جرائم قتل مكدسة: ملفات أغلقت ضد مجهول!

سقط 1124 قتيلا على خلفية جنائية في المجتمع العربي منذ عام 2000، و23 قتيلا منذ مطلع العام الجاري 2016، وآلاف الجرحى والمصابين، والأعداد آخذة بالازدياد

جرائم قتل مكدسة: ملفات أغلقت ضد مجهول!

في العام 2012، وكعادته في المساء، كان ابن مدينة كفر قاسم، الأسير المحرر عادل عيسى (50 عاما)، يمارس حياته الطبيعية ويتجهز لمشاهدة مباراة كرة قدم عند أحد الأقارب، حينذاك اقترب منه مجرمون ملثمون وأطلقوا عليه رصاصات الغدر والقتل من مسافة صفر.

وكعادتها، حضرت الشرطة وجمعت الأدلة واستدعت مشتبهين للتحقيق واعتقلت بعضهم، غير أنه بعد مرور فترة قصيرة أغلق الملف بادعاء ضعف الأدلة.

حال هذا الملف كحال مئات ملفات القتل والإجرام التي أغلقت، بداعي ضعف الأدلة ولا زالت على الرفوف أو في أدراج غرف التحقيق تنتظر من ينفض الغبار عنها يوماً ما ليعاقب القاتل ويردع غيره ممن تسول له نفسه سلب حياة الآخرين.

قتلة ضحايا جرائم القتل لا زالوا طلقاء ولم ينالوا العقاب الذي يستحقونه، فيما قلوب الأمهات والأزواج والأيتام تكوى بنار اللوعة والحزن والألم بسبب فقدان الأعزاء، وقد تحولت حياتهم إلى جحيم.

سقط 1124 قتيلا على خلفية جنائية في المجتمع العربي منذ عام 2000، و23 قتيلا منذ مطلع العام الجاري 2016، وآلاف الجرحى والمصابين، والأعداد آخذة بالازدياد، في ظل تفشي العنف والجريمة، المتغذية من تقاعس السلطات المسؤولة حيال كل ما يتعلق بمكافحة الجريمة وسهولة الحصول على السلاح الذي يزهق أرواحا بريئة، في حين تغلق الشرطة ملفات جرائم القتل دون حل رموزها ومقاضاة المجرمين، فقد سبق وأن خرجت الحشود إلى الشوارع للتظاهر ضد مؤسسات الدولة التي تتقاعس مع المجرمين ولا تضرب بيد من حديد كما في المجتمع اليهودي.

لم تترك الجريمة مكانا في المجتمع العربي إلا وانتهكت حرمته، أزهقت أرواحا بريئة ويتمت أطفالا وأرملت نساء، دون رحمة. 

المرحوم عادل عيسى

10% من الملفات فكت رموزها!

الشرطة ومنذ عشرات السنين ترفض الكشف عن معطيات الملفات ومجرياتها في التحقيق ونسبة فك رموزها في المجتمع العربي مقارنة مع عددها، ففي نهاية السنة الماضية كشفت الشرطة معطيات الملفات وفك رموزها بعد أن تقدمت وسيلة إعلام إسرائيلية بطلب للقضاء استنادا إلى قانون 'منح المعلومات' لإجبار الشرطة على كشف المعطيات، وقد تبين في المعطيات أنه منذ سنة 1948 فُتح 6502 ملف قتل على خلفية جنائية، وحتى يومنا هذا تبقى للشرطة 576 ملفا لم تُفك رموزها بعد، بحسب الشرطة.

هذه المعطيات لم توضح إن كانت تشمل المجتمع العربي، إذ أن الإحصائيات على أرض الواقع معاكسة تماماً، فالشرطة منذ عام 2000 لم تفُك رموز ما يتعدى نسبة 10% من ملفات القتل الجنائية في المجتمع العربي، أي بمعنى آخر أنه منذ سنة 2000 لم يكشف النقاب عن أكثر من 900 ملف جريمة قتل ولم يعرف القاتل ليقدم للقضاء.

كفر قاسم: من ولماذا قتل الأسير المحرر عادل عيسى؟

مرسي عيسى شقيق الأسير المحرر المغدور، عادل عيسى، الذي قضى 18 عاما في السجون الإسرائيلية على قضايا وطنية، قتل في سنة 2012 بعد أن أطلق الرصاص عليه مجرم في أحد أزقة مدينة كفر قاسم، قال لـ'عرب 48' إن 'أخي عادل كان الأقرب علي، كنت  على علم بكل ما يدور في حياته وكان يخبرني بكل شيء، لم يكن لديه أعداء بل كان محبوبا ومعروفا في جميع أنحاء البلاد بالداخل وفي الضفة وغزة من خلال علاقاته مع الأسرى في السجون'.

وأضاف أن 'عادل سجن في سنة 1981 وخرج سنة 1999 في اتفاقية تبادل الأسرى، ثم تزوج وكان أبا لولدين، عمل في بلدية كفر قاسم منذ خروجه وحتى يوم وفاته، كانت السلطة الإسرائيلية وجهاز المخابرات يلاحقونه حتى بعد خروجه، نظرا للفعاليات الكثيرة التي كان يقيمها'.

