31/10/2010 - 11:02

أيها المبدعون العرب تعالوا الى القدس../ يونس العموري*

أيها المبدعون العرب تعالوا الى القدس../ يونس العموري*
مما لاشك فيه أن حالة الجدل التي صاحبت وما زالت تصاحب اعلان القدس عاصمة للثقافة العربية متواصلة ومستمرة، والشيء الطبيعي أن تستمر وتتصاعد، كون القدس وقضاياها تشكل بحد ذاتها حالة جدلية تعكس الكثير من المسائل ذات الصلة والعلاقة بالتعاطي الفلسطيني على وجه الخصوص والحالة المقدسية وشؤونها، وتعاطي العالم العربي على مختلف مستوياته وقضية القدس، الأمر الذي يكشف في طياته طبيعة الرؤى العربية الرسمية وتلك الشعبية ومسألة القدس.

وبصرف النظر عن الرأي المسبق من مسألة عواصم الثقافة العربية وتحولها إلى ثقافات تعكس الرؤية الرسمية العربية بالتعاطي والشأن الثقافي. بمعنى أن الثقافة العربية والتي يتم تقديمها من خلال احتفاليات العواصم العربية تعكس ثقافة عربية ذات لون واحد، له علاقة بنهج هذا النظام او ذاك، وغالبا ما يسيطر على المشهد الثقافي بهكذا احتفالات تلك الثقافة المعولبة برأس الهرم السلطوي للنظام العربي عموما، والذي بات يستقطب مثقفي "البزنس"، وتمت السيطرة عليها بالكامل من هذه الأنظمة التي عملت على توظيف الثقافة بما يخدم مصالح وتوجهات النظام الرسمي، إلا أن احتفاليات العواصم العربية للثقافة العربية تبقى مظهرا عربيا من الممكن أن يقدم للثقافة العربية الهوامش التي من خلالها من الممكن تقديم شيء من الإبداع ليجد له الطريق السالك نحو جمهور الثقافة المتناقص في ظل عصر العولمة وصناعة ثقافة أخرى لا تنتمي للعروبة بشيء، حيث أضحى المثقف واحدا من هؤلاء الذين يتوقون لأن يكونوا في عديد حاشية السلطان ليكون له النصيب الأوفر من نيل العطايا، الأمر الذي حول فعل الثقافة الى مهرجانات يسيطر عليها زعماء وممالك المنطقة على مختلف مواقعهم المحورية.

إلا أنه وبرغم كل هذا لم يجد المثقف العربي الحقيقي مناصا من أن يتعاطى وفعاليات عواصم الثقافة العربية على الرغم من حالة الاستبعاد له بالكثير من الأحيان، وتركه على هوامش العمليات الاحتفالية، وهو ما يبدو واضحا وظاهرا بالتشكيلات الرسمية للجان تنظيم الفعاليات الثقافية، وهو ما يمكن استيعابه من قبل المثقف ذاته على اعتبار أن فعل تسييس العملية الثقافية الإبداعية قد أصبح جزءا من صناعة التوجه الثقافي للنظام العربي بما ينسجم وشروط العملية السياسية لهذا الطرف أو ذاك، وهو الأمر الذي تعاطى معه هذا المثقف من خلال الأمر الواقع.

ويبقى لاحتفالية العام 2009 للثقافة العربية الكثير من الخصوصية كونها للقدس وفي القدس، وحيث أن هذه الخصوصية يجب أن تفرض ذاتها على المشهد الثقافي عموما بل وعلى المشهد السياسي العربي لابد من ان يتم التعاطي مع القدس أيضا بشيء من الخصوصية ولعل حالة الجدل المسيطرة الأن في اروقة المجتمعات الثقافية العربية لخير دليل على حقيقة وطبيعة هذه الخصوصية، مما يفرض ويتطلب حالات ابداعية بالتفكير تخرج عن النمط التقليدي لحالة التفكير والإنتاج، حيث بات لا يخفى على أحد حجم الاستهداف التي تتعرض له القدس، ليس على المستوى الثقافي فحسب، بل وفي حقيقة وجوهر الأمر ثمة معركة مصيرية واضحة المعالم تدور رحاها الآن في القدس تستهدف الكل العربي للقدس سياسيا وحضاريا ووجوديا، الأمر الذي يتطلب أيضا تجديد أدوات مواجهة السياسات الإسرائيلية من خلال الإنتقال من حالة الدفاع السلبية الى حالة هجومية تستنفر من خلالها كافة أشكال المقاومة الشعبية والجماهيرية، وبالتالي الثقافية للمساهمة في حالة إثبات الوجود العربي الحضاري في القدس، مما يتطلب البحث عن أساليب عربية تتيح الفرصة للكل القومي العربي، أولا للإسهام في المعركة على الطابع العربي للمدينة، وثانيا لتقديم الثقافة بأبهى حالتها في القدس.

وهذا يعني ضرورة اختراق كافة أشكال الممنوعات لفرض الحقائق على الأرض لإمكانية استعادة الثقافة العربية لدورها الريادي والطبيعي في التصدي لقضايا الأمة، وهو ما غاب عن المشهد الثقافي العربي في الفترة الأخيرة حيث الثقافة الإستهلاكية وفقا لضرورات المرحلة وما يمليه الحاكم.

