05/10/2009 - 10:43

فضيحة الموقف الفلسطيني الرسمي من تقرير غولدستون../ يونس العموري*

فضيحة الموقف الفلسطيني الرسمي من تقرير غولدستون../ يونس العموري*
هل هو القرار الإعتباطي؟ أم أنه قرار مدروس له الكثير من الخبايا والاستحقاقات؟ حيث لا يمكن وصف قرار إرجاء التصويت على مشروع القرار المقدم إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان في دورة انعقاده الأخيرة في جنيف، الذي كان من المفروض له أن يتبنى تقرير ريتشارد غولدستون، ويتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، إلا على أنه وصمة عار على جبين من اتخذ مثل هذا القرار... الأمر الذي لا يمكن تبريره بالمطلق أو محاولة تجميله بشيء من الفعل الدبلوماسي المحلي وتحميل المسؤولية لأطراف إقليمية ودولية كونها قد تآمرت على الطرف الفلسطيني الرسمي في مجلس حقوق الإنسان. إلا أن الأمر لم يعد هكذا ففي ظل موافقة البعثة الفلسطينية على إرجاء فعل التصويت بصرف النظر عن مسببات ومعللات فعل التأجيل والإرجاء هذا، تم كشفت اللثام عن فعل الفضيحة والمهانة ذاتها. فقد نتفهم أن يكون للدبلوماسية مجالها وعملها وقوانينها ولكن لا يمكن أن نتقبل هذه الفعل المسمى "دبلوماسي" الذي من شأنه خربشة كل معادلتنا التحررية، والتي من المفروض أن الدبلوماسية تنطلق من خلالها مستندة على قاعدة المفاهيم النضالية التحررية وبهدف إحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية ومطاردة الاحتلال بكافة المحافل والهيئات الدولية.. وهو الأمر الطبيعي والمفروض أن يكون.

إن الجماهير الفلسطينية بمختلف توجهاتها وشرائحها الاجتماعية وبكافة أماكن اللجوء والشتات قد صُعقت عندما تناقلت وسائل الإعلام طلب السلطة رسمياً بسحب هذا التقرير من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان الدولي وأصيبت بالذهول، فلا توجد سلطة أو حكومة على وجه الأرض تقف ضد مصالح شعبها أو ضد إنصافه بعد مجازر وجرائم لا مثيل لها من قبل، وتقدم طوق نجاة للاحتلال الذي كنا نتطلع أن نرى قادته الملطخة أيديهم بدماء الأبرياء أمام المحاكم الدولية. وهو أيضا ما يفترض أن تتعامل معه دبلوماسية منظمة التحرير الفلسطينية على أساس الحقوق الفلسطينية ومطاردة جرائم الاحتلال.

وحيث أن الفضيحة كبيرة جدا، وشكلت صاعقة وصدمة للأوساط الفلسطينية حتى القيادية منها، فقد بدأت محاولات تجميل الموقف الفلسطيني الرسمي الذي حمل في طياته اتهامات متبادلة وإنكارات أخرى للضلوع بالمسؤولية عن هذا القرار، مما أسهم في خلق حالة إرباكية حول ماهية الأداء الفلسطيني بشكل غير مسبوق. وهنا يبرز فعل التباري وتصفية بعض الحسابات حيث تناقض الرؤى وممارسة أعتى أشكال اللفظ الكلامي؛ فاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تنفي مسؤوليتها عن القرار، والحكومة تنفي علاقتها بمثل هذا القرار، واللجنة المركزية لحركة فتح تطالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في دور منظمة التحرير الفلسطينية في إجهاض تقرير لجنة تقصي الحقائق.

وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها فقد جاء إرجاء بحث التقرير بضغط أمريكي وإسرائيلي إلى الدورة القادمة لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان لإتاحة المجال لإسرائيل للقيام بتحقيق صوري، مما يعني إجهاض التقرير ونتائجه وتفويت فرصة محاسبة إسرائيل على جرائمها. وهو الأمر الذي لا يخفى عن صُناع القرار الفلسطيني الرسمي مما يعني بشكل أو بآخر تواطؤا وإلقاء طوق النجاة إلى الاحتلال الإسرائيلي.

