حنا سويد يدعو لتنحية زيدان وإعادة دمج المتابعة مع القطرية * الإسلامية تستهجن والتجمع يطالب بمواقف واضحة * لجنة المتابعة بين الشدّ والجذب، وصراع بين نهجين
عـرب 48 و"فصل المقال" | حسن عبد الحليم
معيقات انطلاق مؤتمر لجنة المتابعة
مع تنامي المخاطر المحدّقة بفلسطينيي الداخل، تزداد المسؤوليات الملقاة على عاتق أعلى هيئة تمثيلية لهم، ألا وهي لجنة المتابعة العليا، ويدور الحديث منذ سنوات طويلة عن خطط ومقترحات لإعادة بنائها بحيث ترقى لحجم التهديدات والمخاطر.
تصطدم هذه المحاولات بعدة عراقيل وعقبات، وما زال مؤتمر لجنة المتابعة الأول، الذي يتمّ الإعداد له منذ سنوات، يراوح مكانه ويؤجّل مرة تلو الأخرى، وتنصب الجهود في هذه الأيام لتجاوز العقبات وعقده خلال نيسان الجاري، لكن التطورات تشير إلى أن الأمر لم يُحسم بعد.
وقد أكملت مؤخرًا الهيكلية الجديدة للجنة المتابعة بخطوطها العريضة، لإقرارها في المؤتمر الأول. وتشمل هذه الهيكلية عناصر جديدة أهمها لجنة مالية (يفضّل التجمع وقوى أخرى تسميتها بنواة الصندوق القومي) تُجنّد الأموال من المقتدرين والمواطنين العرب. وكذلك لجان أخرى، مثل لجنة التخطيط الاستراتيجي (اقتصاد، أرض، تعليم) يدعمها مركز بحث علمي، ولجان أخرى عديدة تتعلق بالتعليم والعمل الشعبي وغيرها، كلها تهدف الى نقل لجنة المتابعة من واقعها الفضفاض إلى واقع أكثر تنظيمًا وبالتالي أكثر قدرة على القيام بدورها البنائي والنضالي.
ونظرًا لغياب الإجماع حول فكرة الانتخاب المباشر علّقت الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديمقراطي وأبناء البلد والحزب العربي الديمقراطي، بشكل مؤقت، مطلب انتخاب هيئات لجنة المتابعة بشكل مباشر، وقبلت بصيغة انتقالية ألا وهي إعادة بناء مؤسسات اللجنة على قواعد جديدة أقرّتها سكرتاريا لجنة المتابعة.
لكن هذه الصيغة لم تخرج حتى الآن إلى حيّز التنفيذ بسبب جملة من العراقيل منها تحفظات الجبهة من عدة قضايا وملفات، تبدو في ظاهر الأمر إجرائية ولكنها في باطنه تشير إلى اختلاف بالرؤية الشاملة وتباين في المنطلقات. وهناك من يرى أن هذه المواقف تندرج في إطار رؤية الجبهة السياسية الرافضة لتنظيم العرب على أساس قومي، كونها تنظيمًا عربيًا-يهوديًا.
ويجري التنسيق منذ شهور طويلة، بين غالبية مركبات لجنة المتابعة حول فكرة انتخاب لجنة المتابعة كسبيل لتنظيم العرب في الداخل وبناء مؤسساتهم القومية والمهنية بحيث تبلوّر هويتهم القومية في مقابل الأغلبية الصهيونية.
يهدف التنسيق الجاري إلى وضع برنامج عملي يشمل التوعية وتعريف الجمهور بأهمية فكرة تنظيم عرب الداخل وانتخاب قياداتهم بصورة مباشرة. ويقول المنسقون إن هذا يتطلب سنوات من العمل الدؤوب تُقام خلاله اللجان الشعبية وتوّقع العرائض في القرى والمدن والجامعات، ويطمئن المنسّقون المعارضين للفكرة بأنّ هذه الخطوة لا تعني مقاطعة انتخابات الكنيست ولا تنطوي على مخطط انفصالي لكونها حقا مكفولا بالشرائع والوثائق الدولية.
