31/10/2010 - 11:02

إعدام غزّة!../ رشاد أبوشاور

إعدام غزّة!../ رشاد أبوشاور
ما يحدث لقطاع غزّة، بمدنه، وقراه، ومخيّماته، للمليون ونصف مليون فلسطيني الذين يعيشون فيه على أضيق مساحة أرض يسكنها تجمّع بشري في العالم، هو عمليّة إعدام جماعي في وضح النهار.

استهولنا نحن العرب والعالم رقم المليون ونصف مليون جزائري الذين حصدت أرواحهم آلة الحرب الفرنسيّة إبّان الثورة، وعلى امتداد ثماني سنوات.
في فلسطين، يتّم تنفيذ عمليّة إعدام بطيء، معلن، أمام العالم، على الفضائيّات مباشرة، تنقله كاميرات وأفواه المراسلين، والمصورين، وبشهادات الأوربيين الشرفاء الذين هالهم ما يحدث، وفجّر غضبهم، ودفع بهم للتوجه إلى قطاع غزّة، منطلقين من ميناء ( لارنكا) في قبرص، وعلى متن زوارق متواضعة، تحمل دفء تعاطفهم، والقليل من الدواء، تعبيرا عن مشاعر إنسانيّة، هي صرخة احتجاج على القسوة، واللؤم، ووحشية العقاب الجماعي الذي يمارسه الكيان الصهيوني ومشاركوه في الجريمة.

المبرر الوحيد لحصار قطاع غزّة يعود إلى كونه عنوان دائم عبر التاريخ البعيد، والمعاصر، لمقاومة شعب عنيد لم يهن، ولم تلن عزيمته، قاتل المحتلين والغزاة بكافة ألوانهم، وأشكالهم، ومبررات عدوانهم، وهذا ما دفع رابين وغيره للإفصاح عن رغبته بأن يستيقظ من نومه على غرق غزّة في البحر!.

يمسك الكيان العنصري بمعدة غزّة، يجوّع القطاع بهدف عصر إرادة شعب فلسطين كلّه، مراهنا على انهيار الإرادة، والركع والخنوع لمخططات الصهاينة، بغطاء أمريكي، ومشاركة وتواطؤ عربي رسمي.

العدو عدو، لا نلومه، ولا نعتب عليه، ولا نخاطب مشاعر إنسانيّة لا وجود لها عنده، فهو موجود على أرضنا الفلسطينيّة بالقوّة، ونحن كشعب نعرف جيّدا السبيل، والوسائل الكفيلة للرّد عليه، وهذه توارثناها جيلاً بعد جيل.
ولكن: كيف نصنّف الدولةً المصريّة العربيّة، وهي تحاصر قطاع غزّة مباشرةً، فتغلق شريان الحياة الوحيد، معبر رفح، الذي يربط فلسطين بمصر الشقيقة الكبرى، التي بحصارها يمكن وصفها كنظام حكم بالمصيبة الكبرى، فهي تحرس الحدود للكيان الصهيوني، وتدمّر الأنفاق على رؤوس من يتسربون من تحت الأرض ليواصلوا دراستهم، أو من يهرّبون ( شوية) دواء، أو بعض اسطوانات الغاز.

الشقيقة الكبرى تحاصر أهلنا في غزّة، تحت الأرض، وفوقها، وتبيع الغاز للكيان الصهيوني بسدس قيمته الحقيقيّة، وهو ما دفع الخبير في القانون الدولي إبراهيم يسري لرفع دعوى أمام القضاء الإداري المصري، التي أصدرت قرارا بوقف تصدير الغاز للكيان الصهيوني فورا، و..تجاهلها نظام الحكم الحريص على رضا الكيان الصهيوني، المفرّط بثروة الغاز المصري، التي ستنضب في غضون عقدين، وهو ما سيضطّر مصر لشراء الغاز بمبالغ فوق قدرتها!

حكومة مصر بعد كل ما تقوم به من تدمير لأهلنا في قطاع غزّة، تقدّم نفسها على إنها وسيط بين الطرفين الفلسطينيين المتصارعين المتسابقين على مجاملتها ورضاها، والتمسّح بها!.

27 فرنا في قطاع غزّة أغلقت أبوابها، لافتقادها للغاز الذي تعمل به.. الغاز الذي يتدفّق للكيان الصهيوني بسدس قيمته مقارنة بالسعر العالمي!
20 فرنا ستغلق لأنها تعمل على الكهرباء، والكهرباء تأتي للأفران متقطّعة!
المطاحن تغلق، واحتياطي الطحين ما عاد كافيّا، والناس في الشوارع مضروبين على رؤوسهم، يبحثون عن أرغفة لأطفالهم ..ولا يجدون الخبز الحاف!

سيّدة غزّية تتوجه بكلامها عبر الكاميرا لنا جميعا: صرنا شحّادين لرغيف الخبز!. نحن نقف ساعات في طوابير مذّلة للحصول على ربطة خبز.. من يقبل بهذا؟!
أصحاب مزارع الدواجن بدأوا التخلّص من الصيصان، لأنهم لا يجدون لها أعلافا!
أطفال غزّة، بلا حليب، أي أن الكيان الصهيوني يعدمهم بحرمانهم من الحليب والدواء ورغيف الخبز.

