عشرينية التجمع: ظروف التأسيس

عشرون عامًا من الجهد والبناء ومواجهة الصعاب ومكابدة مشاق مسيرة نضالية لحزب عروبي ديمقراطي، وضع برنامجًا وطنيًا ومدنيًا ديمقراطيًا يراعي خصوصية حالة الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل وجمع شمل الحركة الوطنية.

عشرينية التجمع: ظروف التأسيس

الجيل الثالث للتجمع الوطني الديمقراطي في يوم عمل تطوعي في الزرنوق

يحتفل أبناء شعبنا في الداخل بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس حزب الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، التجمع الوطني الديمقراطي.

عشرون عامًا من الجهد والبناء ومواجهة الصعاب ومكابدة مشاق مسيرة نضالية لحزب عروبي ديمقراطي، وضع برنامجًا وطنيًا ومدنيًا ديمقراطيًا يراعي خصوصية حالة الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل وجمع شمل الحركة الوطنية في أعقاب اتفاقية 'أوسلو' وما نتج عنها من تداعيات سياسية على كافة المستويات، وعند كل فئات الشعب الفلسطيني، وطرح فكرًا قوميًا ديمقراطيًا مميزًا، يؤكد على الانتماء العربي الفلسطيني وحقوق المواطنة، وعلى ضرورة تنظيم مجموع العرب الفلسطينيين في الداخل، والدفاع عن كيانهم وحقوقهم في وجه المشروع العنصري الصهيوني، ويتحداه بمشروع 'دولة ديمقراطية لكل المواطنين'، بديلا ونقيضا لنظام الدولة اليهودية القائم.

تعرض التجمع ومؤسسه المفكر والمناضل د.عزمي بشارة إلى حملة ملاحقة سياسية غير مسبوقة. خلال عشرين عامًا رسخ التجمع وجوده كتيار مركزي على الساحة السياسية وأصبح خطابه السياسي والفكري مهيمنًا وله أثر واضح في أوساط الأقلية القومية الفلسطينية في الداخل.

ولادة الفكرة وتحويلها إلى تيار

يرى الأمين العام للتجمع وأحد المؤسسين الرئيسيين، عوض عبد الفتاح، أن 'فكرة تأسيس التجمع ولدت من أقلام عدد من المثقفين العرب وعلى رأسهم د.عزمي بشارة وعدد من الناشطين السياسيين، من حركة أبناء البلد والحركة التقدمية، بعد أن تراجعت قدرة الأحزاب نهاية ثمانينيات القرن الماضي من التأثير على جماهيرنا والحفاظ حتى على إنجازات يوم الأرض، وقدرتها على تحدّي المؤسسة، وخُلقت الحاجة لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل، فالحزب الشيوعي (باعتباره أحد التيارات السياسية المركزية في الداخل) تعامل مع الفلسطينيين في الداخل 'كقوة ديمقراطية إسرائيلية'، ولم يول الهوية العربية الفلسطينية اهتمامه، ولم يتحد يهودية الدولة، و'أبناء البلد' التي تمسّكت بالهوية الوطنية، أهملت مسألة حقوق المواطنة والنضال المطلبي، ولم يمتدّ نفوذها إلى غالبية القرى والمدن العربية، وواجهت تراجعًا حتى في الجامعات. إلى جانب هذا فإن الحركة التقدمية للسلام تراجعت وانحلت بعد فشها في انتخابات 1992، والحركة الإسلامية توسعت وسيطرت على بعض السلطات المحلية، وركزت أساسًا على أسلمة المجتمع. وجاء هذا كله في خضم تراجع العمل السياسي بشدة بعد الانتفاضة الأولى. هذه الوضعية كانت بموازاة اتفاقية 'أوسلو' التي أوهمت العرب الفلسطينيين في الداخل بأن إقامة دولة فلسطينية من جهة، وتحقيق المساواة من جهة أخرى بات قريبًا”.

