غياب السلامة المهنية: العرب الأكثر تضررا من حوادث العمل

تسير حوادث العمل في المجتمع العربي بوتيرة تصاعديّة خطيرة، من حيث ارتفاع أعداد القتلى والإصابات في ورشات العمل وخاصة فرع البناء.

غياب السلامة المهنية: العرب الأكثر تضررا من حوادث العمل

(صورة توضيحية)

تسير حوادث العمل في المجتمع العربي بوتيرة تصاعديّة خطيرة، من حيث ارتفاع أعداد القتلى والإصابات في ورشات العمل وخاصة فرع البناء.

وأوضح مسؤول الأمان والسلامة المهنية، د. سامي سعدي من عرابة، لـ'عرب 48' الأسباب التي تؤدي لإصابات العمل، ويرى أنها ناتجة عن عاملين مهمين، هُما العامل والمشغِل، إذ لا يأخذ العامل حذره، كما يجب، أو أنّ المشغل لا يعطي الواجب المفترض إعطاؤه أو تقديم التوعية اللازمة للعمال. من هنا فإنّ الجهتين (العامل والمشغل) كلاهما مقصران بحق نفسيهما، بكل ما يتعلق بالسلامة والأمان في العمل.

وأكد د. سعدي أنه 'بحسب الإحصائيات، هناك عمليًا 95% من الإصابات سببها العامل البشري، بينها أخطاء إنسانيّة أو تصرف غير صحيح، تصرف مهمِل، أي أنّ تصرف الإنسان هو السبب المباشر لحوادث العمل، وهناك الكثير من الحالات التي لا يكون فيها الخطأ من العامل، وإنما هي خطأ مدير العمل أو المقاول، وإذا كنا نتحدث عن ورشات العمل فمعظم الحوادث الصعبة التي تحدث في الفترة الأخيرة تقع في ورشات البناء، وهنا نشير إلى مدى الخطورة عندما تقع معظم الحوادث في ورشات البناء، وقد تزيد نسبة الوفيات عن النصف'.

هل تقوم الرقابة بواجبها المطلوب فعلا؟

من المفترض أن يكون هناك رقابة، لكننا كمؤسسة لا نتعامل مع الرقابة، أو التفتيش لدى أصحاب العمل، فنحنُ كمؤسسة (الأمان والصحة المهنية في العمل) نقوم بتقديم ورشات وإرشادات للعمال، بهدف رفع التوعية للعمال كي يعملوا بشكلٍ صحيح وآمن، وإذا تحدثنا عن التفتيش أو المراقبة في أماكن العمل، فإنّ الأمر ليس سهلا ولن تكون المراقبة فعّالة، إذ لا نستطيع أن نضع على كل عامل مُفتش عمل، أو مراقب، لكننا نتوجه للعمال لرفع درجة الوعي وأن يكون العامل رقيبًا على نفسه، ويعرف المخاطر الموجودة، والعمل بشكلٍ صحيح للحفاظ على الأمان الشخصي.

من يتحمّل نتيجة إصابة العمال؟

تشير الإحصائيات إلى أنّ 70 ألف إصابة تحدث في السنة في أماكن العمل، ونتحدث عن إصابات يتغيّب العامل بسببها أكثر من 12 يومًا فما فوق، وهناك حوالي مئتي ألف إصابة مع إعاقة مستديمة لا تمكن العامل من العودة لمزاولة عمله، وهناك أيضًا حوالي 60 حالة وفاة سنويا، جميع هذه الإحصائيات تتعلق بحجم الإصابات. وبما يتعلّق بالأمراض المهنيّة، فإنّ عدد الوفيات التي تحدث بسبب الأمراض المهنية وعدد الأشخاص الذين يصابون بسبب تواجدهم في مكان عملهم، كثيرة، لكن للأسف ليس لدينا بنك معلومات بهذا الخصوص.

المواد القاتلة!

