31/10/2010 - 11:02

الحقد أعمق وأبقى../ رشاد أبوشاور

الحقد أعمق وأبقى../ رشاد أبوشاور
أكتب عن الحقد انطلاقا من حالتنا الفلسطينيّة!
الكراهيّة انفعال عاطفي، يمكن أن ينقلب حبّا، أو مشاعر حياديّةً...
الحقد في حالتنا الفلسطينيّة ليس كذلك، إنه موقف واع قابل للازدياد طالما مسبباته موجودة، وهي كذلك بالنسبة لنا، فعدونا لا يدخر جهدا في تأجيج حقدنا ومضاعفته.
الحقد ينجم عن أذى، هو غالبا أذى كبير، يمّس وجود الإنسان، قيمته، كرامته، راهنه ومستقبله، فما بالك بشعب يتعرّض لكّل هذا؟!

الحقد الفلسطيني على المُحتلين الصهاينة تأجج مع تصاعد عدوانهم على غزّة.
هو حقد جماعي يوحّد شعب بأسره على من يحرقون قلبه، وهم يحرقون أطفاله، وبيوته، ومزروعاته، ويلوثون مياهه وسماءه.

ولأن عدونا عنصري، متبلّد المشاعر، لئيم، وقاس، ومعقّد يتلذذ ويستمتع بالدم الفلسطيني، والموت الفلسطيني، وبكاء ورعب وحزن وألم أطفال فلسطين، فقد وصل به ابتذاله ورخصه أن يعلن عن استعداده ( استضافة) عدد من أطفال الفلسطينيين، ضحاياه في حربه على غزّة، للترفيه عنهم، وقضاء بضعة أيّام في رعايته!

يحسب من اقترحوا هذه الفكرة من إعلاميي العدو أنهم لو نجحوا في استدراج بعض أطفال غزّة، فسيخففون من بشاعة صورتهم الوحشيّة التي دفعت ملايين البشر في العالم للتعاطف مع الفلسطينيين، وإدانة جرائم العدوان على غزّة، والحرب التي افتضح استهدافها لأطفال غزّة أولا...

دعوة أطفال فلسطينيين من قطاع غزّة، ممن فقدوا ذويهم، وبعضا من أعضاء أجسادهم، ليستمتعوا بكرم الضيافة اليهودي في تل أبيب و..بعض الكيبوتسات ..أي حقارة هذه؟!

فشلت الدعوة، لأن أطفال فلسطين تضاعف حقدهم في المحرقة، وتعمدوا بغاز الفوسفور الأبيض، وهم ازدادوا وعيا بنوعية عدوهم في هذا الفصل من فصول الحرب المستمرّة على الأجيال الفلسطينيّة.

الأطفال الذين سبحوا في دماء أمهاتهم، الممزوج بحليب أثداء مزقتها الصورايخ.. احتقروا الدعوة والداعين، ولم يمنعهم أحد في غزّة من تلبية دعوة القتلة المنحطين، وهم تضاعف، مع هذه الدعوة المبتذلة، حقدهم الذي لن يزول أبد الدهر، وسيورثه هؤلاء الأطفال إلى أطفال سينجبونهم في آتيات السنين.

مع فشل الدعوة، وإغلاق أبواب مستشفى أقيم على مقربة من حدود غزّة لمعالجة الأطفال الضحايا، ارتفعت أصوات في الكيان الصهيوني: أطفال الفلسطينيين يكرهوننا!
فهل الأطفال وحدهم هم من يكرهونهم؟!
وماذا عن الآباء الذين لمّوا أشلاء أطفالهم؟!
وماذا عن الزوج الشاب الذي فقد كُل عائلته: زوجته الشابة أطفاله.. بيته، ولم يعد له سوى الحسرة، والعراء ، وتنفّس الغازات القاتلة في هواء غزّة، وهو يتنقّل في الأرض الخراب؟!
ماذا عن (جميله) ابنة العاشرة التي بترتم ساقيها، والتي يعرفها ملايين العرب، والمشاهدين غير العرب، وهي تردد على فضائية ( الجزيرة): أنا اتدمر عندي كُل شيء...
ثمّ بنبرات حزينة، والكاميرا تركّز على الساقين المبتورين، ومن تبقّى منهما ملفوف بالشاش الأبيض: بس راح أحاول أقضي على الدمار... كنت بدّي أطلع صحفية حتى أعرف كُل شيء...

كم أتمنّى لو تتبنّى( الجزيرة) علاجها، وتعليمها، و..تدريبها لتعمل في فضائية الأطفال، وهي إحدى قنوات مجموعتها، فتحقق جميلة حلمها، و..تبقى شاهدة حيّةً تذكّر أطفال العرب بهذا العدو ذابح الأطفال.

ماذا عن أحمد الذي يقف أمام الكاميرا ويتوجه بكلماته المذهلة إلى الدنيا كلها، بمؤمنيها، وعلمانييها، ووثنيها، الذين جميعهم يفترض أن تجمعهم مشاعر إنسانيّة تحترم أي بني آدم، بغّض النظر عن لونه، ودينه، وعرقه: .. ييجوا يشوفوا أولادنا كيف عايشين!

أولادنا! ..أحمد في التاسعة، أصغر من جميلة بعام، جميلة الحلوة كالنقطة في المصحف، جميلة الأحزن من ( المونوليزا) :كيف قفز أحمد من الطفولة ليتحدث بلغة الرجال دفعة واحدة، وفي أيّام قليلة؟!

