30/06/2010 - 13:12

إسرائيل تجري إلى حرب../ علي جرادات

إسرائيل تجري إلى حرب../ علي جرادات
للسياسة لغتان، سلمية وعنيفة، واستبعاد الأولى يعني إحلالاً للثانية، والعكس صحيح. والمسيرة العملية للسياسة الإسرائيلية جاءت مصداقاً لهذا القانون. واليوم تواجه السياسة الإسرائيلية جملة من التحديات في فلسطين ولبنان وسوريا، هي عمليا حصيلة رفضها التعامل بلغة سلمية مع الصراع العربي، هذا فضلا عن تشابك هذه التحديات مع التحدي الإيراني المتنامي. وكانت حكومة أولمرت قد حاولت حسم هذه التحديات عبر شن حربين عدوانيتين، الأولى على لبنان في صيف 2006، والثانية على غزة نهاية 2008، غير أن الحربين مع كل ما تركتاه من تدمير لم تفضيا إلى الحسم المنشود، بل على العكس، فقد جاءت النتائج معاكسة، وخاصة في لبنان، حيث تلقت آلة الحرب الإسرائيلية، وبإقرار رسمي إسرائيلي، هزيمة غير مسبوقة، تركت بصماتها بقوة على الوجه السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي الإسرائيلي.

في ضوء فشل الحربين، وللتغطية على عمليات الإعداد لحرب جديدة، عادت إسرائيل إلى التلفع برداء الراغب في التوصل إلى تسوية سياسية، وخاصة على الصعيد الفلسطيني، وفي هذا الإطار، فكانت مفاوضات أولمرت المباشرة، واليوم مفاوضات نتنياهو غير المباشرة، لكن، وكما أن مفاوضات أولمرت لم تسفر عن نتيجة، اللهم عن تكريس المزيد من حقائق الرؤية الإسرائيلية على الأرض، فإن مفاوضات نتنياهو لن تسفر عن نتيجة، خاصة وأن حكومته أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً ونزوعا فاشيا.

بلى، رغم التلفع برداء الراغب بإحراز تسوية سياسية، فإن حكومة نتنياهو- ليبرمان، تواصل إجراءاتها الحربية على الأرض، فمن مواصلة الحصار وعمليات القصف والقتل والإجتياحات الجزئية في غزة، إلى تكثيف عمليات الإستيطان وتقطيع الأوصال والقتل والإعتقال في الضفة، إلى ما يجري في القدس من استكمال لعمليات التهويد والتفريغ. بل إن حكومة نتنياهو ليبرمان لم تراعي حتى الشكليات الدبلوماسية، وتغطي إجراءاتها على الأرض بأوامر عسكرية وقرارات ومخططات علنية سافرة، فبعد الأمر العسكري 1650 الرامي إلى تفريغ الضفة الغربية من آلاف المواطنين، جاء قرار مركز الليكود القاضي باستئناف العمليات الاستيطانية في شهر أيلول، موعد انتهاء مدة قرار "التجميد المؤقت للاستيطان"، وهو قرار صوري لم يشمل القدس أصلاً، ولم يجر الالتزام به فعليا في الضفة. ويأتي الإعداد لتقديم أوسع خارطة هيكلية للقدس منذ خمسين عاما بهدف تعزيز الإستيطان فيها وتكريس ضمها ليقطع الشك باليقين في أن رداء الرغبة في التسوية ما هو إلا موسيقى تصويرية لما يجري من إعداد لحرب جديدة من جهة، وتكريس للرؤية الإسرائيلية على الأرض من جهة ثانية.

عليه، بات بدهياً الاستخلاص أن الحكومة الإسرائيلية ليست في وارد التوصل إلى اتفاق سياسي. بل ولا تخفي نواياها العدوانية وتحضيراتها لشن المزيد من الحروب والاعتداءات، ذلك بالنظر إلى قيام الجيش الإسرائيلي بمجموعة من التدريبات والمناورات العسكرية غير المسبوقة، ما يشير إلى أن عنف السياسة الإسرائيلية بادٍ حتى لمن يعرف ألف باء السياسة. لكن السؤال: ترى إلى أية جبهة تشير بوصلة الآلة العسكرية الإسرائيلية؟؟؟

برغم أن السياسة "جبر" وليست "حسابا"، أي تنطوي على المجهول دوماً، وبرغم علو وتيرة التهويل الإسرائيلي حول الملف النووي الإيراني، والتعامل معه كتهديد وجودي إستراتيجي، إلا أنني أعتقد أن التحدي اللبناني هو ما يقلق مركز القرار الإسرائيلي أكثر، ذلك أنه تهديد مباشر لا يمكن التعايش معه إلى الأبد، خاصة وأن محاولات حسمه فشلت مرتين، مرة بالهزيمة العسكرية التي تلقاها الجيش الإسرائيلي في حرب صيف 2006، وأخرى في الفشل في تفجير التناقضات اللبنانية الداخلية من جهة، وتفجير العلاقة بين سوريا ولبنان من جهة ثانية، الأمر الذي يفرض ضرورة إيجاد حل لهذا التحدي المتشابك مع غيره من التحديات، وخاصة الإيراني والسوري.

وأعتقد أن هنالك مجموعة من العوامل ترجح أن يكون لبنان مسرحا للحرب القادمة، لعل أبرزها:

أولاً: إن التحدي الفلسطيني بالمقدور السيطرة عليه، خاصة في ظل الانقسام الداخلي وعدم بروز أية مؤشرات جدية تشي بإمكانية رفع سقف الموقف الرسمي العربي في إسناد الفلسطينيين في مواجهة الصلف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي السافر له، ولعل في النتائج السياسية الشكلية التي أسفرت عنها حملات التضامن ضد حصار غزة ما يعزز هذا الاستنتاج.

ثانياً: إن قرار الحسم العسكري مع التحدي الإيراني لا يمكن أن يكون قرارا إسرائيليا تجري تغطيته أمريكيا، بل هو قرار أمريكي تحث عليه إسرائيل وتشارك فيه في حال جرى اتخاذه، وهو قرار وإن كان ليس مستحيلاً، فإنه قرار مستبعد، على الأقل في ظل عدم حسم الأمور للصالح الأمريكي في أفغانستان وبدرجة أقل في العراق.

ثالثاً: أما قرار الحسم العسكري مع لبنان، فإنه ورغم حاجته إلى تغطية ودعم أمريكي، يبقى في النهاية قرارا إسرائيليا، خاصة وأنه من التحديات التي لا يمكن لإسرائيل الرافضة للسلام التعايش معه، خاصة مع ما ألحقه بقوة ردعها من هزيمة في صيف 2006.

خلاصة القول: ما دامت اللغة السلمية للسياسة الإسرائيلية في التعامل مع التحديات الواقعية غائبة بقرار واع ومخطط، فإن لغتها العنيفة ستكون خياراً مفتوحاً، بصرف النظر عن متى وأين وكيف؟؟؟ ما يسمح باستخلاص أن إسرائيل تجري إلى حرب، وأن مجموعة من العوامل لم نأت إلا على أبرزها، ترجح أن بوصلة الآلة العسكرية الإسرائيلية تتجه شمالاً إلى لبنان، فهناك يقع التحدي المقلق أولا، والأكثر تشابكاً مع باقي التحديات ثانياً، والإيراني منها تحديداً.

التعليقات