04/08/2017 - 16:25

د. رائف زريق: لا أفق خارج المواطنة وقد تمتد بين البحر والنهر

*إسرائيل التي حاولت استيعابنا حتى عام 2000 تحاول اليوم إخراجنا من أحشائها* الأبرتهايد لا يطابق الحالة الفلسطينية تماما ولكن هناك حالات أسوأ من الأبرتهايد* إسرائيل تشهد منذ عام 2000 انقلابا ثانيا يتمثل بصعود وهيمنة اليمين الجديد

د. رائف زريق: لا أفق خارج المواطنة وقد تمتد بين البحر والنهر

مستوطنون يطلون على ساحة البراق وقبة الصخرة (أ.ف.ب)

شهدت إسرائيل في العشرين سنة الأخيرة تحولات عميقة في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يعتقد البعض انها أحدثت تغييرا إستراتيجيا في رؤيتها وتعاطيها مع القضية الأساس المرتبطة بوجودها، وهي القضية الفلسطينية. وبهذا المعنى فان تراجع إسرائيل عما كان من المفترض أن يكون بداية لحل وسط تاريخي مع الفلسطينيين، متمثلا بعملية أوسلو على علاتها، لم يتوقف عند بضع رصاصات أصابت إسحق رابين فقط، بل أصابت عملية التحول برمتها وأعادت الأمور ليس إلى نصابها الأول فقط، بل أنها وظفت عملية أوسلو، التي كان يفترض أن تقود الى تسوية تاريخية تسفر عن نشوء كيان سياسي فلسطيني، في تأسيس نظام أبرتهايد على كامل فلسطين التاريخية. فقد جرى عزل قطاع غزة، وتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وربطها جغرافيا بإسرائيل، وتحويل مناطق "أ" الى بانتوستانات وممارسة سياسة تطهير عرقي في مناطق "جـ"، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، تمهيدا لفرض السيادة الإسرائيلية عليها.

د. رائف زريق

وشمل التحول الفلسطينيين داخل الخط الأخضر. فبعد أن جرى توظيفهم، عنوة، في أوسلو جسرا للسلام، وجدوا أنفسهم  خلال الانتفاضة الثانية في قلب المواجهة، وتحولت قراهم ومدنهم إلى ساحات صدام، حيث تبددت الفوارق وسقط الشهداء في سخنين وكفركنا وأم الفحم والناصرة، وتبدلت محاولات الدمج والأسرلة بحملات تحريض وإقصاء ونزع شرعية.

لإلقاء المزيد من الضوء على التحولات التي طرأت على السياسة الإسرائيلية وتداعياتها على القضية الفلسطينية وفلسطينيي الداخل، أجرى "عرب 48" مقابلة مع أستاذ فلسفة القانون في جامعة تل ابيب ومعهد الكرمل وأحد الباحثين البارزين في الشأن الإسرائيلي – الفلسطيني، الدكتور رائف زريق.

"عرب 48": ما هي أبرز التحولات السياسية التي حدثت في إسرائيل في العقدين الأخيرين؟

زريق: "التحول الأساسي في إسرائيل بدأ في العام 2000، إلا أن معالمه اتضحت بعد عشر سنوات، وتمثل بصعود اليمين الجديد، وهو صعود يمكن اعتباره "انقلابا ثانيا" بعد الانقلاب الأول الذي وقع عام 1977 بصعود مناحيم بيغن إلى سدة الحكم. والانقلاب الثاني هو انقلاب في اليمين ذاته. في العام 1977 وصل اليمين إلى الحكم إلا أنه لم يتمكن من فرض هيمنته على الإعلام والأكاديميا والجيش والمحاكم، التي بقيت خارج هيمنته. ويمكن القول إن يمين بيغن الذي يهتدي بخطى جابوتينسكي، كان يكن الاحترام لهذه المؤسسات ويرغب بأن تبقى مؤسسات دولة تعمل وفق معايير الصالح العام. أما ما حصل منذ عام 2000 فهو انقلاب على يمين بيغن وصعود يمين جديد يحاول إخضاع هذه المؤسسات لأيديولوجيته تماما، وبالتالي هناك انتقال من مجرد الوصول إلى الحكم إلى الرغبة في الهيمنة الأيديولوجية واحتكار تأويل وتفسير الصهيونية، واعتبار اليمين الوريث الوحيد للحركة الصهيونية من هرتسل إلى بن غوريون. وهذا التغيير في الداخل الإسرائيلي رافقه تغيير في فهم العلاقة مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية".

