رغم مرور عقود على مخططات التهويد التي فرضتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على البلدات العربية الفلسطينية في أراضي الـ48، الغنية بالآثار والمعالم التاريخية، تصعّد الحكومة وأذرعها خطواتها وترصد ميزانيات إلى جانب تشجيع مستثمرين يهود في سبيل تهويد منطقة الجليل كسائر المناطق العربية بالداخل، وتستهدف كبرى المدن العربية، الناصرة، عن طريق بيع مبان تاريخية في سوق الناصرة القديم ليهود، كما حدث في يافا وعكا وحيفا واللد والرملة.
تارة يدعون وجود آثار يهودية تثبت أحقيتهم بالمناطق العربية، وتارة أخرى يحاولون إدخال مشاريعهم التهويدية تحت ستار البناء والتطوير، بهدف الاستيلاء على البلدات العربية وأسواقها ومعالمها الأثرية التاريخية، واقتلاع العرب الفلسطينيين من بيوتهم بادعاء ملكية الدولة لها بموجب القوانين التي سنّوها، ويتعرض سوق الناصرة منذ عقود لمخططات التهويد المستمرة، ويخشى الأهالي أن ينتهي الحال به، كما حدث للسوق في مدينة عكا، وتحديدًا في البلدة القديمة، حيث انخفض عدد سكان السوق العرب من 8 آلاف مواطن إلى نحو ألف و500 مواطن خلال 8 أعوام، بفعل مخططات التهويد.
تُعتبر الناصرة من أغنى المدن العربية الفلسطينية بآثارها ومعالمها التاريخية، بيوتها المقامة في سوق الناصرة العتيق هي معالم أثرية قيمة تؤكد هويتها وتروي حكايتها، حاولت الحكومة ولا تزال الاستيلاء عليها عبر محاولة إدخال ما يسمى "شركة تطوير عكا"، لكن أبناء سوق الناصرة كانوا بالمرصاد، فغيّرت الحكومة سبل الاستيلاء على السوق بشراء بعض البيوت بطرق ملتوية، كانت آخرها بيع بيت، مؤخرا، بمبلغ 518 ألف شيقل.
تجوّل طاقم موقع "عرب 48" بين أزقة البلدة القديمة، ورصد عبارات استنكار سكانها إزاء الوضع والخطر المحدق القائم والذي قد يتفاقم قريبا.
إغراءات
حدثنا أحد سكان سوق الناصرة، إبراهيم علي، أن "المستثمرين اليهود ويتبعهم السماسرة العرب، يتبعون طريقة الإغراء بالأموال لسكان البيوت القديمة للاستيلاء عليها، فعندما يتوفر لديهم المال والدعم الحكومي مقابل الضغط على سكان البلدة القديمة يمكنهم فعلا أن يتوصلوا لاتفاق بغرض شراء البيوت والحوانيت وكل ما تراه أعينهم من السوق فهم يملكون القدرة لذلك".
ومن جهته، قال ابن الناصرة، إيهاب سليمان، لـ"عرب 48" إن "دائرة أراضي إسرائيل تعرض البيوت القديمة للبيع في مناقصات ما يسمح للمستثمرين اليهود بالتعاون مع السماسرة العرب، بشراء البيوت من دائرة الأراضي، وآخر البيوت التي سمعنا عنها كان البيت الواقع في حي الموارنة داخل السوق، وقد بيع بأكثر من نصف مليون شيقل".
وأضاف: "نحن نرفض بيع البيوت القديمة والأثرية للغرباء لأن هذه البيوت ذات قيمة دينية وعربية وحضارية، ونحن نتطلع للمدى البعيد ويخيفنا أن تصبح البلدة القديمة بأكملها حارات يهودية بحتة، فجميعنا يدرك مساعي اليهود لطمس وتزييف الحقائق والمعالم والهوية العربية والدينية في البلاد".
ووافقه ابن البلدة القديمة، علي سليمان، الرأي وحذر من تبعات ما يحدث، مناشدا عبر "عرب 48" القوى السياسية العربية والقيادات المحلية بالناصرة "التدخل لمواجهة هذه الأساليب للاستحواذ على سوق الناصرة القديم".
وقال سليمان إن "بيع البيوت القديمة لجهات مشبوهة لا يخفى على أحد منا، ومخطط التهويد قائم، لكننا بالمرصاد، وطبعا تقع المسؤولية على عاتقنا جميعا كعرب في البلاد، ومن هنا أناشد المسؤولين العرب والجهات المختصة لحماية الهوية العربية، فكثير من القيادات العربية تعي تماما المخطط التهويدي ولهم بعكا ويافا مثالا عينيا، والناصرة أكبر المدن العربية تحتاج لتكاتفهم تحت راية المصلحة العربية أولا".
قضية وجودية
وبدوره، قال رئيس اللجنة الشعبية في البلدة القديمة، الحاج سمير السعدي، لـ"عرب 48" إن "قضية بيع البيوت القديمة في السوق تقض مضاجعنا جميعا، طبعا الناصرة هي معلم من المعالم العربية، ومسؤولية الحفاظ عليها وخصوصا على البلدة القديمة تقع علينا فردا فردا، ولأن البيوت القديمة تابعة لدائرة الأراضي، وبدورها تستغل ذلك لفتح باب المناقصات، فنحن دورنا توعية وتحذير السكان من خطورة البيع لجهات مشبوهة، وظيفتها إتمام خطة تهويد الجليل عبر مختلف السبل دون كلل أو ملل، بداية من محاولة الدخول عن طريق "شركة تطوير عكا" ونهاية بالدخول خلسة عبر شراء البيوت من دائرة الأراضي".
وأضاف أن "هذه القضية هي قضية وطنية وجودية قبل وبعد كل شيء، لذلك أناشد جميع الأطر والأحزاب بمد يد العون والتكاتف مع السكان لمواجهة السماسرة أولا ومن ثم المستثمرين اليهود، رفضنا سابقا محاولات إدخال شركة تطوير عكا إلى سوق الناصرة وتصدينا بشتى السبل المتاحة، والآن علينا أن نتكاتف لمنع الظاهرة الكارثية".
وختم السعدي بالحديث عن "بدء أولى الخطوات للتصدي لبيع البيوت في البلدة القديمة، عبر تكاتف الجهود من أهل الخير وترميم أول البيوت القديمة بمجهود فردي، للحد من الضغوطات والإغراءات التي يقدمها السماسرة، وطبعا لاحقا سوف يتبعها الكثير من الخطوات المماثلة".
سوق الناصرة في سطور
تعود بداية هذا السوق إلى القرن السابع عشر، مع العلم أنه قد شهد نهضة وازدهارا في القرن التاسع عشر.
كان السوق مصنفا في الماضي حسب التخصصات المختلفة مثل سوق المجلسين أو النجارين أو العرائس أو الخضار وغيرها.
اقرأ/ي أيضًا | الناصرة: بيع منزل بالبلدة القديمة لمستثمر يهودي
في السوق حوانيت للأدوات واللوازم البيتية والخضار والفواكه والحلوى التقليدية والأقمشة والشالات والخياطة والحياكة ومختلف أنواع الحرف.
وما يجعل زيارة السوق ذات نكهة متميزة، الروائح المنبعثة من أزقته وبيوته القديمة والعريقة.
اقرأ/ي أيضًا | الناصرة: عريضة تطالب البلدية بالتصدي لمخطط خنق المدينة
التعليقات