أحمد المسروق الطفولة، وجميلة المبتورة الساقين المدمرة الحلم، وذلك الفتى الذي سملتم عينيه، وتلك البنت التي قتلتم والدتها، وأخوتها، وأخواتها، وبنات وأبناء عمومتها، وتلك البنت التي نجت من المذبحة التي حصدت أرواح كّل أسرتها، بالصدفة لأنها كانت تبيت في بيت جدّتها، وحين عادت لتبحث في الدمار عن أثر من ( ريحة) الأهل، تعثّرت بكتل الدمار، ومزق الفساتين، ودفاتر الأشقّاء، و..بقطتها الحبيبة!.
كيف نسيتم أن تقتلوا القطّة التي ولدت في كنف أسرة فلسطينيّة تُحّب الحيوانات أكثر مّما تحبّون البشر.. أنتم يا من تعتبرون ( الأغيار) حيوانات!.

بعد كُل ما فعلتموه بأطفالنا تدعونهم يا .... ......، ليترفهوا بضعة أيّام، تحولونهم فيها إلى مادة إعلاميّة تروّج لإنسانية لم تسكن نفوسكم يوما، ولا حرّكت ضمائركم ؟!

هؤلاء الأطفال الممتلئون بالكرامة، والغضب، من فجعتموهم بأحبائهم، وشوهتم طفولتهم، ونكّلتم بأسرهم، وعذّبتم شعبهم، وسرقتم أرضهم، وسممتم مياههم.. تدعونهم للترفّه بضعة أيام بدلاًً من حقّهم في العودة إلى قرى ومدن آبائهم للعيش آمنين في وطنهم، مثل كُل أطفال العالم؟

أتظنونهم ياسر عبد ربّه، الذي استشهد بيرس بتصريحاته في ( أنا بوليس)، والتي تبرّئكم من المحرقة، وتلصقها بحماس والمقاومة؟! أتظنونهم أولئك الذين يأكلون على مائدة أولمرت، ويعانقون قاتل ( أبو جهاد الوزير).. باراك؟!
هؤلاء أطفال فلسطين، وليسوا مخلوقات أوسلو، وجنيف، وكوبنهاغن!

أطفالهم يكرهوننا! ..هذا يذكّر بالمقولة الأمريكيّة التي تجاهلت إدارة بوش الملعون أنها أبرز مسبباتها: إنهم يكرهوننا...
عدوّان يوحدهما قتل ( الآخرين) واحتلال بلادهم، وسرقة ثرواتهم، والاستعلاء عليهم، والتعامل معهم كما تعامل من انتزعوا الأفارقة من غاباتهم، وحقولهم، والقوا بهم في عتمات سفن شحنتهم إلى البلاد الجديدة التي أبيد أهلها، ليعملوا في حقول القطن بالكرابيج والقيود.

ومع ذلك يتساءلون بتساذج، فعيونهم لا ترى ما تقترف أيديهم في عباد الله: لماذا يكرهوننا؟!
في الحالة الفلسطينيّة، وعلى مدى مائة عام، اقترف الصهاينة مسلسل جرائم لا سابقة له في التاريخ البعيد، أو القريب، فلم يتعرّض شعب للأذى، والاقتلاع، والاحتلال، والعدوانيّة، ووحشية القتل، والمحرقة المستمرّة، على أيدي أعدائه، كما وقع للشعب العربي الفلسطيني.

آخر هذه المذابح والجرائم محرقة غزّة، التي هي حرب إبادة، وتدمير، وتشويه للأجساد، وإهلاك للطفولة، وحرمان الأطفال من أمهاتهم وآبائهم وبيوتهم ومدارسهم ..يعني: عقاب جماعي!

لا، الفلسطينيون لا يكرهون الكيان الصهيوني، والصهاينة الذين هم التجمّع السكّاني على أرض فلسطين من أغراب تمّ تهجيرهم، واستجلابهم من أمريكا وأوربة ، وأرجاء من العالم البعيد، وبعضهم ، ولا يغيب هذا عن بالنا، ليسوا يهودا، ولكنهم تهودوا مصلحيّا، ولا سيّما من هرولوا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى بلاد العسل واللبن ، وهم مسيحيون أورثوذوكس!

الفلسطينيون يحقدون على أعدائهم، فالحقد في الحالة الفلسطينيّة وعي، وإحساس إنساني رفيع بالكرامة التي ترفض الخنوع للاقتلاع والتهجير.
الفلسطينيون يحقدون على عدوهم ولذا فهم ليسوا ساكنين، فحقدهم محرّك ومحرّض على الفعل، مولّد لطاقة التحدّي والمقاومة...

الجيل الذي رُمي به إلى الخيام، واحتّل الصهاينة بيوته، وحقوله، لم يكره محتلّي بلاده، ولكنه حقد عليهم، ولذا قرر أن ينتقم منهم، ويحاسبهم، وينغّص عليهم هناءتهم بالاستمتاع بما استولوا عليه، بأقصى طاقته.

الحقد الفلسطيني فعل واع، عقلاني، مزيج من المشاعر بالاعتزاز بالنفس، والغّل، والغضب.. إنه صرخة الفلسطيني وهو يستّل جثة أحبائه من تحت الدمار، وعهده على الثأر، والانتصار على آلة الدمار مهما طالت هذه الحرب، وتوحّش الغُزاة المُحتلون...

التعليقات