"عرب 48": واضح أن صعود اليمين إلى الحكم في انتخابات 1996، بعد مقتل رابين مباشرة، شكل انقلابا على "أوسلو"، بما يحمله من مفهوم التوصل إلى تسوية تاريخية مع الفلسطينيين، حتى لو كانت غير عادلة أو ظالمة لهم؟

زريق: "بنظرة إلى الوراء، نرى أن الصراع بين الحركة الوطنية الفلسطينية والصهيونية، الذي بدأ منذ مطلع القرن العشرين، ظل محتدما لفترة طويلة من الزمن، دون أن تلوح أي بوادر أو يظهر أي أفق للحل، بل ظل الصراع مستعصيا تماما ولم يشعر الأطراف طيلة عشرات السنين أن لحظة الحل قد نضجت، أو أن حبكة الرواية قد وصلت إلى ذروتها وهي في طريقها إلى الانحلال. وفي هذا السياق، شكلت نكبة 1948وحرب 1967 وغيرها من الأحداث الكبيرة، جميعها، محطات في صياغة المشكلة وفي بناء حبكة الصراع. وباعتقادي أن حرب 1973، التي اعتقد العرب أنهم حققوا فيها شيئا من الانتصار، بغض النظر إذا كان وهما أو حقيقة، إلا أن هذا الانتصار هو الأول الذي يحققه العرب بعلاقتهم بإسرائيل. قد تكون تلك اللحظة هي بداية لحظة التحول، من تشكل الحبكة وتعقيداتها الى بداية انحلال العقدة ... هذا صحيح أيضا بالنسبة للانتفاضة الأولى، التي أعطت الفلسطينيين شعورا بالقدرة الذاتية على مواجهة إسرائيل واعتزازا وطنيا وقوميا مهد الطريق إلى واشنطن بداية، وإلى أوسلو لاحقا. في العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين، وبعد أن تبلورت معالم المشكلة، وبعد أن وصلت الحبكة ذروتها بدأت تظهر معالم انفراج. كان على إسرائيل أن تنتصر بداية وتهزم بعد ذلك، ولو مجازيا، وكان على العرب أن يهزموا بداية وينتصروا لاحقا، ولو معنويا، حتى تصل الحبكة ذروتها وتبدأ معالم انفراج. لقد أدركت إسرائيل حدود قوتها وأدرك الفلسطينيون حدود قوتهم، أي أن حل الدولتين بدأ يطفو تلقائيا على السطح".

**"اليسار" الإسرائيلي قرر الانتحار

"عرب 48": هل هذا المسار انقطع بعد مقتل رابين وصعود اليمين إلى الحكم في إسرائيل؟

زريق: "كل هذا المسار تبخر عام 2000، ولا يمكن تحميل مسؤولية ذلك لليمين الإسرائيلي فقط. صحيح أن اليمين هو الذي اغتال رابين لكي يغتال العملية السياسية برمتها، إلا أن ’اليسار’ لم يجر اغتياله بل قرر الانتحار وحده. هذا ’اليسار’ أطلق رصاصة الرحمة على نفسه عندما أعلن أنه لا وجود لشريك فلسطيني وليس هناك طرف يمكن التوصل معه إلى اتفاق سلام، لأن مبرر وجود ’اليسار’ ورسالته تقوم على إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين حول تقسيم فلسطين وليس فقط تقسيمها عمليا. وعندما تنازل عن هذا الدور وقال إنه لا يوجد شريك لم يعد مبرر لوجوده".

"عرب 48": صعود اليمين و"انتحار اليسار"، كما قلت، أعاد الأمور إلى نقطة البداية، فالتراجع عن الاستعداد للتوصل لتسوية تاريخية تقوم على فكرة التقسيم، حتى لو كان غير عادل، أعاد القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، فالإسرائيليون يتحدثون عن أرض إسرائيل الكاملة وفلسطينيون يتحدثون عن الدولة الواحدة؟

