مستشارة تربوية: الهواتف الذكية تنمي العدوانية عند الأطفال

جهاز لا يتعدى حجمه كف اليد، في باطنه تحول العالم إلى قرية صغيرة، تخالطت فيه الثقافات والحضارات، وتقاربت المسافات وانفتح حامله على كم هائل من المعلومات والمواد المختلفة، منها قيّمة وأخرى لا قيمة لها، ليطوف العالم في ثوانٍ، حتى أصبح حامله هو الآخر مكشوفا، وقد تُخترق خصوصيته دون أن يدري.

مستشارة تربوية: الهواتف الذكية تنمي العدوانية عند الأطفال

أحلام جُمعة

جهاز لا يتعدى حجمه كف اليد، في باطنه تحول العالم إلى قرية صغيرة، تخالطت فيه الثقافات والحضارات، وتقاربت المسافات وانفتح حامله على كم هائل من المعلومات والمواد المختلفة، منها قيّمة وأخرى لا قيمة لها، ليطوف العالم في ثوانٍ، حتى أصبح حامله هو الآخر مكشوفا، وقد تُخترق خصوصيته دون أن يدري.

الهواتف الذكية التي تشهد تطورا تكنولوجيًا سريعًا جدًا لا سيما بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعية، تترك بصمة جلية على حياتنا في شتى مجالاتها، ولربما تعرضنا إلى خطر قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك بعض الأسر والعائلات، والتأثير على دراسة الطلاب وغيرها.

وقالت المستشارة التربوية، أحلام جُمعة، من الطيبة، لـ"عرب 48" إنّ "استخدام الهواتف الذكية استحوذ على المجتمع بكل شرائحه، الصغيرة والشابة والبالغة، وأحدث تغييرا في المجتمع أثار تساؤلات عديدة حول مدى فوائده وأضراره. الاستخدام المفرط للهواتف والتعلق به لا بد أن له يتسبب بأضرار وتبعات غير صحية في المجال التربوي وخاصة تنمية وتشجيع العدوانية".

وأضافت أن "حصول الطفل على هاتف خاص به مند طفولته المبكرة يضعه في خانة البالغين والكبار من حيث الاستعمال الحر للمضامين التي يحتويها، والتي لا تتناسب مع جيله، انكشاف الطفل أو المراهق للعنف والجنس يعزز الميول والمهارات العدوانية لديه ويؤثر سلبيا على تطوره الذهني والعاطفي والاجتماعي. والمضامين التي يعرضها الهاتف تصبح مصدرا يكتسب منه الطفل أو المراهق قيما غريبة تستبدل القيم السائدة في المجتمع. وكلما كثر استخدام الهاتف كلما ضعف دور الوالدين في التأثير على أبنائهم".

إلى ذلك أكدت جمعة أن "الأنماط السلوكية النرجسية للمراهقين وغيرهم على الشبكة تتمثل في التمركز حول الذات ومشاركة التفاصيل الصغيرة في حياتهم من صور شخصية، مشاعر، ستاتوسات يومية، فهم يقيسون قيمتهم ومكانتهم الاجتماعية حسب عدد الأصدقاء والإعجابات والمشاركات التي تصلهم، وسيشعرون بالإحباط والاكتئاب عندما يرون أن حياتهم ليست مزهرة كأقرانهم، خاصة من كان تقديرهم الذاتي بنسبة متدنية".

ما هو تأثير الهواتف الخليوية على العلاقات الاجتماعية؟

أُثبتت الدراسات أن العلاقات الافتراضية لا تسد حاجة الإنسان الأساسية للروابط الاجتماعية. اعتبار الكثيرون الهاتف مركز حياتهم يجعلهم يتخلون عن تواصلهم مع البيئة الواقعية ويضعف قدرتهم على اكتساب مهارات اجتماعية وأداء مهمات وواجبات ضرورية.