واعتقد أن الفرصة مواتية الآن للمثقفين العرب بالتقاط اللحظة والمناسبة لإعادة ترتيب البيت الثقافي بما ينسجم والمشروع النهضوي القومي العربي، والتي تضطلع الثقافة فيه للدور الأبرز في معارك القدس كافة، بل نستطيع القول هنا إن إعادة تموضع الشأن الثقافي من جديد في مشهد المواجهة له الكثير من الفرص من خلال احتفالية القدس كعاصمة للثقافة العربية اذا ما تم التعامل مع هذه المسألة بشيء من الجدية والمسؤولية الخلاقة، وبشكل مكثف ليكسر حاجز الصمت ولتجسيد الفعل المقاوم لنصرة القدس من خلال العمل الثقافي ذي المستوى الإبداعي، حيث بالإمكان تنصيب القدس على العمل الثقافي العربي من خلال تناول قضاياها وبشكل ملموس ومحسوس في القدس ذاتها بعيدا عن بهرجة المهرجانات ذات الأهداف المعلومة والمعروفة، والتي غالبا ما يتم توظيفها في أجندات أخرى غير أجندة القدس الفعلية والحقيقية.

واعتقد هنا أن مرور المبدع العربي، فنانا كان أم روائيا أو شاعرا، من شأنه أن يعطي للقدس الكثير، وأن يوجه الكثير من الرسائل ذات الأهمية لسلطات الاحتلال، وتحديدا في العام 2009 كون القدس عاصمة الثقافة العربية، وأن من حق العرب كمثقفين ومبدعين بأن يعرضوا إبداعهم في عاصمة العواصم.

وهنا أجدني مؤيدا لما قدمه الأديب والروائي العربي اللبناني الياس خوري الذي دعا إلى تشكيل "وفد من المثقفين العرب، وبعض الأصدقاء من المثقفين في العالم، كي نذهب الى القدس من أجل أن نعلن المدينة عاصمة للعرب، مبرهنين أن واقع كون القدس محتلة، يعني أن عواصم العرب محتلة كله".

هذه الدعوة أعتقد أنها قد أصابت عين الحقيقة، ولامست توق القدس للعرب. وهذه الفكرة لها الكثير من الدلالات التي من شأنها إثارة حالة من الجدل الإيجابي لإعادة طرح السؤال من جديد حول زيارة القدس المحتلة من قبل العرب، وهل تعتبر زيارة السجين تطبيعا مع السجان؟؟ وهل من الممكن عبور القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة من بوابة البرامج الفلسطينية العربية ليُصار الى تفعيل برامج عربية قومية متصلة بالشأن المقدسي والفلسطيني عموما من خلال الحضور الفعلي والكثيف للإبداع العربي وبصرف النظر عن الأسلوب والطرق لهذا العبور والحضور؟

وهنا لابد من استحضار تجربة المناضلين الأجانب في الحملات التضامنية مع المسألة الفلسطينية، والذين نشاهدهم في الكثير من التظاهرات والفعاليات الجماهيرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديدا في القدس من خلال خيم الاعتصام المنتشرة بالأحياء المقدسية اليوم. وهو الأمر الذي يطرح السؤال ذاته هل هؤلاء من الممكن اتهامهم بالتطبيع مع المؤسسة الإسرائليلية ام انهم قد أدوا ويؤدون دورا له بالغ الأهمية في مسار الفعل التضامني الدولي مع القضية الفلسطينية؟ وهل كل من يحضر الى فلسطين اليوم من الممكن اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل أم أن للمسالة تعريف اخر لابد من اعادة صياغته من جديد؟؟

لاشك أن الحضور العربي المثقف للقدس وللأراضي الفلسطينية المحتلة قضية حساسة وذات أبعاد جدلية، ولها الكثير من المحاذير إلا أنها وبذات الوقت لها الكثير من الأهمية والتي ترتقي لدرجة الضرورة الواجبة بظرف القدس الراهن، وتستحق النقاش والمبادرة لتحريك المياه الراكدة في مستنقعات الصمت العربي الرسمي والضجيج الكلامي لما يسمى بمثقفي المرحلة.

وبهذا السياق فإننا ندعو ومن القدس إلى إعادة صياغة مفاهيم ماهية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ولإعادة النظر بالحظر العربي على زيارة القدس وفلسطين فزيارة السجين ليس تطبيعا مع السجان، والحضور إلى القدس وقراءة الشعر والغناء في حواريها العتيقة، وإلقاء بيان للمثقف العربي من على اسوارها ليست تطبيعا مع المحتل.. مع العلم أن الاحتلال ذاته قد يمنع دخول هؤلاء المثقفين الى القدس والى فلسطين، لكن يبقى أن يعلن المثقفون العرب عن استعداهم للحضور حتى يستوي المعنى الفعلي للقدس كعاصمة للثقافة العربية... وربما أن يقفوا عند أعتاب القدس لينشدوا قولهم البليغ في حضرة الظلم والظلام والاحتلال..

التعليقات