زريق: "منذ عام 2000 نحن في صدد حبكة جديدة، بمعنى أننا في مرحلة تشكل المشكلة. الآن نحن في طريقنا إلى الذروة، مثلما كانت السبعينيات هي مرحلة بلوغ الذروة وبداية البحث عن حل. ولذلك لا يمكن التفكر في حلول الآن. لكن يمكن قراءة بعض ملامح التشكل الجديد، بما يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين في مناطق 67 إذا أخذنا غزة جانبا. فالضفة الغربية أصبحت أقرب وأبعد في نفس الوقت، حيث أصبحت مستوطنة أريئيل أقرب إلى تل أبيب، ليس ماديا فقط بل معنويا أيضا. وناهيك عن تحسين إمكانيات التواصل والسفر، فإن مستوطنات مثل غوش عتسيون ومعاليه أدوميم وأريئيل، لم يعد يتم التعامل معها باعتبارها ظواهر غريبة أو أنها مرتبطة بسلب ونهب الأراضي الفلسطينية. وصار هناك تطبيع واضح للاستيطان، فهو لم يعد أمنيا ولم يعد مؤقتا ولم يعد أيديولوجيا، إضافة إلى أن الفئات التي تستوطن والتي تستفيد من الاستيطان لم تعد تقتصر على اليمين الديني-الأيديولوجي-المسياني، بل أصبحت تضم المزيد من حيتان المقاولين الذين يبتلعون الأرض ويشترونها بأبخس الأثمان للبناء عليها. وطبقات إما فقيرة أو متوسطة ترغب بتحسين شروط حياتها، تجد شققا رخيصة هناك. بهذا المعنى الضفة أصبحت أقرب والاستيطان أصبح اقرب. أما كيف أصبحت أبعد، فرام الله والخليل أصبحتا أبعد معنويا وماديا، والوصول إلى هناك بات مهمة معقدة. ومعنويا، أصبحت مشاكل وآلام الفلسطينيين الذين يعيشون هناك غير مرئية على الإطلاق من قبل الإسرائيليين، وبدا وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، وكأنه لا توجد مسؤولية تجاه هؤلاء البشر الذين هم تحت سيطرة إسرائيلية. والمقصود أن إسرائيل نجحت في إبقاء سيطرتها على الأرض مع إعفائها من أي مسؤولية على السكان الفلسطينيين".

**إعلان حرب على فكرة المواطنة

"عرب 48": أفهم من تحليلك أن هناك ما يسمونه "ضما زاحفا" للضفة الغربية أو لأجزاء منها، على الأقل. فمن جهة، تجري محاولة فرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات ومحو الحدود الجغرافية والقانونية بينها وبين دولة الاحتلال. ومن جهة ثانية، يتم الإمعان في حشر الفلسطينيين خلف المزيد من الجدران والحواجز وخلق بانتوستانات ومعازل. إنك ترسم صورة شبيهة لما كان في جنوب أفريقيا، ولكن أين نقف نحن فلسطينيي الداخل من هذه المعادلة؟

زريق: "الصورة لن تكون مكتملة إلا إذا فهمنا لماذا تُخرج الدولة (إسرائيل) بشكل تدريجي وبهدوء، لكن بتماد، الفلسطينيين في الداخل من دائرة المواطنة. هي تخرجنا سياسيا بمعنى أنها تسعى لنزع الشرعية السياسية عنا وتبقينا كمستهلكين. هذا التحول هو انقلاب جذري على ما كان، أو ما بدأ يتبلور في التسعينيات. وأعني فكرة وجود إسرائيل بحدود الخط الأخضر مع معنى معين لفكرة المواطنة. فمثلا الاقتراحات المتكررة بضم المثلث للسلطة الفلسطينية هي ليست أقل من إعلان حرب على المواطنة. لا يوجد منطق واحد ووحيد يحكم التحولات. نعم إسرائيل تتجه نحو نظام أبرتهايد، إلا أن الأبرتهايد لا يطابق الحالة الفلسطينية تماما. في بعض الحالات هناك واقع أسوأ من الأبرتهايد وفي بعض الحالات أقل سوءا. فنحن لا نستطيع أن نقول إننا نعيش، في عيلبون والناصرة مثلا، تحت نظام أبرتهايد. بالمقابل هناك تجمعات فلسطينية تعيش أسوأ من نظام الأبرتهايد".