قدّر د. سعدي أن 'عدد الوفيات في مجال العمل أعلى بكثير من عدد الإصابات، لذا لا يوجد إحصائيات معينةّ، ولا يمكن معرفة عدد العمال الذين يصابون بسبب استعمالهم لموادٍ كيماوية أو بسبب الأصوات المرتفعة (الضجيج)، ما قد يؤثر في السمع وعلى صحة الإنسان بشكلٍ عام، وهذا الأمر مُثبت، فهناك الكثير من المواد التي قد تسبب السرطان للإنسان، وهناك أمراض قد تؤدي إلى أزمة لدى العامل، ونشدّد أنّ الأبحاث غير كافية في هذا المجال. ومن الصعب تحديد إصابات العمال بسبب الأمراض خلال العمل، فقد يظهر المرض بعد سنوات طويلة 20-30 عامًا مثلا، ومن الصعب تحديد سبب الإصابة أو مكان حدوثها، ومن الصعب توضيح ذلك أمام الجهات المختصّة، بمن فيهم القضاة'.

وأشار إلى أنّ 'غياب العامل 11 يوما يُجبر المشغل دفع تعويضات للعامل، وبعد 12 يوما يباشر التأمين بدفع التعويضات، من هنا تأتي أهمية الاهتمام من قبل صاحب العمل بصحة عماله، حتى لا يخسر من جيبه'.

هل من مقارنة بين 2016 والعام الحالي 2017؟!

تميز العام 2016 بنسبة إصابات خطيرة في مجال البناء، كما أنّ عدد الوفيات مرتفعة جدًا، ويقدّر أنّ هناك نحو 48 حالة وفاة في ورشات البناء، ونسبتها تتعدى الـ60% من حالات الوفاة التي حدثت في مجمل أماكن العمل في جميع الفروع الاقتصادية، لذلك وُضعت نقاط مهمة للتعامل مع ورشات البناء، والتي لا زالت قيد التنفيذ، فالجميع يتحدث عن السلامة المهنية والوقاية في ورشات البناء، لكنّ التنفيذ بحد ذاته، بطيء جدًا. معروف أنّ معظم العمال العرب يعملون في البناء، ومن هنا تكون الإصابات لدى العمال العرب الأصعب، إذ إنّ أكثر من 60% من العمال الذين يعملون في ورشات البناء هم من المجتمع العربي، ومن هنا نسبة الإصابات أعلى لدى العرب، وبشكلٍ عام فإنّ العمال العرب يشكلون 13% من مجمل عدد العمال في البلاد، لكن نسبتهم في الإصابات تتراوح بين 25-30%.

هل هناك تزايد للوعي بين العمال؟!

د. سامي سعدي

هناك مشكلة جديّة في جميع مجالات العمل اليوم، إذ تحولت المناقصات إلى المقاولين، وعندما تكون هناك حاجة للحصول على مناقصة، فإنّ المقاولين العرب يقدمون أقل الأسعار الممكنة للحصول على المناقصة، وبعدها يبدأون باختصار أمور كثيرة ليبقى لديهم بعض الأرباح، وهي مسألة خطيرة، إذ يختصرون بالأساس في وسائل الوقاية والحاجيات الضرورية. نرى اليوم في ورشات البناء، بيع مناقصات من مقاولٍ لآخر، وهكذا تصل المناقصة لعدد كبير من المقاولين (ربما سبعة أشخاص متتالين) وهنا يُطرح السؤال: مَن المسؤول عن العمال الذين سينفذون العمل؟! نحنُ عمليًا نعطي استشارة للعمال للمحافظة على صحتهم وسلامتهم، ولا نتدخل في قضايا المحاكم وحقوق العمال! لكنّ العمال يتوجهون إلينا لتقديم استشارة لصاحب مكان العمل، وللوقاية من الأخطار في مكان العمل، والحصول على دورات إرشاد ومحاضرات ومتابعة أفلام توضيحية، ومن خلالها يتم الإجابة على أسئلة لم تكن واضحة للعمال، هذه الدورة تقام مرّة في السنة على الأقل، من أجل السلامة في العمل، والتخلُص من الأخطار بشكلٍ أفضل.

