31/10/2010 - 11:02

بين عرفات"الإرهابي" وعباس "الضعيف"../ راسم عبيدات*

بين عرفات
... هناك اسطوانة مشروخة دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمختلف ألوان طيفها السياسي على ترديدها في إطار تهربها وتملصها من دفع أية استحقاقات مترتبة على العملية السلمية والمفاوضات مع الفلسطينيين، وهي غياب وجود الشريك الفلسطيني القادر على صنع السلام.

ولعل الجميع يذكر أن الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار عندما وقع على اتفاق أوسلو واعترف بإسرائيل وعدل الميثاق الوطني الفلسطيني، كان شريكاً ممتازاً في العملية السلمية، ولكن سرعان ما تحول الراحل عرفات، والذي تقاسم جائزة نوبل للسلام مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق رابين، من رجل سلام إلى شخص غير مرغوب فيه، وأنه إرهابي، وذلك عندما رفض في "كامب ديفيد" التنازل عن الثوابت الفلسطينية، لكي تصفه الإدارة الأمريكية على لسان وزير خارجيتها السابق كولن باول والجنرال زيني المبعوث الأمريكي للمنطقة، بأنه ليس بزعيم دولة، بل رجل أقرب إلى زعامة "المافيا" والعصابات، ووجوده يشكل عقبة في "طريق السلام وضد مصالح الشعب الفلسطيني"، وأنه لا بد من وجود قيادة فلسطينية مؤمنة بالسلام وتعرف مصالح شعبها، على حد وصفهم.

ومن هنا شنت الدوائر الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية الغربية وبصمت عربي رسمي مريب ومشبوه حملة مسعورة على الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار، بأنه رجل "لا يريد السلام، بل يشجع الإرهاب ويحضنه ويرعاه"، وأوعزت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شارون بممارسة أقصى الضغوط على الرئيس الشهيد أبو عمار، من خلال محاصرته في المقاطعة في رام الله، والضغط عليه من أجل تفويض الكثير من صلاحياته للعديد من القيادات الفتحاوية من أمثال دحلان وعباس، وخصوصاً في الأجهزة الأمنية، واستحداث منصب رئيس الوزراء.

ورغم أن الرئيس الشهيد قدم الكثير من التنازلات في هذا الجانب، إلا أنه لم يعد مطلوباً لا أمريكياً ولا أوروبياً ولا حتى على المستوى العربي الرسمي، بل وبعض الأطراف والقيادات الفلسطينية بما فيها المحيطة به، أصبحت تسعى للتخلص منه، بناء على أوهام ووعود إسرائيلية وأمريكية وأوروبية، بأنه بإزاحة الرئيس الشهيد والتخلص منه، فالشعب الفلسطيني سيأكل اللبن والعسل والدولة الفلسطينية ستقام والاحتلال سيزول، وستتحول فلسطين إلى سنغافورة.

ولكن يبدو أننا لم نستفد من المأثور الشعبي الذي يقول"اللي بيجرب المجرب عقله مخرب" فما أن تولى الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلطة، والذي هو مؤمن بالسلام والمفاوضات كخيار استراتيجي، بل وأكثر من ذلك ذهب إلى حد اعتبار صواريخ المقاومة بالعبثية، وأدان العمليات الاستشهادية، وزاد على ذلك بأن المقاومة التي تفني الشعوب على حد وصفه ليست مقاومة، وعقد عشرات اللقاءات العلنية وأكثر منها سرية هو وطاقمه التفاوضي مع القيادات الإسرائيلية في الحكومة السابقة، وحضر ما يسمى بمؤتمر أنابوليس للسلام، والنتيجة لم تكن صفراً، بل كانت انحداراً وتراجعاً عن الأوضاع السابقة، حيث التمدد والتوسع الاستيطاني تضاعف بأكثر من ستة أضعاف، وكذلك حال الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وعدد الأسرى في السجون الإسرائيلية أقترب من 11 ألف أسير....الخ.

وكل هذا "الاعتدال" وما دأب العرب على وصفه بالواقعية والعقلانية، لم يشفع للرئيس الفلسطيني عباس، لكي يكون شريكاً في المفاوضات، أو في التوصل لاتفاقية سلام وحل للصراع.

