الاختصاصي النفسي دقدوقي: العنف يقطع أوصال المجتمع العربي

قال الاختصاصي النفسي، د. جمال دقدوقي، من بلدة كفر كنّا إن 'التغييرات السلبية التي نعيشها في هذه الأيام، تؤكِد على أنّ واقع فلسطينيي الداخل سيغدو أكثر سوءًا إن لم تتم معالجة الإشكاليات الجديّة والظروف القاسية التي نعيشها، بينما لا نشعُر بأي مسؤولية فردية كانت أو جماعية، ما يعني أنّ مسألة الاهتمام والتغيير لم تعُد تعني الكثيرين من أبناء مجتمعنا للأسف'.

الاختصاصي النفسي دقدوقي: العنف يقطع أوصال المجتمع العربي

د. جمال دقدوقي

قال الاختصاصي النفسي، د. جمال دقدوقي، من بلدة كفر كنّا إن 'التغييرات السلبية التي نعيشها في هذه الأيام، تؤكِد على أنّ واقع فلسطينيي الداخل سيغدو أكثر سوءًا إن لم تتم معالجة الإشكاليات الجديّة والظروف القاسية التي نعيشها، بينما لا نشعُر بأي مسؤولية فردية كانت أو جماعية، ما يعني أنّ مسألة الاهتمام والتغيير لم تعُد تعني الكثيرين من أبناء مجتمعنا للأسف'.

كيف تقرأ واقع مجتمعنا وأسباب ما نحنُ فيه من عنف؟

د. دقدوقي: الصورة قاتمة، العنف بازدياد، ويتفشى بشكلٍ كبير في المجتمع العربي، ويبدو أنه ليس من أمل في إيجاد حلول قريبة أو على المدى القريب، إذ لا توجد روادع أو خُطط في مواجهة هذه الظاهرة على كافة الأصعدة، ويُدرك الجميع أنّ العنف ظاهرة بدأت منذ بدء التاريخ، فحتى قابيل وهابيل اختلفا ومارسا العنف ضد بعضهما البعض، وانتشرت الحروب على مدى الأزمان والتي تعود بقوة. وإذا نظرنا من حولنا فكل ما يدور من حروب هي عبارة عن ممارسة للعنف، فالعنف محليًا استشرى أيضًا، ويعزى ذلك لعدة أسباب، فإذا أردنا أن نتمحور في المجتمع العربي نلاحظ أنّ هناك مستويين في الحياة الاجتماعية اليومية، المجتمع التقليدي المحافظ الذي يتميّز بالعائلية، والتركيبة العائلية الحمائلية لها أبعادها في استشراء هذه الظاهرة، لأنّ الفرد يشعر أن لديه عائلة كبيرة قادرة على حمايته، ما يسمح له أن يقوم بسلوك عدواني وعنيف لأنه يدرك أن هناك من يحميه، وإذا أخذنا المجتمع العربي الفلسطيني المتمدن والذي لا يخلو من المآسي، ولكن إذا أخذنا المدن الفلسطينية مثل: عكا، يافا، حيفا، اللد والرملة، نلاحظ أنّ العنف منتشر هناك بشكلٍ كبير، وذلك يعود لنوع من التطور أو التمدُن أو التفكك، حيثُ تعاني هذه المجتمعات من مشاكل في العادات والأخلاقيات والإدمان والكحول وما إلى ذلك، وفي غياب الوحدة العائليّة والأسريّة يتفشى العنف، وكذلك في العائلات الكبيرة والمجتمع الحمائلي.

هل يمكن الاكتفاء بتحميل المسؤولية للمؤسسة الإسرائيلية؟

د. دقدوقي: لا يمكن الإنكار أنّ الوضع السياسي له أبعاد كثيرة، والذي يؤدي إلى التوتر المستمر، وإذا أخذنا قضايا التمييز تجاه العرب في الداخل، أو عندما يشعُر الشخص بأنه مميز ضده ولا يأخذ الحقوق المشروعة له، يشعُر بالظلم وقد يتطوّر الشعور بالظلم، ما يجعل الفرد يستخف بالحياة، ويشعر أنها لا تساوي الكثير، وأنه لم يبقَ ما يجب الحفاظ عليه، ما يساعِد في نمو السلوك العدواني. كما أنّ البعد السياسي يؤثر على البعد الاجتماعي وعلى المستوى الاقتصادي والتركيبة العائليّة والأسريّة والأزمات المادية التي تؤدي لاستفحال العنف في المجتمع، وهذا ما نلاحظه في الآونة الأخيرة. المجتمع العربي لا يعيش حالة من الترف والسرور، فالجميع يعيش ضغوطات نفسية مستمرة، وعندما تعيش المجتمعات أزمات نفسية، يغيب عنها الأمن والاستقرار، وهناك أبحاث تؤكِد أنّ المواطن الصالح هو المواطِن السعيد، والعكس صحيح، وحين يشعرُ الإنسان بالرضى، يقوم بأعمال إيجابية، على المستوى الثقافي والحياتي، كالتطوُع وخدمة الآخرين. ومن أجل إرضاء المواطن يجب تُوفَير جميع الحقوق وعلى رأسها الحق بالأمان والطمأنينة.

