04/05/2008 - 14:41

استقلالهم ونكبتنا.. صراع القوة والحق../ مصطفى طه

استقلالهم ونكبتنا.. صراع القوة والحق../ مصطفى طه
ببراءة الأطفال لم نكن لنعي لماذا أصرّوا على تعليمنا في الأناشيد المدرسية: "بعيد استقلال بلادي غرّد الطير الشادي"، ولماذا كان حماس مدير المدرسة أو بعض المعلمين زائدا الى هذا الحد لتزيين الصفوف وساحات المدارس بصور "بن غوريون" و"غولدا مئير" و"موشيه ديان" ومئات الأعلام الاسرائيلية وغيرها من رموز "استقلال بلادي".

ومع الزمن أدركنا كبارًا لماذا يجبرون الضحية أن تحتفل بنكبتها، وما الهدف من فرض الرواية التاريخية المزيفة علينا لتكون في الصغر كالنقش في الحجر، وأدركنا لاحقًا أيضًا كم هو الفرق شاسع بين "عيد الاستقلال" ويوم الاستقلال، أو بين "وزير الدفاع" ووزير الحربية وغيرها من الاصطلاحات الهادفة لاغتيال ما بقي حيًا من ذاكرتنا الجمعية.

الاستقلال والنكبة روايتان متصارعتان، كانتا ولا زالتا، وتنفى كل منهما الأخرى لأن يوم استقلالها يوم نكبتنا، فستون عام على استقلالهم تقابلها ذكرى ستون عامًا على سلب الوطن وما سبقه وتزامن معه وتبعه من قتل وهدم وتهجير وجرح نازف لم يلتئم بعد، وأم تحتفل فرحًا باستقلالهم تقابلها أم رسم الدهر أقسى ملامحه على جبينها الأسمر ويقتلها الحنين الى ابن قُتل وعائلة تشردت وبيت هدم وتراب تموت شوقًا للقائه من جديد بعد أن جُبل بطفولتها، فوراء كل باب رواية، وخلف كل ما تبقى من انقاض قصة لا يدرك كنه مرارتها إلا من عايش قسوتها على جلده.

الرقم (60) لا يختلف كرقم مجرد عما سبقه من أرقام ابتداءً بالرقم (48) إلا بحجم تراكم الجرائم الصهيونية التي تطال البشر والشجر والحجر، ولكن تأتي رمزية هذا الرقم في هذا العام بالذات لأنه يتزامن مع محاولة تصفية الثوابت الفلسطينية بالكامل وإغلاق ملف العودة واللاجئين نهائيًا بدعم دولي وشبه اجماع عربي صامت تمثل من خلال لقاء أنابوليس الذي كان أشبه بلقاء جنائزي للاحتفال بدفن ما تبقى حيًا من ثوابت فلسطينية من ناحية، ومحاولة فرض يهودية الدولة وتكريس طابعها من ناحية أخرى، بما فيه علينا عرب الداخل، أصحاب الأرض الأصليون، لتصبح مواطنتنا مواطنة مع وقف التنفيذ.

وتتزامن الذكرى الستون للنكبة أيضًا مع حالة فلسطينية معيبة لحركة تحرر وطني لا زالت تقاتل الاحتلال، وفصائل متناحرة تطال عبثية صراعها الذات الفلسطينية لينسى البعض ان البندقية حين تفتقد لبرنامجها السياسي تصبح بندقية لصوص.

تتزامن الذكرى الستون لاستقلالهم ونكبتنا مع ظرف دولي يحاول فرز العالم، بما فيه العالم العربي بين محوري التطرف والاعتدال، يصطف العالم العربي بموجبه في المحور الثاني ليصبح هذا الفرز هو عنوان المرحلة لتهميش القضية الأساس، القضية الفلسطينية، عبرت عنه وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بأوضح أشكالها في لقاءات "المشايخ" في الخليج العربي.

وتتزامن الذكرى الستون لاستقلالهم ونكبتنا أيضًا مع تعثُر المشروع الشرق أوسطي الجديد الذي رسم ملامحه بوش وحاولت تسويقه كونداليزا رايس، وتعطل بفعل المقاومة اللبنانية التي رسمت حدود المرحلة الجديدة فخلقت واقع توازن الرعب الذي ابطل مفعول اختلال توازن القوى.

ستون عاماً من استقلالهم وستون على نكبتنا ومسرح الجريمة لا زالَ حيًا فيه ركام البيت شاهد عيان، والقبر أدلة إثبات في لائحة الاتهام التي تبيّن بوضوح من هو الجزّار ومن هو الضحية..

التعليقات