31/10/2010 - 11:02

الأمن الاسرائيلي وأفق السلام المسدود../ خالد خليل

الأمن الاسرائيلي وأفق السلام المسدود../ خالد خليل
السياسة الإسرائيلية الإقليمية تعتمد بالأساس على مبدأ التفوق الاستراتيجي النوعي على دول المنطقة، وهذا التفوق وثيق الصلة بالدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، في كافة النواحي والمستويات، باعتبارها شريكًا عصيًا عن الاستغناء في المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.

والتفوق الإسرائيلي لا شك قائم ويدلل عليه بالأرقم والمعطيات في العلوم والعسكرة والمعلومات والاتصالات والاقتصاد بفروعه المختلفة. وعادة ما تستخدم هذه المعطيات في إطار الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل منذ قيامها ضد محيطها العربي والإسلامي، وفي أحيان كثيرة يتم ترديدها من قِبل ضحايا إسرائيل، إما تعبيرًا عن الإعجاب والافتتان، أو في إطار صرخات يائسة لرثاء العجز العربي، والمساهمة بالتالي في ترسيخ حالة الإحباط وقلة الحيلة عن قصد أو من غير قصد.

في الجانب الآخر هناك من يستهتر بالتفوق الإسرائيلي ويعتبره مجرد فقاعات إعلامية، وذهب البعض إلى اعتباره "أسطورة" تمت هزيمتها في أكثر من موقع ومناسبة.

لا شك أن المتغيرات الكثيرة في العالم والمنطقة ومحطات الصراع المختلفة بين العرب وإسرائيل وتحديدًا العدوان على لبنان في 2006، وعلى غزة قبل عدة شهور، وقبل ذلك الانتفاضة الأولى والثانية وانسحاب إسرائيل القسري من جنوب لبنان عام 2000، كل هذه المتغيرات والأحداث تتيح المجال أمام التفسيرات المتناقضة لقوة إسرائيل وتفوقها الإستراتيجي، حيث ساهمت المقاومة اللبنانية والفلسطينية بخلخلة صورة هذا التفوق، وأصابت بالمقتل قوة الردع الإسرائيلية التي تفوق بكثير قوة المقاومة.
إذا كنت المقاومة استطاعت فعل ذلك في ظل موازين قوى غير متكافئة، فما بالك بالتهديد القادم من إيران، الماضية في خلق توازن قوى نووي مع المشروع الإسرائيلي.

موضوعيًا يصطدم مبدأ التوازن الإيراني ويتناقض مع مبدأ التفوق الإسرائيلي، فكما أن انعدام الأول (أي التوازن) يقود إلى عدم الاستقرار والتوتر، فإنّ الإصرار على التمسك بمبدأ التفوق يؤدي حتمًا إلى اندلاع الحروب.

إسرائيل وثوابت الأمن

"تغير الحكم وثبات نظرية الأمن" هي واحدة من السمات التي تميز إسرائيل عن غيرها من دول المنطقة، حيث من الواضع أن وتيرة التداول للسلطة في إسرائيل ضربت رقمًا قياسيًا في العقدين الأخيرين، حتى انه لا تكاد تكتمل دورة الأربع سنوات دون انتخابات جديدة (خلال الدورات الثلاث الماضية)، وعلى الرغم من ذلك، لم يحصل أي تغيير يذكر على استراتيجية الأمن الإسرائيلي من حيث المبادئ العامة والأهداف بعيدة المدى، لا بل على العكس من ذلك فإنه كلما تخوض إسرائيل حربًا جديدة، تكون تحت يافطة الإجماع القومي من اليسار حتى اليمين. وبالطبع لا يعود ذلك إلى طبيعة الحكومات وبرامجها، وإنما إلى طبيعة الدولة وطبيعة مؤسساتها الجامعة وفوق الحزبية، ابتداءً من الجيش والمخابرات ومجلس الأمن القومي ومراكز الأبحاث المختلفة وحتى اللجان العينية والمعينة، مثل لجنة فينوغراد، التي تناولت الأخطاء والعِبر من الحرب الأخيرة على لبنان، أو مثل لجنة مريدور التي تناولت نظرية واستراتيجية الأمن الإسرائيلي قبل عام من الحرب على لبنان..

لم نعثر في تقارير هذه اللجان أو غيرها على إشارات لوجود تغير مبدئي في نظرية الأمن الإسرائيلي، حيث ما زالت نظرية التفوق الاستراتيجي أحادية الجانب هي الطاغية على مفهوم الأمن والاستراتيجيات الأمنية. أما التوصيات والإصلاحات المقترحة في اللجان المختصة فتتمحور جميعها في الجانب التقني والأدائي.

