31/10/2010 - 11:02

العرب يستجدون، فهل من مستجيب؟../ زهير اندراوس

العرب يستجدون، فهل من مستجيب؟../ زهير اندراوس
لا نعرف من هو "العبقري" الذي أقنع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس (أبو مازن) بنشر إعلانات تجارية مدفوعة الأجر في الصحف الإسرائيلية العبرية اليومية (يديعوت أحرونوت، معاريف، هآرتس ويسرائيل هيوم) للترويج للمبادرة العربية. ولا نريد أن نعرف من قام بتمويل هذه الإعلانات التي كلّفت خزينة السلطة الخاوية المبالغ الطائلة، بل كنّا أن نقترح أن تُستثمر هذه الأموال في مساعدة أهالي قطاع غزة الذين يعانون الأمرين من الحصار الإجرامي المفروض عليهم من قبل الدولة العبرية وبعض الدول العربية المتواطئة، وبطبيعة الحال رأس حربة الشر في العالم الولايات المتحدة الأمريكية.

الحملة الإعلامية التي قادتها السلطة في رام الله هي أقل ما يُمكن أن يُقال عنها إنّها حملة فاشلة وتمّ وأدها حتى قبل أن تخرج إلى النور، وهي محاولة مكشوفة للغاية لاستجداء الرأي العام في الدولة العبرية بالاطلاع على بنود المبادرة العربية المطروحة على الأجندة العربية منذ آذار (مارس) من العام 2002.

وللتذكير فقط نقول إنّ رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون ردّ على المبادرة العربية، التي أُقرّت في مؤتمر بيروت، باجتياح الضفة الغربية وإعادة احتلالها من جديد وزج الرئيس الفلسطيني الراحل، الشهيد ياسر عرفات، في السجن في المقاطعة حتى تمكنوا من تسميمه والتخلص منه. وأيضاً للتاريخ نُسجّل هنا أنّ وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، العمّالي بنيامين بن اليعزر، المطلوب للعدالة في إسبانيا بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وصف المبادرة بأنّها أهم إنجاز حققته الحركة الصهيونية منذ إقامتها.

ومع ذلك لا يمكن قراءة حملة الإعلانات وتوقيتها بدون ربط الموضوع مع حوار الأديان الذي عُقد في نيويورك، قبل أسبوعين، بدعوة من المملكة العربية السعودية، التي أطلق ولي عهدها المبادرة السعودية للصحافي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان، وهي نفس المبادرة التي تحولت إلى مبادرة عربية. فللمرة الأولى تقوم السعودية بتوجيه دعوة رسمية علنية، والتشديد هنا على مفردة علنية، لإسرائيل لحضور مؤتمر تنظمه، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل تاريخياً، حيث استغل رئيس الدولة اليهودية شمعون بيريس، وهو الثعلب الأبدي، هذه الفرصة ليسوق وليروج للسلام الذي تريده بلاده، وهكذا تلقى بيريس فرصة ذهبية لنفث سمومه تحت غطاء عربي ودولي وقدّم نفسه على أنّه حملاً وديعاً تواقاً للسلام.

نميل إلى الاعتقاد بأنّ وراء الأكمة ما وراءها، واللهاث العربي لصنع السلام مع إسرائيل لا يدور في فراغ، بل إنّه مخطط عربي تقوده الدول المصنفة أمريكياً معتدلة، وفي مقدمتها مصر والسعودية، للالتفاف على ما تبقى من "قضية العرب الأولى" (فلسطين)، وإلزام الشعب الفلسطيني بقبول السلام مع إسرائيل وفق شروط الأخيرة، والمبادرة العربية لمن لا يعرف تختزل بخجل وحياء شديد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وهو الحق الذي نصت عليه الشرعية الدولية في قرارها المشهور والذي يحمل الرقم 194.

كما أننّا نريد في هذه العجّالة التذكير بأنّ منظمة الأمم المتحدة اشترطت قبول الدولة العبرية عظواً في المنظمة الأممية أن توافق على القرارين المذكورين، وهذا ما حصل، إسرائيل وافقت على القرارين، ولكنّها لم تنفذهما، كما لم تُنفذ أكثر من ستين قراراً صادراً عن مجلس الأمن الدولي، لتتحول بذلك إلى الدولة المارقة بامتياز في العالم.

علاوة على ذلك، فإنّ المبادرة العربية تعرض على إسرائيل سلاماً شاملاً مع 57 دولة عربية وإسلامية مقابل موافقة الدولة العبرية على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967.

ومع أنّ العرض مغر، إلا أنّ وزيرة الخارجية الإسرائيلية وزعيمة حزب كاديما تقول بكل صلافة ووقاحة إنّ المبادرة العربية غير كافية، أي أنّ العرب يجب أن يتنازلوا أكثر، أما زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي تشير معظم استطلاعات الرأي العام في إسرائيل إلى أنّه سيعود إلى منصب رئاسة الوزراء فقد رفض التعقيب على المبادرة العربية (يديعوت احرونوت 21.11.2008). ويعتبر نتنياهو أنّ الفلسطينيين ليسوا مؤهلين في الوقت الحالي لمفاوضات سياسية والتوصل إلى اتفاق دائم مع إسرائيل، ويروج لفكرة السلام الاقتصادي.

وعليه لا نستبعد بالمرّة أن يُقدم العرب على تقديم تنازلات مجّانية لإسرائيل في ظل حالة الهوان والضعف التي تمر بها الأمة العربية، بسبب ارتباط أنظمة عربية بالمشروع الإمبريالي الأمريكي وحبيبته ربيبته إسرائيل. ليت الزعماء العرب يتذكرون ما قاله الزعيم العربي الراحل، طيّب الذكر، جمال عبد الناصر: الوحدة موجودة فعلاً بين أبناء الشعب العربي، إن الخلافات قائمه بين النظم والحكومات.

التعليقات