الإضراب كآلية نضالية: هل يوصل الرسالة؟

"الأهم أننا كشعبٍ علينا ألا نقيس أي عمل نضالي احتجاجي بمنظور اقتصادي صرف، فالضرر الاقتصادي القليل من الإضراب يمكن أن يوفر أثمانا أعلى بكثير في المستقبل إذا لم نقف ونتصدى للسياسات العنصريّة الحاليّة"

الإضراب كآلية نضالية: هل يوصل الرسالة؟

من الإضراب العام

مع إعلان الإضراب العام في الداخل الفلسطيني غداة قيام السلطات الإسرائيلية بجريمة هدم المنازل في مدينة قلنسوة في المثلث، تصاعد النقاش حول جدوى الإضراب، وما إذا كان يخدم هدف التصدي لسياسة الهدم، ويحقق النتائج المرجو تحقيقها.

وفي غمرة النقاش الدائر حول جدوى الإضراب، ارتفعت بعض الأصوات المشككة بجدوى الإضراب من موقع الرفض لأي شكل نضالي، مستغلةً مظلة النقاش المشروع بشأن اتباع آلية الإضراب، والداعي إلى تطوير الوسائل النضالية.

د. إمطانس شحادة

وفي هذا السياق قال الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي د. إمطانس شحادة، لـ"عرب 48" إنه طوال الوقت كان هناك نقاش حول قرار الإضراب وأثمانه الاقتصادية والرسائل التي يرسلها للمؤسسة الحاكمة، وهو نقاش شرعي وضروري لتحسين الأداء وتطوير النضال، شرط أن يكون نابعًا من منطلقات وطنيّة، ويهدف لخدمة مصالح المجتمع العربي.

وبحسبه فإن الإضراب ليس هدفًا إنما وسيلة، وأنه وسيلة جيّدة لإيصال الرسائل للحكومة ونقل موقف المجتمع العربي مفاده 'أننا نرفض السياسات الممنهجة تجاهنا، ونرفض سياسة هدم البيوت'.

ويضيف أنّ 'الإضراب ينجح في إيصال الرسالة عندما يلتزم به المجتمع، وهذا مهم. وهي رسالة داخلية تؤكّد أنّنا مجتمع متماسك موحّد ويقف وراء قرارات القيادة، وهي رسالة للمؤسسة. أما الإضراب فهو مفيد للتحشيد والتجنيد وتفسير الحالة السياسيّة ورفع الوعي. وقد لا يُلحق الإضراب ثمنًا جديًا للاقتصاد الإسرائيلي، لكنه يوصل رسالة سياسية قويّة، وبإمكان المجتمع والاقتصاد العربي أن يتحمّل ثمن يوم إضراب، وهذه ليست نهاية العالم، فهو ثمن مقبول مقابل أدوات نضاليّة أخرى سلمية وحضاريّة. ويمكن تعويض الأضرار الاقتصادية القليلة التي قد تلحق بالاقتصاد العربي. والأهم أننا كشعبٍ علينا ألا نقيس أي عمل نضالي احتجاجي بمنظور اقتصادي صرف، فالضرر الاقتصادي القليل من الإضراب يمكن أن يوفر أثمانا أعلى بكثير في المستقبل إذا لم نقف ونتصدى للسياسات العنصريّة الحاليّة، في ظل التمييز والعنصرية والسياسة التعسفية تجاه العرب، وإذا ما تفاقمت وتوسعت فسوف تلحق بالضرورة خسائر وأثمان أكبر في المستقبل، هكذا يجب أن نقيس الأمور'.

علاء حليحل

ويقول الكاتب علاء حليحل الذي انتقد مسارعة المتابعة لإعلان الإضراب دون رفده بخطوات نضالية خلاقة توصل رسالة الإضراب، إنه علينا أن نذكر دائمًا أنّ الإضراب وسيلة وليس هدفًا، مثله مثل باقي وسائل النضال والاحتجاج، وعندما تعجز الأداة عن تحقيق المرجو منها، أو كان أثرها ضعيفا، فيجب التفكير في جدوى الأداء والبحث عن أدوات أخرى، هذا لا يعني وقف النضال، بل يجب التفكير بطرق تدفع بالنضال نحو حياة أفضل، بصورة ذات جدوى.

وتابع: مؤسف أنّ لجنة المتابعة لم تستطع على خلال السنوات العشر الأخيرة أن تجدّد من أدواتها، وأن تحاول الخروج عن السقف الأدنى للاتفاق بين العناصر السياسيّة التي تؤلفها ليظل السقف الأدنى هو الأدوات التقليدية وغير المثيرة للجدل. وعلى المتابعة وقيادة الأحزاب التفكير مجددًا في مبنى هذه اللجنة وطرق عملها من أجل استعادة ثقة الشارع وتجنيد الناس من ورائها.

وأضاف أنه يجب الفصل تمامًا بين لجنة المتابعة وبين القائمة المشتركة، بحكم كونها قائمة برلمانية تضم الأحزاب الممثلة في الكنيست فقط، ليظل سقف عملها الحراك البرلماني والعمل مقابل وزارات، أما المتابعة فمن المفروض أن تخرج عن هذا السقف وأن يكون عملها جماهيريًا بما يشبه البوصلة الفكرية والثقافية والسياسية. وللأسف هذا لا يحدث.

وأنهى بالقول: من غير السهل إيجاد حل، يعتمد على جهد مركّز طيلة أيام السنة، وللأسف ردودنا وحراكنا الشعبي ضد هدم البيوت لا يأتي إلا كرد فعل على هدم بيت، ما يُشير لانعدام إستراتيجية على مستوى لجنة المتابعة التي تحتاج للتثقيف الجماهيري والتعبئة الدائمة والبحث عن حلول خلاّقة.

