31/10/2010 - 11:02

بين استقالة كارين ونبوءة الجنرال./ عبد اللطيف مهنا

بين استقالة كارين ونبوءة الجنرال./ عبد اللطيف مهنا
هل كفت الولايات المتحدة عن محاولات تحسين صورتها في نظر العالم؟
أم أنها يئست أخيراً من جدوى محاولات تجميل قبحها المزمن في نظر عالم كاره لها، يشهد بأم العين كيف يبتلع هذا القبح الإمبراطوري محاسنها المفترضة، أو يطغى على تلك الصورة التي كانت، أو كان يتصورها لها هذا العالم؟!
أم أنها، وهي في حقبتها الاستباقية، تلتاث بأعتى حمى جموح إمبراطوري مفرط في عهد محافظيها الجدد، من شأنه أن أعمى بصيرة قاطني البيت الأبيض، فلم تعد تشعر بالحاجة إلى تحسين صورة تفاخر بها، وقد تراها ولا أحسن، وتتهم من لا يشاركها هذه الرؤية، ووفق منطق من ليس معي فهو ضدي، بتهمٍ قد تبدأ بالعمى، ثم بالغيرة أو الحسد، أو الجهالة، فالعدوانية ذات المنشأ الجيني، ولا تنتهي بمعاداة حقوق الإنسان والكفر بجنة الديموقراطية، فالمروق، بمعنى الخروج على "قيم العالم الحر"، و التخلف المتنكر للتقدم... وصولاً إلى "الإرهاب" وحتى صراع الحضارات؟!

حتى الآن، الولايات المتحدة لم تجب نفسها على سؤالها الذي طرحته على نفسها ذات اليوم الذي أعقب كارثة أحداث 11 سبتمبر : لماذا يكرهوننا؟

...هذه الأسئلة تثيرها استقالة كارين هيوز مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون الديبلوماسية العامة، التي كُلّفت منذ العام 2005 بمهمّة تحسين صورة بلادها في العالم بعامة والإسلامي منه بخاصة، ومن الأخير العربي على وجه الخصوص.
... والأهم، أنها آخر من استقال من جمهرة مستشاري الرئيس جورج بوش الابن، الذي جلبهم معه إلى واشنطن من تكساس بعيد وصوله إلى سدة الرئاسة الأمريكية.

الاستقالة أو "إعصار كارين"، كما يحلو لبعض الأمريكان تسميتها، أقل ما قد يقال فيها أنها دقت مسماراً موجعاً في نعش تلك التي تدعى "الديبلوماسية العامة"، ودفنت وهم إمكانية تحسين الصورة الأمريكية القبيحة، أو هذا الوجه الذي فشلت كارين هيوز في مكيجته وتزويقه، كما تجيء في سياق ما دعته صحيفة "واشنطن بوست" ب"هجرة جماعية للمستشارين بعيداً عن بوش"!

أما هذه الهجرة، فلها أسبابها المعتادة أمريكياً، لعل أغلبها كانت قفزاً من السفينة البوشية المتهالكة الغارقة... هذه المتخبّطة في آخر أعوامها العاصفة المتبقية لها في بحر السلطة الهائج، وتتداعى وهي تتجه مثقلة إلى آخر موانئها فيه... هذه الهجرة، في هذا العام فقط، شملت أسماءً رنانة في جوقة بوش، مثل:

هارييت مايرز، كارل روف، البرتو غونزالس، طوني سنو، روب بورتمان، جي. دي. كراوتش، ساره تايلور، وميغن سوليفان... لكن الموضوعية تقتضي التنويه بأن البعض من هؤلاء المهاجرين لم يقفزوا من السفينة، وإنما هي ألقت بهم بعد أن أصبحوا عنواناً لفضيحة مدوية لا تحتملها، أو غدوا عبئاً على مسيرتها المثقلة.

كارين هيوز، تودع وزارة الخارجية، وتغادر الإدارة البوشية، وهي التي كانت تعد الأقرب للرئيس الأمريكي وتربطها به علاقة شخصية أكثر من سواها من القافزين من سفينته، حيث كانت أحد أعضاء الوحدة التي شكلها في عام 2002 تمهيداً للغزو العراق، قالت أنها "فخورة بإنجازاتها"، التي لم تعددها، والتي تنتفي تلقائياً بعد أن أضافت معترفةً بأن تحسين وجه أمريكا، أو إنجاز مهمتها التي أوكلت إليها، تعد "تحدياً طويل الأمد... يحتاج لسنوات"!

