رمية: أوامر إخلاء منازل بهدف الاقتلاع والتهجير

يواصل سكان قرية رمية، مسلوبة الاعتراف، في الجليل والتي تحاصرها مدينة كرمئيل من جهاتها الأربع بفيلاتها وأبراجها السكنية التي يسكنها عدد من المهاجرين اليهود من أصل روسي وأثيوبي،

رمية: أوامر إخلاء منازل بهدف الاقتلاع والتهجير

رمية مهددة بالإخلاء والترحيل

يواصل سكان قرية رمية، مسلوبة الاعتراف، في الجليل والتي تحاصرها مدينة كرمئيل من جهاتها الأربع بفيلاتها وأبراجها السكنية التي يسكنها عدد من المهاجرين اليهود من أصل روسي وأثيوبي، نضالهم منذ عشرات السنين في معركة الصمود والبقاء أمام مخطط التهجير الإسرائيلي ومسلسل الملاحقة المتواصل بأساليب الترغيب والترهيب لحملهم على ترك المكان.

رميّة، قريةٌ عربية فلسطينيَّة في الجليل، أُقِيْمَت قبل قيام دولة إسرائيل، وفي ستينات القرن الماضي أقيمت بجوارها مدينة كرميئيل ضمن مخطط تهويد الجليل على حِسَابِ أرَاضِيها وأراضي قرى الشاغور الأخرى، البعنة، دير الأسد، مجد الكروم ونحف، ومنذ ذلك الحين بدأت المُؤسَّسَاتِ الإسرائيليَّةِ وَبلدية كرميئيل تنفذ سياساتها المستفزة للتضييقِ على أهالي رميّة وتهجيرهِم من أرض الآباء والأجداد.

حاصرت كرمئيل رميّة على مدار العقود الماضيةِ لتحولها إلى حي صغير مهمل بفعل سياسة التمييز والعنصرية، حي يقطنه 163 نفرا من عشيرة السواعد في منازل غالبيتها عبارة عن براكيات مصنوعة من الصفيح والزنك لا تقي حَرَّ الصيف ولا برد الشتاء، في ظل عدم توفير أبسط متطلبات الحياة كالكهرباء والشوارع والمرافق العامة وغيرها، إلى جانب منع الأهل من البناء أو ترميم بيوتهم وعدم وجود ولو غرفة تعليمية واحدة لأطفال رميّة، فيما تنعم بنايات كرمئيل الشاهقة التي تخنق رميّة بجَميعِ مُتطلبات الحَياة العصرية.

في عام 1976 أصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر بمصادرة أراضي رميّة بادعاء الحجة الممجوجة 'التنمية لأغراض الجمهور' أي لـ'المصلحة العامّة'، كانت رميّة آنذاك تقع خارج نفوذ المنطقة السكنية التي سيطرت عليها كرمئيل، غير أنه بدا واضحا أن الهدف الحقيقي من وراء تلك المصادرة لم يكن خدمة أهالي المنطقة العرب بل تهجيرهم وعزلهم في 'جيتوات' الفقر والضيق والبؤس، والسيطرة على أراضيهم لمصلحة اليهود وخاصةالمهاجرين اليهود من روسيا وأثيوبيا فقط.

حلول هزيلة لا توفر الحلول للأجيال الصاعدة

استعرض الناشط في اللجنة المحلية في رمية، صالح سواعد 'أبو نزيه'، معاناة السكان التاريخية، والذين يعيشون حالة تهديد متواصل انعكست على مجمل حياة السكان إلى حد الإعياء والتعب.

وقال سواعد، لـ'عرب 48'، إن 'الجديد في الأمر هو قرار الترحيل النهائي بعد أربعين سنة من هذه المعركة، حيث كنا قد توجهنا للمحكمة العليا أواخر العام الماضي 2015 بعد أن اعتبرت المحكمة المركزية أن ما يسمى بـ'دائرة الأراضي' أخلت بالاتفاق حول زيادة قسائم البناء المعدة للبناء لأهالي رمية إلا أن 'دائرة الأراضي' قدمت اعتراضا آخر وطالبت بإخلاء السكان من رمية. ونحن بدورنا توجهنا لنفس المحكمة وقدمنا احتجاجا على طريقة توزيع قسائم البناء على السكان، لكن صدر قرار المحكمة ولم يكن في صالحنا، وبعد توجهنا للعليا في شهر تشرين ثان/ نوفمبر من العام الماضي رفضت المحكمة الاستماع لنا وأصدرت قرارا يلزمنا بالتوجه إلى 'دائرة الأراضي' والتوقيع على الموافقة بإخلاء منازلنا'.

وأضاف أنه 'بعد هذا القرار دخلنا في مفاوضات مع 'دائرة الأراضي' حيث جرى تأجيل تنفيذ القرار لخمسة أشهر، وبعد تفكير عميق توجهنا لهم، وقلنا لهم نحن موافقون على الإخلاء والانتقال للبناء في الحي الذي خصص لنا فيه 30 قسيمة بناء في كرمئيل ولا نريد تحقير قرار المحكمة، لكننا طالبنا أن تخصّص قسائم بناء للشباب فوق الـ18عاما لأنهم مطالبون بالتوقيع هم أيضا على أوامر الإخلاء ويجب توفير قسائم أرض لهم'.