وقال أحد المؤسسين، د. محمود محارب، والذي انتخب أول أمين عام للحزب في مرحلة التأسيس، 'لم يكن تأسيس التجمع مجرد إضافة حزب جديد ينشط على الساحة بين العرب الفلسطينيين في البلاد، وإنما حزب يحمل مشروعًا وطنيًا ساهم في بلورته العديد من الشخصيات برز من بينهم د. عزمي بشارة ولعب دورًا محوريًا في تأسيس وبناء التجمع تنظيميًا وكذلك في وضع الركائز الأساسية، الفكرية والسياسية، لهذا المشروع القومي.  اعتمد مشروع التجمع محورين أساسيين، الأول حول الحقوق الجماعية للعرب في الداخل انطلاقا من كوننا جزءًا من الشعب الفلسطيني وأقلية قومية داخل إسرائيل، وحددنا حقوقنا التي هي أيضا رديف الحقوق الفردية لنا، والثاني تمحور حول تحصيل حقوقنا القومية وانتزاع المساواة التامة والذي بموجبه يجب تغيير طابع إسرائيل من دولة يهودية إلى دولة جميع مواطنيها بحيث يحصل  العرب الفلسطينيون على حقوقهم القومية إضافة إلى حقوقهم المدنية الفردية'.    

يقول النائب د. باسل غطاس إنه 'بعد التأسيس والحصول على تمثيل برلماني لأول مرة مع دخول عزمي بشارة للكنيست عام ١٩٩٦ وتميزه في العمل البرلماني من خلال حمله لهذا المشروع الجديد التفت التجمع لبناء الحزب كمؤسسة ديمقراطية حديثة، ولتحويله لحركة سياسية ذات امتداد شعبي واسع. وكانت هذه عملية صعبة وتحمل في طياتها تحديات كبيرة ومعقدة تصدى لها المؤسسون بكل عزيمة لتوسيع الصفوف وتنظيم الحركة الوطنية، مدركين أن المشروع السياسي مهما كان مهمًا ورياديًا وملائمًا لاحتياجات الناس ولأمانيهم، فهناك حاجة حياتية لبناء الإطار الذي يحمل المشروع ويسعى لتحقيقه من خلال النضال الشعبي والبرلماني”.

بدوره أشار رئيس الحزب، واصل طه، إلى 'تعرض التجمع إلى الملاحقات ومحاولات الشطب وإخراجه خارج القانون، إلا أننا كنا قد استفدنا من عملية خنق إقامة الجبهة الشعبية في الخمسينيات وجماعة الأرض في الستينيات ومحاولات شطب التقدمية فيما بعد وملاحقة حركة أبناء البلد وكافة الوطنيين، وصمد التجمع أمام عاصفة هذه المحاولات، ويعود ذلك إلى العوامل الآتية: صمود قيادته ومثابرتها في العمل ميدانيًا من أجل ترسيخ أفكار التجمع بين الناس، العمل التنظيمي وبناء فروع ترتكز على الشخصيات الوطنية مما رسخ مصداقية مشروعنا جماهيريا، الأدوات النضالية الجديدة مثل كشف هذه المحاولات أمام الرأي العالمي وفضح المؤسسة الإسرائيلية وممارساتها الظالمة والعنصرية، وقد تألق النائب عزمي بشارة في حينه ممثلنا في الكنيست في عرض قضايانا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي كل مرة كنا نتجاوز هذه العراقيل بدعم جماهيري واسع'.

تنتمي النائبة حنين زعبي إلى الجيل الأول من التجمعيين الذي جاؤوا إلى الحزب دون خلفية حزبية أو حركية سابقة، وقالت في هذا السياق: 'حاولت صديقتي عرين (هواري) جاهدة أن تجعلني أتنظم في صفوف التجمع، لكنني لم أفعل ذلك إلا في فترة متأخرة نسبيًا، بعد سنتين من إقامة التجمع أو حتى ثلاث سنوات، كنت أقول لها 'لا أريد أن أتنظم، لكن أرجوك قومي بدعوتي لكل محاضرات عزمي بشارة'. 

وتابعت: 'لكن من يستمع لعزمي بشارة، وهو المؤسس الفكري للتجمع - الذي شارك العديد في تأسيسه كتنظيم- لا يستطيع أن يبقى خارج التنظيم، والتنظيم لا يعني شيئا دون الأساس الفكري الأخلاقي السياسي الواضح، الذي يجيب على تحديات تقصر في الإجابة عليها الأحزاب الأخرى.  لقد استوعب التجمع قناعاتي المبعثرة، العاطفية والوجدانية، والخالية من أهداف ومن برنامج عمل، ومن مشروع، ووضعها في إطار متماسك من التحليل السياسي غير مساوم في أهدافه، ضمن سياق تاريخي لم يساوم على تاريخي، وضمن نهج وقيم إنسانية تصالح بين سيادة الإنسان على نفسه وبين سيادة الوطن، بين قدسية كرامة الإنسان وحريته وبين حقوقه الجماعية. فاستوعبني إنسانة، إمرأة، فلسطينية'.

التعليقات