بساتين الرمل في عكا تحت مطرقة الفقر وسندان التهجير

أم رشيد: هذه البقعة جنتي على الأرض، ولن أموت إلا في هذا المكان، وأملي أن يتاح لأبنائي البناء والعيش على أرض آبائهم

بساتين الرمل في عكا تحت مطرقة الفقر وسندان التهجير

لا زال حي بساتين الرمل 'بربور'، جنوب شرق مدينة عكا، و ككل أهالي عكا القديمة يئن بين شظف العيش والفقر وبين وطأة سياسة التضييق و التهجير التي يتعرضون لها.

أكثر من 400 مواطن ولدوا في هذا الحي، وهم متمسكون بحقهم التاريخي في هذا المكان، ويرفضون أي فكرة تعويضات بسكن بديل أو أموال أو تبديل لحملهم على ترك الحي، فقد باتوا جزءا حيا وثابتا من روح المكان، لا سيما وأنهم يقيمون في هذا الحي قبل قيام الدولة، ويحملون المستندات الثبوتية التي تؤكد أحقيتهم التاريخية. ويقولون 'نحن متمسكون بالمكان رغم كل شيء.

أشقر: هجر غالبية أقاربي عام 48 وأنا سأبقى راسخا هنا

عيسى أشقر ولد في حي بساتين الرمل، ويحمل في ذاكرته كل جميل بمرتع طفولته من لون البساتين ولون البحر وطعم الأمان وجمال مدينته عندما كانت تعج بالحياة.

وأكد تمسكه بحقه التاريخي على المكان، وقال: كابوس التهجير أصبح يراود كل مواطن عكي، لكننا في هذا الحي متمسكون به، ولن نتخلى عن المكان مهما كانت البدائل.

وأضاف أشقر أن 'مخطط التهجير هنا لا يتم بشكل مباشر بل بختلف الطرق والأساليب غير المباشرة، وهي الأكثر خبثا للتضييق علينا، بحيث يمنعون منا أي إضافة على مساكننا المتواضعة وحتى يمنعوننا ويغرموننا لمجرد أن نضيف بعض ألواح من الصفيح لنتقي البرد والمطر أو حر الصيف'.

 وتابع 'كانت لنا جلسة في المحكمة المركزية مؤخرا، حيث طالبت البلدية مؤخرا زوجة خالي الأرملة بدفع غرامة بمبلغ 27 ألف شيكل كضريبة مسقفات (أرنونا) رغم أن الغالبية تسكن في بيوت مسقوفة بالصفيح، ولا نتلقى من البلدية أي نوع من الخدمات، علما ان الكثيرين منا يعتاشون على المخصص الزهيد للتأمين الوطني، وهذه طرق وأساليب أخرى للتعجيز وتيئيسنا لحملنا على ترك المكان، لكن لدينا مستندات وملكية طابو على أرضنا رغم أن البعض كان قد ترك الحي في سنوات السبعينات، وشردوا في مختلف البلدات العربية مثل طمرة وكابول وجديدة والمكر. وقبلها هجر غالبية أهل الحي عام 48 إلى الشتات خارج البلاد. لكن نحن لن نتزحزح من هذا المكان مهما بلغت المضايقات والإغراءات ومحاولات الابتزاز'.

وأشار في هذا السياق إلى أنه كان قد عرض في السابق على والده بتبديل الأرض هنا بأرض'أموال متروكة' للاجئين في المكر إلا أن والده رفض بالمطلق أي نوع من المساومة.

واعتبرت وردة شمالي أن لا جريمة تفوق جريمة الاقتلاع. وتقول 'ولدت هنا وترعرعت بين البساتين، وفي أحضان هذا المكان بجماله وأمانه وألفة أهله، ولا زلنا نعيش حياة الطبيعة البسيطة مع مواشينا وزراعتنا البسيطة، ونعيش الألفة والمودة'.

 وأضافت 'سكنا فترة قصيرة في قرية المكر، لكن لاشيء يشبه عكا أو يعوض عن هذا المكان. هناك بعض الأقارب لا زالوا في المكر، لكنهم فقط يبيتون هناك، وكل أوقاتهم يقضونها في عكا. كما أن أبنائي يسكنون في المكر، لكنهم لا يتركون حي بساتين الرمل لأنه مسقط رأسهم وآبائهم وأجدادهم، وكذلك هم أحفادي يعودون من مدارسهم، ويأتون إلينا'.

وأنهت حديثها بالتأكيد 'نحن أصحاب حق، ولذلك فمعنوياتنا عاليا ولدينا نفس طويل رغم كل هذا الظلم الذي نتعرض له وجميع أهالي عكا التي هجر أكثر من نصف أهلها للقرى المجاورة، ولا تزال معاناتهم مستمرة، ولا يزال مسلسل التهويد والتضييق كابوسا يوميا يلاحقهم'.

أم رشيد: هذه البقعة جنتي على الأرض

وتقول أم رشيد، البالغة من العمر 74عاما إن 'هذه البقعة جنتي على الأرض، ولن أموت إلا في هذا المكان، وأملي أن يتاح لأبنائي البناء والعيش على أرض آبائهم'.
وأكدت على أنه في المكان قبل قيام الدولة ودوائرها.

وأشارت إلى أنه كان في الحي حتى بداية السبعينيات نحو 250 بيتا، إلا أنه بعد التضييق والملاحقة تم مساومتهم من خلال سمسار يهودي عراقي لينزحوا إلى عدد من قرى المنطقة.

وأضافت أنهم  واصلوا محاولة تهجير من تبقى من خلال جلبهم إلى المحاكم بزعم أنهم 'غزاة' لهذه الأرض. وعن ذلك تقول 'تسلحنا بمستندات الطابو التركي لإثبات ملكيتنا للمكان قبل قيام الدولة، وهكذا بقينا هنا. ونحن لا زلنا نحافظ على حميمية العلاقات وعلى نمط حياة تقليدي فيما بيننا، ولم يدخل الحي أي من الآفات او المظاهر الغريبة، لكنهم يلاحقوننا، ويمنعون منا إضافة أي شيء أو القيام بتحسين طفيف على بيوتنا البدائية أو تغريمنا ومنع الخدمات عنا، لكن رغم كل ذلك لن أجد أي مكان يضاهي بيتنا وحينا الذي عشت فيه 74 سنة مع كل أقاربي وأعزائي بنفس الحي حيث كنا عائلة واحدة متعاونة ومتحابة'.

اقرأ أيضا: الجليل: تنديد بإبعاد نواب التجمع ومطالبة بتحرير الجثامين

من جهته يقول الشاب مخلص موسى، وهو في العشرينات من عمره، إنه سعيد بتربية ورعاية أغنامه في المكان.

ويقول موسي 'لن اترك المكان فأنا مرتبط به بما لا يقل ارتباط الجيل السابق، ويكفي أنني أشعر بأن هذا إرث والدي، وعلينا الحفاظ عليه. هم لم يفرطوا بالمكان ونحن بدورنا لن نتنازل عن حقنا بالعيش على أرضنا رغم كل المصاعب في حي فقير كهذا، لكنه جميل بموقعه وهو أمانة وجميعنا هنا نعيش كعائلة واحدة ولن نقبل عن أي بديل عن أرضنا وحقنا الطبيعي'.

التعليقات