ماذا عن تأثيره على المجتمع بشكل عام؟

الأجهزة التكنولوجية المتطورة هي بمثابة سلاح ذي حدين. سهولة الحصول عليها وتوفرها لدى الجميع يزيد من قوة وسرعة وسهولة تأثيرها، سلبا أو إيجابا، ويتعلق ذلك بمدى نضج المجتمع ووعيه الكافي للتعامل معها، فعلى سبيل المثال يكفي أن ينشر أحدهم على شبكات التواصل الاجتماعي مضمون (ستاتوس أو صورة أو فيديو) ليرد أول شخص بتعليق مؤيد، ومن ثم تتهافت وراءه الردود المؤيدة للرد الأول والمعترضة على الرد المخالف، دون التحقق من صحة ومصداقية المضمون ومصدره، وهذا ما يسمى بـ"ظاهرة القطيع". تلك أداة سهلة لإثارة الفتنة داخل المجتمع الواحد وتشكيل وعيه وفكره واتجاهاته السياسية والاجتماعية.

ماذا بالنسبة للتأثير على الدراسة والقيم التربوية؟

الإدمان على الهاتف وعدم القدرة على إغلاقه حتى خلال الدوام المدرسي يجعل الطلاب عرضة لتشتت الانتباه والتركيز والتحفز للرد على رسائل الأصدقاء التي لا تتوقف خلال الحصص وعند التحضير للامتحانات. ولا ننسى تأثير الهاتف بتشويه القيم التربوية ومفهوم النزاهة حين يستخدمه الطلاب كأداة سهلة وغير شرعية لحل الامتحان.

يبدو واضحا أيضا أن الأسرة تعاني من التفكك الأسري، ما علاقة الهاتف بذلك؟

التعلق بالهاتف لم يقتصر على الأجيال الصغيرة فقط بل أصبح ملاذا لسد الفراغ وعدم التوافق الزوجي لدى الكثير من الأزواج، وهو عامل مساعد للتفكك الأسري والخيانات الزوجية الافتراضية والواقعية. إذا تحدثنا عن أزواج هم المسؤولون عن تربية أبناء يحتاجون لدعمهم العاطفي وإرشادهم وحمايتهم من مخاطر التعلق بالهاتف، من المتوقع أن يزداد تعلق الأبناء بالهاتف وشعورهم بالعزلة والغربة داخل الأسرة، ولا عجب أن نجدهم يلجؤون إلى إقامة علاقات غير آمنة في العالم الافتراضي المحفوف بالمخاطر دون ضوابط، هربا من الواقع الأسري وتعويضا للفراغ العاطفي.

ما الذي علينا أن نتجنبه؟

علينا تجنب الانجرار وراء معلومات ومضامين غير مراقبة وتصديقها دون التحقق من صحتها، وعدم استخدامه كوسيلة للهروب من أوضاع حياتية ضاغطة أو لتحسين الحالة النفسية مما يضعف مهارات المواجهة، أو نشر أو تفاعل مع مضامين سلبية مثل إهانات، مسبات، انتقادات، سخرية، ابتزاز، تهديد أو تشويه سمعة، أو فقدان الخصوصية سواء كان النشر ذاتيا كنشر صور شخصية أو غير ذاتي كنشر صور لأشخاص آخرين للإثارة والضحك.

ما هي النصائح لاستعمال سليم للهاتف الخليوي؟

أنصح بإرشاد الأبناء ومراقبتهم ومحاورتهم لطرق الاستخدام الصحيح للجهاز، وذلك يتحقق عندما يكون الأهل من ضمن قائمة الأصدقاء على الشبكة وأن يكون هاتف الأبناء متاحا لهم وقت اللزوم، وعدم الاستعجال باقتناء الهواتف الذكية للأطفال لما تكتنفه من أضرار نفسية وأخلاقية، كذلك يمكن الاستفادة بشكل كبير من الجهاز لتبادل معلومات قيمة، آراء، ثقافات، وتقريب البعيد. يمكن أيضا تحقيق نتائج إيجابية على مستوى القضايا الشعبية، السياسية أو الاجتماعية لمحاربة الفساد ولتحقيق العدالة والتكافل المجتمعي ومساندة الفئات الضعيفة في المجتمع.

التعليقات