نتانياهو والسيناريوهات المشوشة

إذا كانت إستراتيجية أوباما الجديدة في الشرق الأوسط تؤشر إلى نزوع الإدارة الأمريكية لحل النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية والوسائل الدبلوماسية، فإنها تنظر إلى النزاعات ضمن رؤية شاملة ومترابطة، وهي تدرك انه لا يمكن الوصول إلى حل أو صفقة شاملة في الملف الإيراني، الذي تعتبره الولايات المتحدة الأخطر على أمنها القومي وأمن حليفتها إسرائيل، دون تناول الملفات الأخرى الساخنة في فلسطين ولبنان وسوريا، ووضعها على طاولة الحل النهائي ضمن الرؤيا الأمريكية ذاتها، أي حل الدولتين في فلسطين والانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران في الجولان ولبنان، ضمن شروط وسياجات أمنية إسرائيلية تدخل في إطارها "قوى دولية"، ومناطق "منزوعة السلاح" وغيرها من الضمانات – التنازلات.

وإذا كان التشخيص صحيحًا بصدد عدم وجود اختلافات جوهرية في نظرية الأمن والتفوق الاستراتيجي، فإنّ هناك تباينًا في الرؤى الحزبية الإسرائيلية حول الحل النهائي للنزاع العربي الإسرائيلي، ففي حين يتبنى تيار إسرائيلي حل الدولتين (طبعًا ضمن الرؤية الإسرائيلية)، يتنامى تيار واسع بقيادة الليكود وسليلي نظرية جابوتنسكي، يرفض إقامة دولة فلسطينية غربي الأردن ويتطلع إلى إنشاء مملكة أردنية فلسطينية. ويرفض كذلك إرجاع الجولان لسوريا، وفي كل مرة يعتلي الحكم يجتهد هذا التيار بطرح خطط وبرامج وصيغ تندرج في إطار فن إدارة الصراع والأزمات دون تقديم الحلول الواضحة لتجاوزها.

وقد طرح نتانياهو في هذا السياق فكرة السلام الاقتصادي والسلام مقابل السلام ووضع شروطًا تعجيزية تمنع تقدم المسار السياسي، كالاعتراف بإسرائيل "دولة اليهود" شرطًا للتقدم في موضوع التسوية.

لا شك أن التمسك بهذا التوجه من شأنه أن يصطدم مع توجهات أوباما المعلنة بصدد حل النزاعات الإقليمية. وقد يقف عائقًا أمام الوصول لصفقة شاملة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الملف الإيراني، هذا إذا ما افترضنا أن أمريكا مستعدة لتقديم تنازلات في هذه الصفقة تطال حتى مبدأ التفوق الاستراتيجي ليحل محله مبدأ التوازن الاستراتيجي، خاصة وأن إيران كما يبدو مستعدة للتنازل في الملفات الإقليمية وغير مستعدة للمساومة على مشروعها النووي لأنها تعتبره ضمانتها الوحيدة للبقاء في دائرة التأثير الإقليمي والعالمي كقوة عظمى، وخلاف ذلك معناه البقاء في دائرة التبعية والتأثير المحدود في أحسن الحالات.

أما إسرائيل وبغض النظر عمن يدير دفة الحكم فيها، فما زالت أسيرة نظرتها الثابتة بشأن التفوق الاستراتيجي، ولن تساهم في تقدم حل النزاع العربي الإسرائيلي، لأنه أيضًا سيشكل رافعة للتقدم على المسار الإيراني، وإسرائيل ترى في إيران تهديدًا استراتيجيًا رئيسيًا عليها، وبالذات لأنّ الأخيرة هي المؤهلة الوحيدة لكسر الاحتكار الاسرائيلي في قضية الردع النووي.

من هنا يمكن تحديد الأهداف الإسرائيلية للمرحلة القادمة كما يلي:

1- التعاطي مع الحلول المطروحة في قضية الصراع العربي الاسرائيلي من باب إدارة الصراع والأزمات وليس من باب إيجاد حلول، حتى وأن أدى ذلك في النهاية إلى شن حروب جديدة.

2- العمل على إقناع أمريكا بعدم التنازل في الملف الإيراني ومحاولة جرها إلى ضرب إيران ومشروعها النووي عسكريًا. وهذا بالتأكيد سيدخل المنطقة والعالم في حالة من عدم الاستقرار. والفوضى لا تحمد ولا تعرف عواقبها.

باعتقادي فإنه من غير الواضح إن كانت أمريكا ستسلم بقبول إيران "نووية"، أو أنها ستمارس ضغوطًا فوق العادة لإرغام إسرائيل بتغيير توجهاتها فيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي وقبول الحلول المطروحة، فهذا يتناقض جوهريًا مع عمق الترابط الاستراتيجي بين البلدين.

لذا فإنّ جميع التوقعات والسيناريوهات المحتملة تبقى مشوشة وغير واضحة إلى حين حصول التغيير على أرض الواقع.

ويعتقد المتابعون للشأن الاسرائيلي أن نتانياهو وحكومته سيبذلون جهودا كبيرة لافتعال أزمات وابتكار أساليب جديدة للضغط باتجاه تحقيق أهدافهم المذكورة.. ولا يلوح في الأفق أن إسرائيل ستتجه نحو تغييرات جوهرية في رؤاها واستراتيجياتها الأمنية. وكما يبدو أن غيوم الحرب والدمار ستزداد كثافةً في المرحلة القادمة فوق منطقة الشرق الأوسط.

التعليقات