يستقيم الإضراب بملء الشوارع الغضاب بالمظاهرات

نلاحظ أن استعمال مصطلح "قواتنا"، في الإشارة إلى قوات الهدم والشرطة، و"عربيا" في الإشارة إلى هوية البيوت، تضع الأمور في نصابها "الصحيح".

يستقيم الإضراب بملء الشوارع الغضاب بالمظاهرات

من لم يكفه منظر الجرافات وهي تدمر 11 بيتا في قلنسوة لاكتشاف أن إسرائيل تتعامل معنا كعدو، كان عليه أن يقرأ المنشور الذي كتبه رئيس حكومتها على صفحته في موقع 'فيسبوك' خلال تنفيذ عملية الهدم.

المنشور الذي صيغ على شاكلة 'بيان رقم 1' وزف للإسرائيليين بشرى تحقيق 'إنجاز عسكري' كبير، إذ استخدم نتنياهو صورة لعنوان من موقع يميني ليعلن أن 'قواتنا تعمل حاليا على هدم 12 بيتا عربيا غير قانوني في قلنسوة'.

ونلاحظ أن استعمال مصطلح 'قواتنا'، في الإشارة إلى قوات الهدم والشرطة، و'عربيا' في الإشارة إلى هوية البيوت، تضع الأمور في نصابها 'الصحيح'.

'قواتنا'، نحن الإسرائيليين، التي تقصف وتضرب العرب في لبنان وغزة والضفة، هي نفسها تعمل الآن على تدمير بيوت العرب في قلنسوة، القوات هي نفس القوات والعرب هم العرب، كانوا في القطاع أو جنوب لبنان أو المثلث.

إذًا هي حرب يقودها نتنياهو ضد العرب في إسرائيل، لا تشكل عملية هدم البيوت في قلنسوة سوى الطلقة الأولى فيها وليس سياسة الهدم سوى حلقة في سلسلتها التي تمتد إلى ساحات ومجالات أخرى، منها ضرب ومحاصرة العمل السياسي، وهو مسار ابتدأ بإخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون ويتواصل بالملاحقات المتتابعة ضد التجمع.

حرب أعلن عنها نتنياهو رسميا عقب عملية نشأت ملحم في تل أبيب، عندما اتهم العرب في إسرائيل بأنهم يبنون 'دولة داخل الدولة'، وأشار إلى مسارين لـ'تفكيك هذه الدولة'، الأول، يتمثل بتطبيق سياسة هدم البيوت 'غير المرخصة دون رحمة'، والثاني، يتمثل بحضور الدولة (إسرائيل) في قلب المدن والقرى العربية، من خلال إقامة محطات شرطة لتعزيز السيادة في هذه المناطق.

ورغم مرور أشهر طويلة على إعلان نتنياهو المذكور، الذي أعقبته خطط عملية لتنفيذ سياسة هدم البيوت، لم يجر أي تحرك جماعي من قبلنا لمواجهة هذا المخطط، أو الاستعداد لهذه الحرب، إذا صح التعبير، وتفاجأنا كالعادة بعملية الهدم واسعة النطاق في قلنسوة، وما كان أمام القيادة سوى ورقة الإضراب، فألقتها كما هو متبع بصفتها الرد الصحيح على عملية غير مسبوقة، من حيث كمية البيوت التي هدمت وكونها مؤشر لما هو آت من عمليات قادمة تندرج في إطار مخطط معلن عنه مسبقا وجرى الإعداد والتحضير له من قبل منفذيه.

صحيح أن القيادة التي أعلنت الاضراب كانت تغامر بحرق هذه الورقة، خاصة أنها تقوم باستعمالها للمرة الثانية أو الثالثة دون تعزيزها بأوراق لعب أخرى، فالإضراب، كما هو معروف، يحتاج إلى التجنيد والتحريض والتحشيد وخلق حالة جماهيرية لإنجاحه واستثمار فاعليته، ولذلك يجب أن يترافق قرار الإضراب بالوقفات على جنبات الشوارع والمظاهرات والمسيرات التي تملأ الشوارع، وطبعا يفترض أن يتم ذلك بنشاط وهمة ناشطين حزبيين ووطنيين 'يحرثون الأرض' ولا 'ينامون الليل' وهذا كله غير موجود، كما هو معلوم بسبب أزمة الأحزاب والعمل السياسي التي لن نخوض في أسبابها هنا.

إن إعلان الإضراب من باب كفى المؤمنين شر القتال، ليس أنه لا يعطي المردود المطلوب منه فقط، بل قد يأتي بنتائج عكسية علينا وعلى هذا الأسلوب النضالي الراقي، نتائج تعزز النهج الذي سعى دائما إلى تسفيه وتسخيف هذا النوع من النضال على حساب الانبطاح على عتبات السلطة وخلط الأوراق.

بالمقابل يجب توجيه النقد للنهج الذي حاول، وما زال، إيهام الناس أنه يستطيع تحقيق الإنجازات بالعمل أمام المؤسسات والوزارات ومن خلال لجان الكنيست، وبالتالي 'لا طالوا تمر اليمن ولا بلح الشام'. هذا النهج يتحمل أيضا المسؤولية في تسخيف أدوات العمل الجماهيري.

المظاهرة والمنشور والإضراب هي أدوات اجترحتها الجماعات والشعوب عبر مسيرة نضالها ولا تسقط بالتقادم، ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا أنها أولا وأخيرا أشكال نضالية تتطلب الكثير من روح المبادرة، وتحتاج إلى الاستعداد والتفاني فهي ليست خطاب في الكنيست نلقيه ونذهب للنوم، ولا نحاول هنا التقليل من أهمية الخطاب في الكنيست ولا من العمل أمام الوزارات والمؤسسات، بل ندعو لتكامل هذه الوسائل مع مراعاة ترتيبها في السلم النضالي لنكون قادرين بواسطتها التصدي لمخطط الهدم والصمود في الحرب التي أعلنها علينا نتنياهو.

التعليقات