدر الإشارة الى أن نوري الزيادنة، والد الجندي طارق أحد القتلى، عندما دوى انفجار النفق كان داخل غزة، كما تشير بعض المعلومات الى أنه متزوج من فلسطينية تسكن في قطاع غزة!! الأمر الذي يستدعي الكثير من التساؤلات حول موقع ابنه في خندق آخر!.

أما بخصوص عارف محمد زبارقة، فقد علق السيد جمعة الزبارقة وهو ناشط سياسي وعضو في المجلس المحلي في قرية اللقية في النقب: من المؤسف أنه موجود في الجيش في غزة لمحاربة أبناء شعبه، في حين أن مكانه الطبيعي ليس هناك وإنما هنا في بلده، والأنكى أن هذا الأمر يأتي في ظروف هدم بيوتنا ومصادرة الأرض والملاحقة اليومية ومصادرة الأملاك الشخصية والمواشي ورش المزروعات لإبادة المحاصيل، ناهيك عن وجود قرى بأكملها مهددة بالهدم، فالهدم يطال البيوت في القرى المعترف بها وأيضاً في غير المعترف بها. وهناك من هدم بيته وهو يخدم في الجيش، وقبل عدة شهور هدمت روضة أطفال في قرية وادي النعم كانت مخصصة لأبناء من يخدمون في الجيش!!.

ويشير السيد جمعة الزبارقة الى أن والد عارف هو إنسان متدين وعارض بشدة دخول ابنه الى الجيش ولكنه لم يفلح في ثنيه عن عزمه، وقد رفض أن تجري له مراسيم جنازة عسكرية أو أن يلف التابوت كما أسلفنا بالعلم الإسرائيلي. كما يؤكد الزبارقة: "طالما أننا لا نتصرف كشعب سنظل نواجه ظاهرة التجند والخدمة الوطنية الصهيونية والشرطة الجماهيرية، وأخطر ما يكون في الخدمة الوطنية الصهيونية هو أنها تمهد بشكل تدريجي لانخراط الشباب العرب في الجيش الإسرائيلي، ومن ثم وضعهم في خطوط النار".


التعليقات