"عرب 48": بالعودة إلى الانقلاب الذي تحدثت عنه في نظرة الدولة وعلاقتها مع فلسطينيي الداخل، أعتقد أنك أردت الإشارة إلى ما يعتبره البعض فترة ذهبية بالنسبة لوضعية فلسطينيي الداخل عندما اكتسبوا نوعا من الشرعية السياسية في عهد حكومة رابين، وهو واقع انقلب 180 درجة بحيث يبدو اليوم وكأن فلسطينيي الداخل هم العدو الوحيد المتبقي لإسرائيل؟

زريق: "بما يتعلق بفلسطينيي الداخل، صحيح أن هناك تمييزا بنيويا لا يمكن بضمنه تحقيق المساواة. إلا أن صيرورة وجودنا داخل دولة إسرائيل، أو لنقل صيرورة ملاءمة الدولة اليهودية تاريخيا لمواطنيها الفلسطينيين، كانت بمثابة محاولة استيعاب (احتواء) لبقية شعب حاولت أن تقضي عليه عام 1948. ما حدث بعد العام 2000 هو أن هناك أمرا ما تغير بهذه الصيرورة، وهي لم تتوقف تماما لكنها تعرضت لنكسة جدية، وهناك محاولة لإخراج ما جرى استيعابه سابقا، وبهذا المعنى إسرائيل تسعى لأن تخرجنا من أحشائها".

"عرب 48": نستطيع أن نلخص كالتالي، أن إسرائيل بعد أن تراجعت عن فكرة تقسيم البلاد، ولو بشكل غير عادل، ذاهبة باتجاه توحيد فلسطين التاريخية تحت سيادتها. وفي هذا السياق تواصل عزل ومحاصرة قطاع غزة وتسعى لفرض قوانينها على المستوطنين في الضفة الغربية وضم المناطق "جـ" بعد تطهيرها من الفلسطينيين. وهي تحشر سكان مناطق "أ" و "ب" في معازل وبنتوستانات. وفي ذات السياق تخرج فلسطينيي 48 الذين استوعبتهم سابقا من أحشائها، وهي تتوحد مع المستوطنين وتوحدنا نحن، من خلال سياسة الإقصاء ونزع الشرعية السياسية، مع سائر الفلسطينيين. بعد كل هذا، لا معنى للتمسك بشعار المواطنة الذي كان صالحا في مرحلة الاندماج واعتبر كاسر أمواج لمحاولات الأسرلة المشوهة؟

**مصارحة مع الذات

زرق: "مع الأسف، لا يوجد أفق خارج المواطنة. هذه جملة كبيرة جدا، وقد يراها البعض أنها محافظة جدا، وخطيرة جدا، لكن هناك أمران لم يجر التداول بهما فلسطينيا. وقبل الانتقال إلى مشاريع جديدة أو طروحات جديدة أو أحزاب وحركات جديدة، فإنه من الجيد، بل من الضروري، تلخيص المراحل السابقة والشعارات السابقة. وفي حال أنها أخفقت، يجب تلمس أسباب هذه الإخفاقات. وفي حال أنها استطاعت تحقيق الإنجازات يجب الإشارة الى هذه الإنجازات. بهذا المعنى التاريخي أولا. نحن لا نبدأ أبدا من الصفر. هناك من حاولوا قبلنا وناضلوا واجتهدوا. ونحن أنفسنا حاولنا واجتهدنا. ومن باب المصارحة مع الذات ومع الناس يجب أن نقول أين أنجزنا وأين أخفقنا قبل الدخول في شعارات أو مرحلة جديدة. وبالعودة إلى موضوع المواطنة، فإن ثمة قضيتين مركزيتين تتعلقان بالموضوع. الأولى مستلزمات المواطنة، بمعنى أنه بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل المواطنة هي حل وسط تاريخي مع الدولة الصهيونية، وشعار دولة مواطنيها الذي يطالب إسرائيل بأن تطبع مع مواطنيها الفلسطينيين، وألا تستعديهم، وأن تتعامل معهم بشكل طبيعي، يوازيه منطقيا توقع من جانب الأغلبية اليهودية أن يقوم الفلسطينيون هم أيضا بتطبيع علاقتهم مع الدولة، بمعنى أن المواطنة قد يكون لها مستلزمات. يجب وضع الأمور على طاولة البحث وفحص ما هي هذه المستلزمات وما هي حدودها وما هي الخطوط الحمراء وما إذا كنا على استعداد للقبول بها، وما هي المساحة التي من الممكن اللعب فيها".