وتساءل سواعد: 'لماذا يوقّع الشباب على إخلاء منازلهم دون ضمان قسائم أرض لهم؟ نحن نشترط توقيع الشباب بتوفير قسائم بناء لهم. تقدمنا للمحكمة المركزية بهذا الشأن يوم 23 من الشهر الجاري وقلنا أنه لا يوجد قرار محكمة ضد الشباب حيث أصدرت المحكمة قرارا بعدم تنفيذ الإخلاء الى حين عقد جلسة أخرى بهذا الشأن لم يحدد موعدها بعد'.

القيادات والاتفاقية الهزيلة

وعاد سواعد مستذكرا سوء إدارة المعركة في السابق والخسارة الفادحة التي تسببت بها الاتفاقية الهزيلة الموقعة، مؤكدا لـ'عرب 48' أن 'الأهالي علموا بقرار المصادرة في العام 1970 وبعد أن اتخذ قرار بتوسعة مدينة كرمئيل في بداية التسعينات صدرت أوامر الإخلاء وخضنا المعركة الشعبية والقانونية، وبعد ذلك توجهنا للمحكمة العليا وأكدنا أن المصادرة تمت دون علم السكان وأصدرت المحكمة قرارا بمنح 'دائرة الأراضي' فرصة للجلوس مع السكان وحل القضية، إلا أنه وللأسف كانت اللجنة المفاوضة التي فاوضت لمدة خمس سنوات غير مؤهلة، وكان بضمنها النائب السابق عبد الوهاب دراوشة ونواب وبعض ورؤساء سلطات محلية، حيث أبرم اتفاق بين الطرفين بأن يتم مقابل إخلاء السكان منحهم 30 قسيمة بناء في كرمئيل و15 دونما زراعيا من أصل 600 دونم تعود لأهالي رمية، وجرى توقيع الاتفاق، وأذكر تصريح دراوشة بالقول إنه 'استطعنا أن نحل قضية رمية على أفضل وجه'!! وبعد قرابة 10 سنوات جرى تنفيذ الاتفاق بين بلدية كرمئيل و'دائرة الأراضي' على 8 قسائم حيث أن ما تبقى من الـ30 قسيمة لا توفر حدا أدنى من احتياجات السكان، وما تبقى من قسائم لا زالت فارغة، ونحن مصممون على حل يضمن قسائم أرض لأبنائنا، ولا أقول إنه حل عادل لأنه لا عدل في هذه القضية، لكن نريد تحصيل أكثر ما يمكن من أجل أبنائنا'.

رفض كل الاقتراحات

واعتبر سواعد أن المعركة لا تزال متواصلة، وأوضح لـ'عرب 48' أنه 'تلقينا إشعارات من دائرة الإجراء بإخلاء منازلنا خلال 30 يوما، وفرضت علينا غرامات مالية، هذا الأسبوع، لكننا الآن نعمل مع طاقم يضم مهنيين ومخططين ومحامين، اقترحنا من خلالهم ثلاثة اقتراحات منها نقلنا إلى الجهة الشرقية أو الغربية القريبة في رمية أو أن نبقى في نفس المكان، والاقتراح الثالث ما يسمى بمشروع 'ابن بيتك بنفسك' على أراضي رمية، إلا أنهم رفضوا كل الاقتراحات'.

وأكد أن 'طاقم التفاوض يواصل الضغط على المسؤولين، ونحن نحاول أن نستغل الوقت ونحضّر موادا للاعتراض خاصة وأن 8 عائلات فقط صدر بحقها أوامر إخلاء في حين أن الباقين جميعهم قدموا اعتراضات'.

وحول البعد الإنساني في القضية، قال سواعد إن 'الجريمة الكبرى أن يكون أقصى حلمك أن تسكن أنت وأسرتك تحت سقف واحد، هذه إجراءات عنصرية تعسفية من الدرجة الأولى في العالم وهي تندرج ضمن صراع الوجود والبقاء، ناهيك عن أنهم ألقوا الكرة في ملعبنا لإثارة الخلاف بين الأهالي، لكن نحن مصممون على مطالبنا ذات البعد الإستراتيجي لتوفير الإمكانيات والسكن الإنساني لأبنائنا، فالأجيال المصابة باليأس هم أمانة بأعناقنا، وسنقارعهم بحقنا المشروع'.

يذكر أنه سيعقد اليوم، الأحد، اجتماع مع الطاقم المهني للتباحث بالخطوات القضائية اللاحقة والتفاوض، ومواصلة الحراك الشعبي.

معاناة ومستقبل الشباب

وأكد الشابان يوسف ومصطفى سواعد، أحدهما متزوج ويسكن في منزل مصنوع من الصفيح، والآخر طالب جامعي مقبل على الزواج ويسكن في منزل العائلة، على المعاناة في ظل مساكن بدائية وضيق المكان.

وقالا لـ'عرب 48' إن 'الشباب يطمحون للسكن في مساكن عصرية، ونحن نحلم أن نواصل حياتنا كما الآخرين'.

وقالت الوالدة 'أم الخير' لـ'عرب 48': 'تمكنا من تعليم أبنائنا الثمانية بمراتب علمية ممتازة، لكن قضية السكن تبقى الكابوس الذي يلاحقك لأننا كأهل كنا نطمح بتعليم أبنائنا وتأهيلهم في منازل مناسبة كما كل البشر. لا يعقل أن تستمر هذه المعاناة منذ 40 سنة دون حلول، وأنا في هذا السن انتظر بفارغ الصبر لأرى أبنائي في حالة استقرار دون هذه المعاناة والقلق'.

التعليقات