اعتقد أننا هنا أمام سابقة خطيرة لابد من إعادة الحسابات الفلسطينية بشأنها. ومفهوم الحسابات هنا له علاقة بإعادة مفاهيم العمل الدبلوماسي السياسي في أروقة ودهاليز الهيئات الدولية ومنطلقات التوجهات الفلسطينية بعد خربشة هكذا مفاهيم بالظرف الراهن وعقد الصفقات على الحساب الوطني، إذا ما جاز التعبير... وحتى يكون الإنصاف سيد الموقف فالمسألة لا تتعلق بإدارة الفعل الدبلوماسي ذاته، وإنما يتصل بالشكل المباشر لثوابت التحرك السياسي وتحديد خارطة طريق العمل السياسي الفلسطيني وقوانينه والقواعد التي من المفروض أن يستند عليها التوجه السياسي الفلسطيني، وتحديد شكل وطبيعة خطاب السلطة الفلسطينية المفترض أنها خاضعة لسلطة منظمة التحرير الفلسطينية وتوجهاتها والعكس غير صحيح.

إن ما تذهب إليه التبريرات الفلسطينية الرسمية لدواعي سحب قرار التصويت على التقرير تبدو باهتة وغير مقنعة بالمطلق، حيث أننا نعلم علم يقين طبيعة العلاقة الجدلية القائمة ما بين واشنطن وتل أبيب، ولسنا بحاجة لمن يقنعنا أو يقنع العالم بأن واشنطن قد مارست ضغوطا لسحب القرار وإرجاء فعل التصويت عليه، لكن أن يدعي الطرف الفلسطيني أن موافقته على مشروع سحب القرار جراء الضغط الأمريكي فهذا بحد ذاته فضيحة أيضا.

المسألة، بتصوري، ليس لها علاقة بممارسة الضغوط على السلطة وقيادة منظمة التحرير بقدر ما أصبحت نهج مسلكي تتعاطى معه السلطة بمختلف القضايا الوطنية حيث الرهان الدائم والمستمر على تقديم الاستحقاقات والمتطلبات لبقاء هياكل السلطة قائمة وتدفق المساعدات المالية من قبل المحور الأمريكي الإسرائيلي، وعلى مختلف المستويات. وحيث أن تقرير غولدستون، فيما لو تم إقراره من قبل مجلس الدولي لحقوق الإنسان، كاد سيشكل مقدمة فعلية لتقديم قادة الدولية العبرية إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب، وهو الأمر الذي لطالما كان هدف الفعل السياسي الفلسطيني الرسمي وذاك المرتبط بمؤسسات حقوق الإنسان المناصرة لقضايا الشعوب وحقوقه الوطنية والإنسانية.

إن الفضيحة الأخلاقية قد تجلت بكل صورها جراء الموقف الفلسطيني هذا، وبالتالي فإن أي تبرير لا يعقل أن يلقى آذانا صاغية فالحقيقة الراسخة اليوم أن سلطة القرار الفلسطيني قد أسهمت في إجهاض قرار أممي وغير مسبوق كاد أن يكون سابقة تاريخية في أتون الصراع العربي الإسرائيلي ويعري الاحتلال وممارسته العنصرية وجرائمه التي تصل لدرجة جرائم الحرب وإبادة الجنس البشري....

وبذات السياق وحتى تستوي الأمور فلابد من تحرك شعبي جماهيري يجبر صُناع القرار الفلسطيني على تغير منهجها ومفاهيمها المستحدثة والمستهجنة، وذلك من خلال تنظيم أوسع حملات شعبية تشترك فيها كافة مؤسسات المجتمع المدني والفعاليات والشخصيات الوطنية لإصدار الموقف الشعبي الجماهيري الوطني بالدعوة إلى محاسبة كل من أسهم في صناعة الفضيحة الأخلاقية الفلسطينية الرسمية الجديدة هذه.

التعليقات