كان من المفروض أن يعقد المجلس العام للجنة المتابعة جلسته في التاسع عشر من الشهر الماضي، وأرجئ للثالث والعشرين من نيسان الجاري، ويأمل رئيس لجنة المتابعة، محمد زيدان، الذي رفض التعليق على محتوى هذا التقرير، بأن يتمكن من تجاوز الخلافات وعقد المؤتمر في موعده، مشيرًا إلى أنه سيتم بحث كافة الملفات في مؤسسات المتابعة بعيدًا عن الإعلام.
وكان مسؤول في الجبهة قد اتهم زيدان بالانحياز للتجمع والحركة الإسلامية وأبناء البلد، وتوّعد بأن زيدان سيدفع الثمن غاليًا، دون أن يفصح عن الخطوات التي سيتخذها حزبه.
وبعد أيام دعا النائب حنا سويد لتنحية محمد زيدان وإعادة دمج اللجنة القطرية بالمتابعة، على أن يرأسها رئيس اللجنة القطرية. ورغم أن سويد أشار إلى أنه يعبّر عن موقفه الشخصي وليس عن رأي الحزب، كان لتصريحاته أثر كبير على أجواء الاستعداد لعقد المجلس العام للجنة المتابعة.
وجاء تهديد المسؤول الجبهوي في أعقاب رفض لجنة المتابعة مقترحا قدّمته الجبهة بمنح كلمة ليهودي تقدمي في مهرجان يوم الأرض، ورفضها مقترحًا آخر بالسماح برفع الأعلام الحزبية في المسيرة.
وأوضح مشاركون في الجلسة أن رفض المتحدث اليهودي لم يكن على أساس مبدئي بل إجرائي، حيث أن المقترح قدّم بعد الانتهاء من البرنامج وإقراره نهائيًا، مشيرين إلى أن مهرجان إحياء ذكرى يوم الأرض العام الماضي تضمّن كلمة للباحث إيلان بابي، قوبلت بترحاب من الجميع. وأكدوا أنهم يرحبون بمشاركة شخصيات يهودية مناهضة للصهيونية في كافة نضالات فلسطينيي الداخل، وشدّدوا على ضرورة تعزيز التعاون مع تلك القوى.
أما في ما يتعلق بالأعلام الحزبية، فقالوا إن المتابعة أقرّت بالإجماع رفع أعلام وشعارات موحدة، لإضفاء طابع الوحدة في مناسبة "تستدعينا إلى توحيد جهودنا من أجل رفع سقف النضال ضد سياسات المصادرة والهدم وتفشي العنصرية". وأكّدوا أن الجبهة مارست ضغوطا شديدة على لجنة المتابعة لتحقيق مطلبيها إلا أن جهودها باءت بالفشل مما حدا بها إلى التعبير عن الغضب وتوجيه سهام نقدها لرئيس لجنة المتابعة.
ولا بدّ في السياق ذاته من الإشارة إلى قضية خلافية عامة ذات صلة، بين الجبهة وباقي مركبات المتابعة، وهي مطالبتها بتشكيل لجنة إعلام وعلاقات عامة مخصصة للجمهور اليهودي، حيث أنّ الرأي السائد في اللجنة هو تشكيل لجنة خاصة واحدة للإعلام والعلاقات العامة يكون الجمهور اليهودي الإسرائيلي من ضمن اهتماماتها.
ومع أن الجبهة هي التي دفعت بمحمد زيدان لرئاسة لجنة المتابعة، ورأى البعض أنها خطوة للاتفاف على مقترح التناوب على رئاسة اللجنة بين مكوناتها السياسية، ها هي تنقلب عليه اليوم.
وقد دعا رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية، النائب سويد، مؤخرًا، إلى إلغاء لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية بتركيبتها الحالية، وإعادة بناء اللجنة من جديد من خلال إجراء تغييرات جذرية في تركيبة العضوية والرئاسة.
وقال د. سويد، خلال البرنامج الحواري "نظرة من الداخل" الذي يبثّه التلفزيون الفلسطيني، في حلقة مخصصة ليوم الأرض، إن "لجنة المتابعة بوضعيتها الحالية ابتعدت عن القضايا الفعلية لمجموع الناس، واقتربت أكثر من الصياغات العمومية، وأنّ هناك حاجة لإعادة تشكيلها من جديد لإعادة الوزن في عملها إلى القضايا الفعلية والواقعية التي تواجه الجمهور العام".
