23/11/2023 - 17:01

صفقة التبادل شهادة فشل لإسرائيل

ربّما التشخيص الأكثر دقّة لما يجول في خاطر الرأي العامّ الإسرائيليّ جاء على لسان أحد الصحفيّين الإسرائيليّين المخضرمين الّذي قال، رأينا في السابق أيضًا جنرالات يرتدون معاطف الحرب، ويقولون سنقضي على عرفات، وسنقضي على حزب اللّه... 

صفقة التبادل شهادة فشل لإسرائيل

دبّابة إسرائيليّة على تخوم قطاع غزّة (Getty)

بعد 47 يومًا من الحرب الإسرائيليّة المتوحّشة على غزّة، الّتي اقترن فيها إطلاق العنان لماكنة القتل والدمار الأكثر فتكًا في العالم، مع انفلات عقال العقليّة الساديّة العنصريّة الكامنة في الطبيعة الاستعماريّة لكيانها القائم على الإبادة ونفي الآخر، وبرغم سقوط عشرات آلاف الشهداء والجرحى وتدمير عشرات آلاف المباني والبيوت وتهجير مئات آلاف الغزيّين من شمال القطاع إلى جنوبه، ها هي إسرائيل بقيادتها السياسيّة والعسكريّة المتبجّحة، الّتي ما انفكّت تهدّد بالقضاء على حماس وقتل قيادتها، تضطرّ صاغرة إلى التفاوض مع قيادة حركة حماس وإبرام صفقة أوّليّة لتبادل الأسرى تشمل إطلاق سراح الأطفال والنساء من الطرفين.

خلال ما يقارب العشرين يومًا من الحرب البرّيّة، ظلّت إسرائيل تبحث خلالها عن الضيف والسنوار وسائر قيادات حماس لتقضي عليهم، أو تجلبهم أذلّاء مهزومين، على حدّ تعبيرها، وقامت بمحاصرة واقتحام وتدمير أقسام كاملة من مجمع الشفاء الطبّيّ بادّعاء أنّ تلك القيادة تتمترس في خنادق وأنفاق تحته، ليتمخّض الجبل فيلد فأرًا، ويطلع علينا رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت ليقول لو كانوا سألوني قبل أسبوعين لقلت لهم إنّ قيادة حماس موجودة بخانيونس في جنوب القطاع، ثمّ يطلّ علينا رئيس الحكومة الأسبق إيهود براك ليكشف أنّ الإنفاق والطبقات التحت أرضيّة الموجودة في مستشفى الشفاء كانت قد بنتها إسرائيل نفسها عندما كانت تسيطر على القطاع.

ها هي القيادة الإسرائيليّة الّتي دفعها فشلها العسكريّ والاستخباريّ والسياسيّ الّذي أصابها في السابع من أكتوبر، إلى شنّ حرب دمويّة مجنونة على قطاع غزّة، تجرجر أذيال فشل آخر، وتبرم خاضعة صفقة لإطلاق سراح مع قيادة حركة المقاومة الإسلاميّة - حماس بعد أن فشلت خلال 47 يومًا من الحرب في الوصول إليهم أو كسر مقاومتهم، وذلك رغم تحويل غزّة إلى بحر من الدماء وارتكاب كلّ أنواع جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة.

لقد اعترف الجنرال احتياط غيورا أيلند، في لقاء مع القناة الثانية صباح اليوم الخميس، أنّ منظومة حماس بعيدة عن الانكسار، ناصحًا الجيش الإسرائيليّ باستمرار الضرب على الحلقة الضعيفة المتمثّلة بالجانب المدنيّ، من خلال استمرار الضغط على سكّان غزّة وتشديد الحصار المتمثّل بمنع دخول الماء والدواء والوقود والغذاء، كوسيلة للتأثير في معنويّات المقاتلين الّذين هم يمثّلون حلقة صلبة يصعب كسرها.

ويضاف اعتراف آيلند إلى ترجيحات العديد من المحلّلين العسكريّين القائلة بأنّ مسألة انكسار حماس ما زالت بعيدة، وقد تحتاج إلى أشهر وأكثر، وربّما تكون عمليّة مستحيلة أيضًا، فنرى شلومي الدار، يكتب يدعو إلى التوقّف عن الحديث بشأن اليوم التالي لأنّ حماس لن تذهب إلى أيّ مكان، يوصف الشعور الإسرائيليّ الّذي يرافق هذه الصفقة بأنّه خليط قاس من الصدمة والألم والفرح، ويطالب الحكومة وأجهزة الأمن الاعتراف بأنّ أيًّا من خططها وأحلامها وتخريفاتها المتعلّقة بالقضاء على حماس لن تتحقّق...

ويضيف الدار، إنّ إسرائيل وهي تعطي الأولويّة لتحرير أولادها ونسائها ومدنيّيها وجنودها بدأت تدرك أنّ القضاء على حماس هو طموح يشوب تحقيقه العديد من علامات السؤال، مشيرًا إلى أنّ حماس ستتلقّى ضربة، حيث دمّرت بنيتها وسيتواصل تدميرها، كما سيجري ترميم الردع الإسرائيليّ، ولكنّ حماس لن تختفي... لذلك فإنّ جميع الاستعدادات والمخطّطات لليوم التالي، ما بعد حماس، هي سابقة لأوانها، كما يقول.

أمّا المحلّل العسكريّ أمير أورن، فيرى في سياق المبارزة الشخصيّة، بأنّ يحيى السنوار وجّه ضربة قاضية لنتنياهو، ويعتقد أنّ عمليّة تحرير الأسرى على دفعات ستستمرّ وتطول، وأنّ الحكومة الإسرائيليّة لن تستطيع استئناف الحرب طالما يلوح السنوار برهائن إضافيّين للتبادل، كما أنّ تعليمات إطلاق النار ستمنع المسّ به وبرفاقه… ما يعني أنّه، حتّى لو كان حكم اللعبة جو بايدن قد أطلق انتهاء النصف الأوّل، فإنّ الهواء قد نفذ من العجلات الإسرائيليّة قبل الوصول إلى الهدف المعلن بالقضاء على حماس وقتل قادتها.

ويخلص أورن إلى القول إنّه حتّى لو تجدّدت الحرب، في حال فشلت الدبلوماسيّة بالتوصّل إلى صفقة شاملة مقابل هدنة دائمة، وحتّى لو تحقّق حلم اغتيال سنوار وضيف ورفاقهم، فإنّ ذلك لن يمحو هزيمة نتنياهو أمام السنوار الّذي إذا ما بقي، فعلى نتنياهو أن يذهب.

وربّما التشخيص الأكثر دقّة لما يجول في خاطر الرأي العامّ الإسرائيليّ جاء على لسان أحد الصحفيّين الإسرائيليّين المخضرمين الّذي قال، رأينا في السابق أيضًا جنرالات يرتدون معاطف الحرب، ويقولون سنقضي على عرفات، وسنقضي على حزب اللّه...

التعليقات