ولفت د. سعدي إلى أصحاب العمل الذين يفرضون على العمال أساليب تعامل في البناء، ما يتسبب بحدوث إصابات وقد يضطر العامل بسبب حاجته أن ينفذ أوامر المُشغل، وهو أمرٌ خطير. وقال إن 'المسؤول بشكلٍ رسمي من ناحية قانونيّة عن أمان وسلامة العمال هو صاحب مكان العمل، وإذا لم يعطِ للعامل أن يعمل بشكلٍ آمنِ كما تعلم في دورات الإرشاد، فعندها ستكون مشكلة صعبة جدًا. القضاء يقف إلى جانب العامل وليس المشغِل، فهو يتحمل المسؤوليّة في العمل، من خلال توفير بيئة عمل آمنة، تشمل الإرشاد والتخلُص من الأخطار الموجودة، ماكنات آمنة، مواد كيماوية في مكان تهوئة وامتصاص للمواد دون المس بالإنسان، وهي أمور هندسيّة على صاحب العمل أن يوفرها للعمال. وهناك حاجة لفحوصات دورية، وقياس للغازات ومستوى الضجيج في مكان العمل، وفي حالة إصابة أو مرض، يتوجه العامل للقضاء، ويتم إنصافه، وقد يخسر المشغِل العربي عمله بسبب مسعاه لاختصار وسائل الأمان، والأمر الآخر أنّ معظم العمال العرب هم عمال غير مهنيين، وهؤلاء لديهم احتمال أعلى للتعرض لإصابات عمل، وهناك أمور إضافية مثل عمال يتعرّضون بشكلٍ مباشر لأخطار بشكلٍ أكبر من المسؤولين في العمل، والعامل الآخر المعدوم (تأهيل مهني)، فليس هناك مؤسسات/ مدارس تقوم بتعليم العمال مهنة، كما كان يحدث في الماضي بتوفير حدادين، قصارين، بلاطين، مختصين، واليوم لا يوجد تأهيل مهني، والنتيجة أنّ الشخص يُصبح صاحب صنعة عن طريق قريبه، وفجأة يتحول إلى مقاول، لكنه يتعلّم منهم التأهيل الخاطئ'.

رسالة أخيرة للعمال والمشغلين

ووجه د. سعدي رسالة أخيرة للعمال: 'أقول إنه قد تكون هناك أخطار يمكنها أن تسبب لهم إصابات أو أمراض مهنيّة، والمطلوب من كل عامل بمجرد وصوله لمكان العمل أن يراقب مكان تواجده، ويرى الأمور التي قد تسبب له إصابات، وإذا استطاع التخلص منها، وإذا لم يستطع، عليه التوجه لمدير العمل ليساعده بالتخلص من الأخطار، ونصيحة ألا يبدأ بالعمل قبل أن يتخلص من الأخطار. ورسالتي لصاحب العمل أو المقاول، تتمثل بضرورة الاستثمار في الأمن والسلامة المهنية ما يعود عليهم بالفائدة من الناحية الاقتصادية، لأنّه بمجرد كان العامل آمن في مكان عمله عمليًا الإنتاج يكون أكبر بكثير، وجودة الإنتاج تكون أعلى، بدلا من إصابة العامل وحصوله على 11 يوما عطلة مدفوعة الأجر، وهنا يتعرّض المقاول لضرر مادي كبير، وبما أنّ المصلحة مشتركة بين العامل وصاحب العمل في الحفاظ على أمان وسلامة العمال، فإنّ على كليهما الالتزام بالشروط الآمنة المطلوبة في أي مكان عمل'.

التعليقات