وأضاف سويد أنه يدعو، بصفته الشخصية وليست الحزبية، إلى «إجراء تغيير جذري في لجنة المتابعة، بحيث تعتمد في عضويتها أساسًا على رؤساء السلطات المحلية العربية وعلى مهنيين ومختصين، على أن يكون رئيسها هو رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وذلك من منطلق التشديد على أهمية تناول قضايا الناس الحقيقية، وللابتعاد قدر الإمكان عن صياغات توافقية بين الأحزاب من شأنها أن تقود بالمحصلة إلى تركيبة العضوية والرئاسة بشكلهما الحالي للجنة المتابعة، وبالتالي تفريغها من مضامين حقيقية وعملية ذات صلة مباشرة بقضايا الناس الحقيقية".
وقال د. سويد إن "رؤساء السلطات المحلية العربية هم المنتخبون بشكل مباشر من الجمهور الواسع، وهم الأكثر معرفة وقربًا للمشاكل، وإنه جرى في الفترة الأخيرة تهميشهم في إطار لجنة المتابعة".
"الفوارق الشاسعة بين الاجتهادات المختلفة"
وفي محاضرة ألقاها في فرع الحزب والجبهة في يافة الناصرة، تطرق النائب سويد إلى دور لجنة المتابعة في إحياء ذكرى هذا اليوم، مؤكدًا أنه لا يمكن التنازل عن وجود لجنة المتابعة، على الرغم من صعوبة التعامل معها بسبب ما أسماه "الفوارق الشاسعة بين الاجتهادات المختلفة، بما فيها الاختلافات الكبيرة في تعريف وضع الجماهير العربية في إسرائيل".
وأعرب النائب سويد عن رفضه لطرح التجمع إجراء انتخابات خاصة لهيئات لجنة المتابعة بقوله: إن لجنة المتابعة "تتكون من هيئات منتخبة، أعضاء الكنيست وممثلي الأحزاب ورؤساء السلطات المحلية، لذلك لا حاجة لإجراء انتخابات خاصة لتشكيل هيئاتها".
يجب إعادة دمج لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء
ثم تطرق د. سويد إلى فصل لجنة المتابعة عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، وقال إن «هذا الفصل أضرّ بالعمل السياسي والقضايا التي يجب أن تتابعها لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء، وأدى إلى شطر نضال الجماهير العربية والفصل بين القضايا السياسية وقضايا السلطات المحلية، بشكل يضر بمضمونها الحقوقي، وإظهارها على أنها قضايا منفصلة، لا رابط بينها".
وأكد د. سويد أن "العودة إلى النموذج السابق، بتوحيد لجنة المتابعة واللجنة القطرية تحت إدارة رئيس واحد هو الخيار الأفضل، الذي يضمن ترشيد وتدعيم العمل السياسي بين الجماهير العربية".
وعقب الناطق باسم الحركة الإسلامية، زاهي نجيدات، على هذه التطورات بالتعبير عن استهجانه من طرح إعادة توحيد لجنة المتابعة والقطرية في هذا المرحلة. وقال نجيدات في حديث لـ«فصل المقال»: للجنة المتابعة نظام داخلي قائم وموجود ومتفق عليه، ويندرج انعقاد المؤتمر ضمن هذا النظام. وأضاف نجيدات: إن الفصل بين اللجنة القطرية والمتابعة هو عين الصواب بحكم طبيعة عملهما، وتوقيت المطالبة بتوحيدهما مستهجن للغاية، وليس سرًا أننا في الحركة الإسلامية من دعاة انتخاب هيئات لجنة المتابعة بشكل مباشر من قبل جماهير شعبنا في الداخل، ولن نتخلى عن هذا التوجه لأنه في صالح مكانة وهيبة لجنة المتابعة العليا.
وعقب التجمع الوطني الديمقراطي على التطورات بالقول: "إن موقف سويد والجبهة مُحيّر، لا هم يريدون الحل الوسط المطروح ولا يريدون مبدأ الانتخاب المباشر، إلى متى تبقى غالبية القوى السياسية رهينة للقالب القديم الذي يُعيق تطور العرب في الداخل إلى مجموعة قومية متماسكة تدير شؤونها الداخلية بنفسها".