وأشار حليحل إلى فكرة تأسيس صندوق لإعادة البناء، والمطلوب هو صندوق قطري ليحقق النجاح المرجو، ردًا على سياسة الحكومة، ومصادرتها لمسطحات الأراضي، والتضييق على البلدات العربية، وهي ليست مشكلتنا فقط كقيادات وحراك شعبي بل هي أيضًا معركة ضد السلطة وممارساتها.

د. سامي ميعاري

وعقّب الخبير الاقتصادي د. سامي ميعاري لموقع "عرب 48" أن 'هناك حالة من البؤس والشرذمة في المجتمع العربي وكان على القائمة المشتركة تحمُل مسؤولية أكبر لتعزيز الوحدة، والحفاظ على الاتفاق المشترك الذي تمّ إقراره قبل عام، بينما هذا السجال من أعضاء الكنيست والأحزاب المختلفة غير مُجدٍ وغير صحيح، للأسباب التالية: أولاً: يجب أن يكون لدينا وعي، واتفاق في أساليب النضال السلمية؛ ثانيًا: الإضراب وسيلة سلميّة مُتبعة في العالم، وتعطيل المدارس من أقوى وسائل النضال السلمية المستخدمة عالميًا، خاصةً أننا نتحدث عن 11 بيتا تمّ هدمه".

ويضيف: كان حريا بالمعلمين شرح أسباب الإضراب وسبب المظاهرات الاحتجاجية، وكوننا أقلية أصلانية لنا الحق في هذه الأرض، ولنا الحق في الاعتراض على المس بأبناء شعبنا وتشريد 11 عائلة عربية.

وعن الاستفادة الناتجة من الإضراب يقول د. ميعاري: لقد نجحنا بإيصال رسالة للمجتمع المحلي والدولي، ونحن مجتمع يناضل من أجل حقوقه التاريخية.  وثالثًا: يجب أن نعزّز الوعي لدى فئات الجيل الناشئ.

عن الخسائر قال ميعاري: إن إعلان الإضراب والالتزام به من قبل فئات المجتمع العربي، لا يؤثر على الواقع الاقتصادي اليومي الذي نعيشه، فنحنُ نتحدث عن يوم واحد، والإضراب جاء كرسالة، ومَن يقوم من الفلسطينيين بالشراء من مجمّعات يهوديّة، قد يكون معتادا على الوصول للأسواق اليهودية، أما الحديث عن الخسائر التي طالت المجتمع العربي في يوم الإضراب، فإننا نتحدث عن 'نصف يوم'، وفي العادة تفتح المحال التجارية بعد الساعة الرابعة عصرًا، ويتوافد اليهود للمحال التجارية العربية بعد الرابعة، وبالتالي لا خسائر تذكر، خاصةً أنّ اليهود يدخلون البلدات العربية بشكلٍ عام يومي الجمعة والسبت، ومن دخل البلدات العربية للشراء، لم يشكّل خسائر للتجّار كما جرى الحديث من قبل البعض.

الصحفي الاقتصادي نبيل أرملي

ويرى الصحفي الاقتصادي نبيل أرملي في الإضراب وسيلة شرعيّة، لكنّ فائدتها محدودة للغاية في السياق المحلي. ومن المفترض أن يكون الإضراب أداة أخيرة أو شبه أخيرة في أية مسيرة نضاليّة لأنه يُجنّد الناس والجمهور الواسع ويختبر قوة وشعبية القيادة. وعندما تعلن القيادة العربية عن إضراب فإنّها تراهن على تضامن الشارع بأسره مع القضية التي أعلن الإضراب من أجلها، وفي هذا السياق نتحدث عن سياسة هدم البيوت في الإضراب الأخير، وعدم تفاعل الناس مع الإضراب يعني عدم الثقة بالقيادة وبقراراتها.

وعن نجاح الإضراب الأخير، قال أرملي: لا أعرف إن نجح أم لا، ولا أحد يعرف. المُشكلة في المتابعة أنها تفتقر في الغالب لأدوات وآليات المتابعة لقراراتها. فهي لا تُتابع شيئا، وتستكفي برد الفعل وليس الفعل. وفي وضعها الحالي، أي دون وجود هيئات داخلية وميزانيّة وتمويل لطواقم عمل وما شابه، لا يمكن أن يتحرّر نشاطها من دائرة الشعارات والقرارات اللحظية.

وأضاف أرملي: لكي تتفاعل الجماهير مع قضية معينة يجب أن تمتلك المعلومات عنها. والكل يعرف أن هناك مُشكلة تُسمى البناء غير المرخص، ونعرف أن اللوم الأكبر يقع على الحكومة، لكن السواد الأعظم من الناس لا يعرف لماذا نشأت المُشكلة؟ وما الحلول المتوفرة للخروج من المأزق؟ هذا الجهل في المعلومات يُضعف حالة التضامن. وخلال الحراك الأخير لم أشاهد أية مادة إعلاميّة مهنية تتلاءم مع عصر النيوميديا صادرة عن لجنة المتابعة أو عن القائمة المُشتركة لتشرح مشكلة البناء وتشدّد على الممارسات العنصرية والحلول المُمكنة. هذا الأمر لا يحتاج لميزانيات وموارد كبيرة، إنما يحتاج لبعض الإبداع والابتكار في إدارة الأزمة وتوجيه الرأي العام.

التعليقات