هذا العدو الذي لا شبيه له عبر التاريخ، ولا مجال لمقارنته بكّل من سبقه من غيلان التاريخ، يحرم الأطفال من الكهرباء حتى لا يدرسوا، ليهجروا مدارسهم، وجامعاتهم، و..هم لن يدرسوا على الشمع، لأن الشمع مفقود، وإن وجد فهو يهرّب عبر الأنفاق، وثمنه لا تقدر عليه أسر كثيرة في القطاع بسبب البطالة!

ما هي مبررات محاصري غزّة؟!
أن الصواريخ المتواضعة تنطلق منها؟
أين 14 عاما من سلام أوسلو بدون صواريخ ؟
هل السبب هو سيطرة حماس على الأوضاع في القطاع؟!
ولكن في الضفّة حصار داخلي لا يقّل خطورة:الحواجز التي تمزّق الضفة، وتحاصر المدن، وتعزّل القرى، والجدار الذي ينهب الأرض، واقتلاع قطعان المستوطنين لأشجار الزيتون، وحرمان فلاّحينا من قطف محصولهم.. أليس هذا حصارا؟!

النفاق جزء من المؤامرة!

ما شهدناه في مؤتمر الأديان الذي انعقد في كنف إدارة بوش، وبدعوة من ( حارسة الإسلام)، غطّى الكيان الصهيوني في جرائمه المستمرّة، إذ مباشرةً صرّح الجنرال باراك ببناء مئات الوحدات السكنيّة التي تُكمل خنق مدينة القدس، وتهودها.. يا حُماة الإسلام!

مباشرةً بعد مؤتمر حوار الأديان نشطت عمليّة تدمير مقبرة ( مأمن الله) في القدس، فإله المسلمين ليس إله (إسرائيل)، وشمعون بيرس الذي تحدّث بصلف وعنجهيّة عن ( إبراهيم) الذي بدا في خطابه كأنما وفد إلى بلادنا من مانهاتن، أو بولونيا، يتجاهل أن بناة القدس هم اليبوسيون الكنعانيون أسلافنا المتحضرون، وأننا نحن العرب الفلسطينيين أصحاب هذه الأرض التي على ثراها درج المسيح الثائر على العنصريّة ( اليهوديّة) المغلقة، ومحمد النبي الذي حمل رسالته للعالم من فضاء هذه البلاد، وسماواتها.

من دعوا لمؤتمر الأديان، مارسوا الحّج لمآرب تخصّهم، فلا دين في السياسة والاقتصاد وضمان الحكم ...
أية أديان وحوار إن لم يكن هذا لإنقاذ القدس، وشعبها، والأرض التي ( بارك الله حولها)؟!
الحصار ! ..القتل اليومي، إعدام الأطفال الفلسطينيين، لا نلوم عليه أعداء الأمّة، ولكننا نحمّل المسؤوليّة لأولي الأمر الذين يصدعون لأوامر قتلتنا، والذين واحدهم لا يحفظ آيتين كريميتن، ولا صلّة له باللغة العربيّة التي أُنزل القرآن بها عربيا مبينا...

400 مليار دولار خسائر الصناديق السياديّة العربيّة في الأزمة الاقتصاديّة العالميّة التي سببتها إدارة سيّدهم بوش، ومع ذلك فغزّة تجوع، ويموت أطفالها.. و.. يتكلمون في الدين، والرحمة، والتسامح، والعدل!.
بجزء يسير من هذه المليارات يمكن إنقاذ شعب فلسطين من المسغبة ومن أعوام الرمادة التي يعيشها .. يا أثرياء سادوم وعاموره!
ثمّ، من نلوم؟!
نلوم المتصارعين على الوهم.
من يتربصوّن ببعضهم، وكّل طرف منهم ينتظر أن ينهار الطرف الآخر.
من يراهنون على انفجار الناس المحاصرين في غزّة في وجه حماس، لتعود السلطة لهم، وليواصلوا مسيرة (أوسلو)...

و.. من ينتظرون انهيار السلطة في رام الله، ويمددون الهدنة، ظنّا منهم بأنهم سيكونون مرجعيّة الشعب الفلسطيني الوحيدة، وهو ما سيدفع ( إسرائيل) وغيرها للتفاوض معهم!!
طرفان يشّد كل منهما الحبل على عنق شعبنا ...
طرفان لا يحترمان شعبنا، يحولان عذاباته إلى مزاودات، جوع أطفاله إلى موّاد إعلاميّة، وشعارات فارغة، وتكاذب، وتباك بدموع التماسيح...

ارفعوا أيديكم عن غزّة، ودعوها تعانق الضفّة، بفعل جماهيري مبدع خلاّق.
اتركوا شعبنا يا من تنحرونه بخلافاتكم البائسة.. أنتم يا من تشوهون وجهه، وتمكنون كّل الأعداء منه..
غزّة تضعنا أمام مسؤوليتنا بقول كلمة الصدق، غزّة ترفض الشفقة، كما ترفض الاتجّار بجوع وموت أطفالها.

التعليقات