ماذا بالنسبة للبحث عن الخصوصية؟

د. دقدوقي: إنّ نظام الحياة في المجتمع العربي هو نظام مركّب بشكلٍ جماعي وحمائلي، ما يؤدي للكثير من الفوضى وعدم الاستقرار والتدخلات والمشاحنات والمضايقات اليوميّة يعززها البعد السكاني الذي ساهم في خلق الراحة النفسية، ومن هنا اشتُق مصطلح 'الخصوصية'، فليس من المحبذ أن يعيش الشخص بشكل فوضوي مكشوف للعالم القريب، ويجب أن يشعر الشخص ببعض من المسافة، فحتى الأزواج يُنصحون بالابتعاد في سنوات الزواج الأولى عن الأقارب، لأنّ وجودهم بشكلٍ مستمر ويومي قد يؤدي لضغوطات نفسية وعدم الشعور بالراحة، فكلما ضاقت الحارات ضاقت النفسيّة.

وماذا عن الحمائلية؟

د. دقدوقي: إنّ مسألة الحمائلية أصبحت أمرًا غير إيجابي، خاصة في قضايا كالانتخابات، إذ تتجه الانتخابات إلى طريقة الحمائلية والعائلية والعشائرية. إن استمرار الانتخابات بالطريقة الحمائلية الحالية تدفع باتجاه مقاطعة الانتخابات، طالما أنه لا جديد في طرح القيادات العربية، والتي لا تزال تحت السلطة العائلية ما يعود بالضائقة النفسية على الأشخاص، فعندما يصل المرشح العائلي السلطة يخدم عائلته وبعض ممن وعدهم مقابل حصوله على أصواتهم، ويخدم 40% من شريحة المجتمع، بينما يُهمِل الرئيس المنتخَب 60% ممن اختاروه رئيسًا. وعلى سبيل المثال إن كنت في بلدي لا أشعر بالخدمات فسأشعُر بالتهميش، ما يزيد العنف، ويذوت القهر والقمع والتمييز، وكلما هُمش الأشخاص كالطالب الذي يُهمش فيصبح عدوانيًا. ومن أجل ألا يكون الطالب عدوانيًا يجب أن يحصل على مكانته، وكلما قدّرنا الأشخاص وشعروا بالاهتمام كلما تهذب سلوكهم، ولا ننسى أنّ هؤلاء الأطفال في المدارس كان يمكن إنقاذهم، لكنهم هُمشوا ولم يشعروا بالقيم الإنسانية أو بالتقدير الاجتماعي، ولم يجدوا أمامهم سبيلا سوى الخروج إلى الشارع.

وما هي الحلول الممكنة؟

د. دقدوقي: كنت دائمًا على يقين أنّ المدارس تدرس المواد التعليمية، لكنّ التربية في الجوهر تكمن في البيت والأسرة، وإذا استمرت الأسر في النهج الحالي من التفكك على المستوى الاجتماعي وانعدام التكاتف والتكتل فيما بينها فسيكون وضعنا أسوأ، وعليه يجب وضع خطط تربوية تبدأ بالتربية وتستمر من خلال مشاركة أولياء الأمور، وإقامة ندوات واجتماعات وخطط تربوية قد تُسهم بتقليص ظاهرة العنف والمقت النفسي أيضًا، ليتحول الأمر إلى الانغماس في الفيسبوك وتبعاته، حتى باتت الحياة تتميز بالتواصل الاجتماعي عبر الفيسبوك على عكس الفترات الزمنية السابقة بالتواصل الأخوي والمحبة والاحترام كلٌ إلى الآخر. وإذا أردنا طرح حلول يجب أن تُطرح على مستوى هرمي تبدأ من القواعد الأساسية، من لجان الأحياء ومن المدارس ثم تنطلق إلى المؤسسات والمجالس المحلية ويجب أن يشارك فيها المفتشون والمسؤولون لوضع خطط لمكافحة العنف، ووضع خطط حول الآخر واحترام رأيه، ومن يختلف عني في الرأي ليس عدوي. يجب أن نبني صرحا جديدا يتميز بثقافات مختلفة جديدة يمكن العيش كلٌ منا مع الآخر بشكلٍ مهذب ومحترم وبتقدير الشخص للآخر، وعدم ترك الفراغ كي تُبنى هناك عدة خصومات وشحونات مستمرة فلا يشعر الشخص بالانتماء، لا يحافظ على بيته وأسرته وبلده وكل ما ينتمي إليه.

التعليقات