عقلية الحكم العسكري

عقلية ووعي الحكم العسكري لا يزال يحكم تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع الفلسطينيين في إسرائيل، كما ذكرنا سابقا، مثل تقريبها للقيادة غير المسيسة وإقصاء ونزع شرعية القيادة الوطنية المسيسة، رفض الأحزاب وتفضيل قوائم مستقلين، تقسيم العرب

عقلية الحكم العسكري

أم الفحم تحت الحكم العسكري

د. مهند مصطفى

يعتبر الحكم العسكري مرحلة هامة في تاريخ الفلسطينيين في إسرائيل، فقد انعكست هذه الفترة على السلوك والوعي السياسيين حتى اليوم. فيمكن لنا ملاحظة الكثير من السلوكيات والوعي لدى قطاعات معينة من الفلسطينيين موروثة عن الحكم العسكري، فقد ترك الحكم العسكري أثرا على الوعي رغم أن السلوك قد تجاوزه في بعض الأحيان. ورغم أن هناك سياسات قمعية ميزت الحكم العسكري تغيرت على مر السنين، إلا أن الوعي الذي نتج عنها عن المستعمر والواقع تحت الاستعمار على حد سواء لا تزال قائمة.

على مستوى المستعمر، فإنه لا يزال يتعامل مع الفلسطينيين بعقلية الحكم العسكري، حيث لا بد من الانتباه إلى أن الحكم العسكري كإطار لإدارة شؤون الفلسطينيين في إسرائيل سهّل على المستعمر السيطرة على الفلسطينيين. لاحظ/ي أن الخطاب الإسرائيلي اليوم ما زال متأثرا بأسلوب المستعمرين في فترة الحكم العسكري، مثلا التعامل مع احتياجات الفلسطينيين من وموارد وميزانيات كعطايا من السيد إلى رعيته وليس كحقوق مدنية. مثال آخر على استمرار تعامل إسرائيل من الفلسطينيين بعقلية موروثة عن الحكم العسكري، وهي تقسيم القيادة السياسية العربية إلى محلية معتدلة وإلى وطنية سياسية متطرفة، ولا تزال القيادة الإسرائيلية دون استثناء تميز بين القيادة التي تسميها محلية وبين القيادة السياسية، وهي عقلية استعمارية موروثة عن الحكم العسكري.

إذًا، فإسرائيل لم تتخلى على مستوى الخطاب على الأقل (ناهيك عن الكثير من الممارسات) عن عقلية الحاكم العسكري الذي ورثته في فترة الحكم العسكري. وفي هذا الحالة، فإن الوعي والعقلية أهم من الممارسة.

أما على مستوى الفلسطينيين في إسرائيل، فقد ترك الحكم العسكري آثارا ترسبت في الوعي لدى قطاعات من الفلسطينيين في إسرائيل تتمثل في أسطرة الرقابة الإسرائيلية، والخوف أو العزوف عن العمل السياسي خشية تأثيره على الأمن المعيشي، وهذا الربط الذي يقوم به الفلسطيني بين أمنه المعيشي وبين المشاركة في العمل الجماهيري لا سيما السياسي هو من ترسبات الحكم العسكري على الوعي والسلوك، ولكن الأهم على الوعي، إذ ربط الحكم العسكري بين إخلاص الفلسطيني الذي يتمثل في الحد الأدنى بالعزوف عن المشاركة أو التضامن أو التأييد للعمل السياسي والوطني، وبين أمنه المعيشي، مع الإشارة إلى أن جهاز الأمن العام ظل يتدخل في جهاز التعليم العربي حتى بعد انتهاء الحكم العسكري.

ساهم الحكم العسكري في ضرب التطور الطبيعي للفلسطينيين في إسرائيل على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، أو إمكانية نهضتهم بعد النكبة، فقد لعب الحكم العسكري دور التنكيل بالضحية. بعد النكبة خرج الفلسطينيون مثخنون بالجراح، وجاء الحكم العسكري لمنع الضحية من مداواة جراحها، لذلك فإن الفلسطينيين لم يتمكنوا من البدء في بناء مؤسساتهم الوطنية وتعزيز هويتهم الفلسطينية إلا في السبعينات، عندما انتهى الحكم العسكري، وذلك على الرغم من أن الكثير من الممارسات استمرت بعد زوال الحكم العسكري قانونيا ورسميا.

الكثير من الممارسات الإسرائيلية اليوم تذكرنا بالحكم العسكري وأهمها قوانين الطوارئ التي تستعملها إسرائيل ضد العمل السياسي والنضالي الفلسطيني في إسرائيل، حيث شكلت قوانين الطوارئ الأساس القانوني للحكم العسكري، وهي لا تزال حاضرة وتستعملها إسرائيل في التعامل مع الفلسطينيين حتى اليوم.

اقرأ/ي أيضًا | قراءة في تشكّل الهويّات الرجولية في ظل الحكم العسكري

المهم أن عقلية ووعي الحكم العسكري لا يزال يحكم تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع الفلسطينيين في إسرائيل، كما ذكرنا سابقا، مثل تقريبها للقيادة غير المسيسة وإقصاء ونزع شرعية القيادة الوطنية المسيسة، رفض الأحزاب وتفضيل قوائم مستقلين، تقسيم العرب إلى متطرفين ومعتدلين، التعامل مع الحقوق كعطايا ومنايا وغيرها. كل ذلك من تأثيرات الحكم العسكري على وعي المؤسسة الإسرائيلية التي لا تزال قائمة حتى اليوم.

التعليقات