"عرب 48": كأنك تريد أن تضع الحقوق مقابل الواجبات في إطار معادلة المواطنة، علما أن الحقوق مطلقة بالعموم، بغض النظر عن كون مواطنتنا مشتقة من كوننا أصحاب البلاد الأصليين؟

زريق: "الاعتقاد أنه من الممكن استلال سيف المواطنة في وجه دولة إسرائيل دون التعامل معها بصفتها تشكل حلا وسطا تاريخيا، أخذا وعطاء، مدا وجزرا مع الأغلبية اليهودية، فيه نوع من السذاجة. البعض يأخذ المواطنة وكأنها نوع من الاندماج أو المهادنة. وأنا أتحدث عن المواطنة باعتبارها تعبيرا سياسيا يقوم على فكرة المساواة والكرامة والحقوق المتساوية لجميع الأفراد، وقد يكون هؤلاء الأفراد المواطنون داخل إسرائيل أو من البحر إلى النهر. والمواطنة لا تعني بالضرورة المواطنة حسب مقاسات دولة إسرائيل الحالية، وهي لا تعني بالضرورة التماثل والتصالح والانصياع لجميع قوانين الدولة. أحيانا تتطلب المواطنة منك عدم الانصياع لقوانين معينة، إذا كانت في جوهرها تتنافى مع الكرامة الإنسانية. وعندما أقول لا أفق خارج المواطنة، هذا لا يعني عدم بناء المؤسسات الثقافية والأهلية ولا يتناقض معها. المقصود بلا أفق خارج المواطنة، هو حلم أو فكرة الانعتاق والتغاضي عن وجود مجموعة يهودية مصيرها مرتبط بمصيرنا. هذا صحيح بالنسبة للفلسطينيين في إسرائيل، لكن مع مرور الوقت أميل إلى الاعتقاد بأنه صحيح لجميع الفلسطينيين في فلسطين التاريخية. إذا كانت إسرائيل ذاهبة باتجاه منطق أبرتهايد، وهي ذاهبة فعلا في هذا الاتجاه، فان منطق الأبرتهايد يقود إلى الفصل والعزل والنضال ضد الأبرتهايد يكون برفض الفصل والعزل وهذا بالضبط ما يتيحه خطاب المواطنة. وهنا يجب تحرير خطاب المواطنة من تداعياته الاحتمائية والاستجدائية والتذللية. خطاب المواطنة هو خطاب تحد ومواجهة ويجب إنقاذه من كونه خطاب عرب الأحزاب الصهيونية، لأنه في واقع الأمر ليس خطاب هؤلاء، لأن خطاب هؤلاء يقوم على حسن نوايا المؤسسة والواسطة ولا يمت بشيء لخطاب المواطنة".

"عرب 48": ربما تعطي للمواطنة مفهوما أوسع وتحملها أكثر مما تحتمل عندما تتحدث عن سقف قد يمتد من البحر للنهر، الذي قد يسميه البعض دولة واحدة، وبهذا المعنى لديهم أفق خارج المواطنة بينما تدرج أنت هذا الخيار ضمن المواطنة؟

زريق: "إسرائيل تدفع بنا خارج المواطنة وتعيد الصراع إلى أبجدياته الأولى، أن نتوحد كفلسطينيين بحيث تصبح رام الله في وضعية الناصرة. هل هذا وارد الآن؟ لا أعتقد. ولكن هذا أفق. وعندما أقول إن المواطنة هي الأفق الوحيد، أقصد أن الانفصال التام، مثلما حدث في الجزائر لم يعد واردا. في الضفة لم يعد، واردا وفي إسرائيل لم يعد واردا، والسؤال السياسي هو: ما هي طبيعة هذه الوحدة السياسية ومنظومة الحقوق التي ستسود فيها؟ إذا كانت إسرائيل ذاهبة باتجاه تأسيس نظام أبرتهايد في كل أرض فلسطين بدرجات متفاوتة، أليس من الأجدر أن نبدأ نحن، حيث لا يزال هامش مناورة، بالنضال منذ الآن ضد هذا الأبرتهايد الزاحف قبل أن يتحول إلى أبرتهايد ممأسس؟ إن النضال ضد الأبرتهايد والذي تشكل باعتقادي فكرة المواطنة رأس حربة فيه، لا يعني تملق الأغلبية اليهودية ولا يعني قبول شروط اللعبة كما هي، ولا يعني تغيير النظرة للمشروع الصهيوني، باعتباره مشروعا استيطانيا بالأساس. لكنه يعني بالضرورة أن نضع تلك المعضلات والأسئلة الكبيرة في سياق مشروع مواطنة متساوية تضمن توزيع الثروة والأرض بشكل متساو، علما أن أي مشروع حقيقي للمواطنة غير مشحون بهذه الجروح التاريخية هو فاقد المعنى". 

 

التعليقات