عندما استلمت المهمة "الفخورة بإنجازاتها" عام 2005، حددت وزيرة الخارجية كونداليسا رايس آنذاك تلك المهمة، وهي أن كارين هيوز "ستقوم بإزالة الصورة المشوهة للولايات المتحدة". ومن يومها، كان على سيئة الحظ، عديمة الخبرة بالسياسة الخارجية، الجاهلة بشؤون وشجون وثقافة ولغات تلك الأنحاء الإسلامية والعربية التي انتدبت لتسويق حملتها الاستهلاكية التجميلية فيها، لدرجة اعترافها بأنها تجهل "مدى تأثير القضية الفلسطينية في الشارع العربي قبل أن تزور المنطقة" العربية، أن تشمّر عن ساعديها... قامت بزيارات متكررة للمنطقة، افتتحت مكاتب إعلامية، ضاعفت "ميزانية الديبلوماسية العامة "لتغدو 900 مليون دولار... ووقعت، وهي المجتهدة بلا علم، في العديد من زلات اللسان... لكن الصورة "إزدادت سوءاً" حسب استطلاعات لمعهد "بيو" الأمريكي... ومع هذا، وبعد تركها للمهمة المستحيلة قالت رايس وهي تودعها، مادحة ابداعاتها:
"لقد أتاحت لسفرائنا في العالم، الشعور بالراحة، إذا خرجوا للتحدث عن رسالة أمريكا"!!!
رسالة أمريكا؟!

هذا يعيدنا، إلى الأسئلة التي بدأنا بها، وتحديداً، للسؤال الذي لم تجب أمريكا نفسها عليه منذ أن طرحته على نفسها، وحتى اللحظة... أو لعلّها لم تحتمل مقاربة هذه الإجابة، أو لا تقوى على تصورها، انسجاماً بالضرورة مع أعراض اللوثة الاستباقية التي جلبتها رياح جموحها الإمبراطوري... أمريكا لا تفرق حتى اللحظة بين العداء لها والعداء لسياساتها، وعليه، لعلّه هنا كانت تكمن مأساة كارين هيوز المفاخرة بإنجازاتها!

من عجائب الصدف أن تزامنت استقالة كارين هيوز، مع خبر وفاة طيار قنبلة هيروشيما، الذي قيل أنه طلب في وصيته أن يدفن في قبر بلا شاهد. وتزامنت مع مرور 90 حولاً على وعد بلفور المستمر المتكفلة واشنطن برعايته منذ أن تحقق. ومع نبوءة للجنرال جون أبي زيد، الذي ترك ساحات الغزو ليغدو محاضراً في الجامعات الأمريكية... بشّرنا أبو زيد، وهو يتحدث عن العراق:

"مع الوقت سيكون بإمكاننا أن ننقل العبء العسكري من قواتنا إلى القوات المحلية، وأن نقوم بدور غير مباشر، لكن علينا أن لا نتوقع للحظة أن القوات الأمريكية ستكون قادرة على العودة لديارها وأن ترتاح قبل 25 إلى 50 عاماً، لأن الوضع الاستراتيجي لا يظهر أن ذلك ممكن"!

كما يؤكد أيضاً، وبعد أن ربط بين كافة مشاكل المنطقة، أن "أياً من مشكلات الشرق الأوسط لن تحل قريباً"... وعليه، يقول الجنرال: "نحن بحاجة لأن نستعد للصراع المقبل"، أما مبررات هذا الصراع وضرورة البقاء لنصف قرن قادم في بلادنا عنده، فيلخصه بصراحة ووضوح، وهي:
النفط، وإسرائيل، والتطرف... التطرف الذي يعتبره في حال أن أصبح "موجة سائدة"، مدعاة للتحرك "باتجاه ذلك النوع من صراع الحضارات الذي لطالما يتحدث الناس عنه"!

... من السائد أن هذا التطرف هو أيضاً مجهول الأسباب أمريكياً، أسوة بجهل الأمريكيين لأسباب كره الآخرين لهم... لكن يبدو أن هناك في الولايات المتحدة من عثر فجأة على أسبابه... ليتزامن هذا الاكتشاف أيضاً مع استقالة كارين ونبوء الجنرال، وموت طيار هيروشيما... إنه ما تمّ العثور عليه في المذكرات الداخلية التي كان يصدرها دورياً وزير حرب غزو العراق الشهير دونالد رامسفيلد إبان فترة وجوده في البنتاغون، والتي تقول مقتطفات منها نشر بعضها مؤخراً:
إنّ على الرأي العام الأمريكي أن يدرك أنه لن يكون هناك "حد نهائي لحربنا على الإرهاب"... لماذا؟
الإجابة الرامسفيلدية تأتي ضمناً:
لأن "المسلمين في معظم الأحيان ضد الجهد الجسدي، لذا يستخدمون الكوريين والباكستانيين في حين يبقى شبابهم عاطلين عن العمل،"، وبالتالي:
"إن شعباً عاطلاً عن العمل، هو فريسة سهلة للتطرف"!!!
...وبعد، من أين للماكياجات النجاح في تجميل وجه قبيح أغرق الجموح الإمبراطوري ولوثة الإحساس بالقوّة الفائضة في زيادته بشاعة على بشاعته ؟!

التعليقات