كيف يمكن فهم تصريحات النائب د. حنا سويد، رئيس الكتلة البرلمانية للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة؟ هل تعبّر هذه فعلاً عن موقف شخصي فقط؟ أما أنّها تفسّر إستراتيجية الجبهة تجاه لجنة المتابعة العليا في فترة ما بعد شوقي خطيب؟
لقد شكّل انتخاب محمد زيدان لرئاسة لجنة المتابعة العليا نهاية حقبة ارتباطها العضوي باللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، وقد شهدت هذه الفترة الأخيرة، تعزيزًا لدور لجنة المتابعة في القضايا الوطنية وأنتجت وضوحًا أكثر في المواقف السياسية من قضايا الأسرى والحريات السياسية ويهودية الدولة، والتي يبدو تأثير التجمع والحركة الإسلامية عليهما واضحًا، وهذا الأمر كما يبدو بات يحرج الجبهة، لأن برنامجها السياسي، رغم التطور في الروح الوطنية لكوادرها، لا زال يعتمد على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
وهنا، لا بدّ من التذكير، أنّ الجبهة كانت الجهة السياسية الوحيدة التي لم توّقع قبل شهور على بيان "ثوابتنا الفلسطينية" الذي أجمعت عليها مركبات لجنة المتابعة. وجاء بيان "ثوابتنا الوطنية" في أعقاب كشف قناة "الجزيرة" عن وثائق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ويؤكد على الثوابت الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة ، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة وعاصمتها القدس، ورفض التبادل السكاني والتمسك بقضية أسرى الحرية.
لا شكّ أنّ القيادات في الجبهة والحزب الشيوعي باتوا يشعرون أنّ الأمور تفلت من بين أيديهم في لجنة المتابعة الحالية، حيث تراجعت هيمنة الجبهة، وتضاءل تأثيرها وفقدت الـ «فيتو» غير الرسمي الذي كانت تستحوذ عليه على قرارات لجنة المتابعة، ولم تعد قادرة على تمرير كل القرارات التي تتوافق مع رؤيتها.
ومن هنا يأتي الانقلاب في تعاطيها مع لجنة المتابعة ورئيسها، ومحاولاتها تعطيل مؤتمر لجنة المتابعة، وسعيها لإجراء تغيير يضمن سطوتها على قرارات اللجنة.
وتأتي التصريحات حول دور رؤساء السلطات المحلية المغيّب في سياق محاولات استعادة هذه الهيمنة المفقودة خاصة أن للجبهة تمثيل جيد في المجالس والبلديات. ويتأكّد هدف التصريحات عند ربطه مع اعتراض الجبهة على حجم تمثيلها في هيئات المتابعة، حيث ترى أنها تستحق تمثيلا أوسع، ومع أنها حصلت على أكبر تمثيل بين القوى السياسية المشاركة.
تصريحات سويد ليست شخصية كما ادعى، ربما هي ليست تعبير عن بيان سياسي رسمي للجبهة الديمقراطي أو موقف إجماعي داخلها، خصوصًا في ظل النقاشات الداخلية المحتدمة فيها، لكنها بدون شكّ تعبّر عن رغبة جبهوية في إعادة الهيمنة على لجنة المتابعة لإبقائها إطار تنسيق تحت كنفها.
خلاصة:
في ضوء ذلك كله، يبقى التحدي أمام القوى السياسية التي تحمل رؤية قومية-وطنية لموقع ومستقبل عرب الداخل، في كيفية المضيّ قدمًا في حملتها لتحقيق هذه الرؤية. وهو تحدٍّ لا يخص هذه القوى وحدها، بل يخُصّ كل عرب الداخل بغض النظر عن انتماءاتهم. إن مستجدات السياسة الاسرائيلية الخطيرة تجاه عرب الداخل، ومناخ الثورات العربية يطرح أمام هذا الجزء من الشعب الفلسطيني مهمة الإجابة على السؤال: كيف نبني أنفسنا؟
يُعيد عرب الداخل تنظيم أنفسهم على أساس قومي ويستثمرون كل قواهم وطاقاتهم وتجربتهم في بناء مستقبلهم.
التعليقات