وأردف أنه 'في ساعات ما قبل المساء قبل جريمة قتله تكلمت معه لآخر مرة، وقال إنه سوف يذهب إلى أقرباء لمشاهدة مباراة كرة قدم، وبعد فترة قصيرة تلقيت الخبر المفجع من أحد الأقرباء، قال إن عادل قد أصيب بإطلاق نار، وقع الخبر كالصاعقة علي وعلى العائلة، تقتلني الأسئلة حول هوية القاتل ولماذا قتل أسيرا محررا ضحى بسني عمره من أجل الوطن، من له يد في ذلك، ولماذا وعلى ماذا؟ هذه الأسئلة لا زالت دون أجوبة وهي عالقة حتى الآن'. 

هيثم حاج يحيى

وحول تحقيقات الشرطة، قال إنه 'بعد الجريمة توجهنا عدة مرات للشرطة، حققوا معنا واعتقلوا بعض المشتبهين، إلا أنه بعد فترة بدأوا بإغلاق الملف تدريجيا، وبعد مرور عدة أشهر لم تعلن الشرطة اعتقال أي مشتبه واستمر هذا الأمر حتى هذه اللحظة. لمسنا أن الشرطة تعاملت مع الملف باستهتار حتى جرى إغلاقه بسبب انعدام الأدلة. وهذا الأمر يزيد الجريمة بشاعة، قاتل أخي يمارس حياته الطبيعية في ظل تخاذل الشرطة بدلا من أن يكون وراء القضبان مدى الحياة'.

الطيبة: 'الشرطة غير معنية باعتقال المجرمين'

'حتى الصور الوحيدة للمرحوم أخذوها بحجة التحقيق ولم يرجعوها بعد أن توجهت لهم عدة مرات'، تحدثت بنبرة هادئة وحزينة مها حاج يحيى، والدة المرحوم هيثم حاج يحيى، الذي لقي مصرعه هو والشاب محمد حاج يحيى في عام 2010 بينما كانا يستقلان سيارة خصوصية يقودها المرحوم محمد حاج يحيى، حيث أقدم مجرمون في حينه نحوهم على مفرق 24 الجنوبي في مدينة الطيبة وأطلقوا النار عليهما من مسافة صفر ما أدى إلى مصرعهم على الفور.

وقالت الوالدة الثاكل، لـ'عرب 48'، إن 'ابني هيثم كان البكر بين أولادي، كان سند البيت بعد أن توفى والده، كان يعانقني كل يوم، كان أحن شخص في الكون، ذهب بلحظة شيطانية حين قرر مجرم أن يقطف روحه الطاهرة دون أن يستأذنني، حتى الآن دمعتي لم تجف لحزني عليه'.

وأضافت أن 'الشرطة عملت فترة قصيرة جدا، كان يأتي المحققون إلى البيت وأحيانا يستدعوننا وقد أخذوا بعض مستلزماته، من ضمنهم الصور الشخصية، وحتى الآن لم يرجعوها، ومن ثم اختفوا ولم يعودوا. لم نسأل ولم نلاحق لنعرف ما الذي جرى بالملف لأننا كنا على علم أن الشرطة غير معنية باعتقال المجرمين. لم نلمس جدية من قبل الشرطة في تعاملها مع الملف، ولنا تجارب كثيرة في الطيبة تجعلنا نفقد الثقة بالشرطة، وبرأيي وجب على المسؤولين العرب، أن يقفوا وقفة واحدة من أجل وضع حد أولاً لجرائم القتل، ومن جهة ثانية أن يتابعوا عمل الشرطة في كل ما يتعلق بالتحقيقات واعتقال القتلة المجرمين'. 

واختتمت حديثها، بدمعة اشتياق لفلذة كبدها، حيث قالت إنه 'في حينه عندما قتل أبني تمنيت أن يكون ضحية جرائم القتل الأخيرة، لكن للأسف في مجتمعنا العربي تقريبا في كل أسبوع تثكل أم ابنها، عندما أسمع عن جريمة قتل أتذكر ابني، وأدعو لأم الضحية الجديدة بأن يصبرها الله على ما ستتلوع وتتحسر على أغلى ما في الوجود'.

صهيب فريج

عزاء بدل الزفاف  

وقال محمد فريج، والد الضحية صهيب فريج من كفر قاسم، لـ'عرب 48'، إنه 'منذ وقوع جريمة قتل ابني ونحن نعيش بحالة من الألم والحزن، نواجه أسئلة حارقة حول سبب مقتل ابني وماذا فعل كي يطلقوا عليه النارويقتلوه؟، لكن مع الأسف الشديد لم أجد أي إجابة حتى الآن. ابني صهيب كان إنسانا مؤدبا وعلاقته طيبة مع كل الناس، لم يفكر في يوم من الأيام أن يؤذي أي إنسان، بل على العكس تماما كان يساعد الناس، وها نحن فقدناه بلحظة ونشتاق له حيث كان يملأ البيت فرحة'.

وأضاف أنه 'كنا نتمنى أن نحتفل بزفاف ابننا، فقد كان يقوم بتحضيرات واسعة لزفافه، وكان يقول لنا “أريد أن يشارك بحفل زفافي جميع أبناء بلدتي الحبيبة”، لكن مع الأسف الشديد بدلا من الاحتفال بزفافه فجعنا بمقتله'. 

اقرأ/ي أيضًا| جرائم القتل والعنف في مجتمعنا العربي إلى أين؟

وأكد أنه يتابع القضية حتى الآن، 'في البداية اعتقلت الشرطة مشتبهين وافتعلت ضجة، لكن تبين أن هذا كله من أجل إسكات الرأي العام الذي كان آنذاك غاضبا من هذه الجريمة النكراء، وها نحن ننتظر أن يعتقل القاتل، لكن لا جدوى على ما يبدو مع هذه الشرطة'.

التعليقات