بل إن القيادة الإسرائيلية تتعمد إذلال السلطة الفلسطينية، والقول بأن رئيسها ضعيف، وهو غير قادر على ضبط الأوضاع وقيادة الشعب الفلسطيني، وهذا الضعف زاد إلى حد كبير، بعد عملية الحسم العسكري التي قامت بها حماس في قطاع غزة.

ولم تكتف إسرائيل وحكومتها وأجهزتها الأمنية بذلك، بل أرادت أن تظهر تلك السلطة بالعاجزة والمدينة في وجودها، لما تقدمه لها أمريكا وإسرائيل من دعم ومساندة في الجوانب العسكرية والمالية والأمنية. فرئيس الموساد السابق هليفي، ورئيس الشاباك الحالي ديسكن قالا إن إسرائيل تساعد السلطة من خلال إجراء فحص أمني للمنتسبين الجدد للأجهزة الأمنية الفلسطينية، ويشرف على تدريبهم الجنرال دايتون، من أجل خلق "الإنسان الفلسطيني الجديد"، كما ذهب بعض الكتاب إلى وصفه. هذا الإنسان الذي ليس له علاقة بالمقاومة والكفاح والنضال، أو المنتمي لفصائل المقاومة الفلسطينية. ذهب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية غابي أشكنازي إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال إن السلطة الفلسطينية في الحرب العدوانية الأخيرة التي شنتها إسرائيل في كانون أول/ 2008 على شعبنا في قطاع غزة قاتلت جنبا إلى جنب مع القوات الإسرائيلية، ناهيك عن قيامها بتسليم إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بما فيها قذائف هاون ضبطت مع عناصر فصائل المقاومة المختلفة.

ورغم كل هذه الخدمات التي قدمتها السلطة الفلسطينية، ورغم امتداح أجهزة أمنها للتعاون الأمني ما بين السلطة وإسرائيل، فإن إسرائيل لا ترى في السلطة الفلسطينية ورئيسها شركاء في صنع السلام، بل ترى أن الفضل في وجوده واستمراره في الحكم يعود إلى ما تقدمه إسرائيل وأمريكا وأوروبا الغربية من خدمات ومساعدات اقتصادية ومالية وتسليحية، حتى أن رئيس الشاباك ديسكن يقول برغم أن إسرائيل تساعد السلطة في اعتقال الكثيرين من أعضاء حماس، فهناك تخوفات بأنه لو جرت انتخابات تشريعية فلسطينية أن تفوز بها حركة حماس.

ومن هنا علينا القول بأنه واهم من يعتقد بأنه بالمزيد من الاعتدال وتقديم التنازلات المجانية فإن إسرائيل ستقوم بتقديم تنازلات جدية وحقيقية من أجل السلام، فإسرائيل أمام كل تنازل فلسطيني أو عربي تزداد تغولاً وتوحشاً واستباحة للأرض والحقوق الفلسطينية، وما يجري من عمليات تضيق للخناق على شعبنا الفلسطيني في مناطق 48، خير دليل وشاهد على ذلك، حيث تتسابق أحزاب اليمين على تقديم مشاريع قرارات باسم الإئتلاف الحكومي تضرب شعبنا في عمق ذاكرته وانتمائه ووجوده الوطني، حيث تمنع أية أنشطة أو فعاليات أحياء للنكبة، ومحاكمة من يقوم بأي نشاط ينكر فيه يهودية دولة إسرائيل الديمقراطية، بل جرت المصادقة بالقراءة الأولى على مشروع هذا القرار، وحددت عقوبة السجن لمدة عام لكل من يقوم بأنشطة تحريضية على حد زعمهم في هذا الإطار. وكذلك مشروع قرار آخر بربط المواطنة بالولاء لدولة إسرائيل ورموزها، ناهيك عن العديد من مشاريع القرارات التي تحمل طابعاً عنصرياً والتي تستهدف المس ليس بحرية التعبير والرأي لأبناء الشعب الفلسطيني في الداخل فقط، بل تطال وجودهم ومؤسساتهم وأحزابهم وقياداتهم السياسية والمجتمعية.

وأمام هذه السياسة الإسرائيلية الممنهجة والمستهدفة بالأساس الهبوط بسقف تطلعاتنا وحقوقنا الوطنية، فلا مناص أمامنا سوى التمسك بحقوقنا وثوابتنا، وليس التراجع والتنازل والتخلي المستمر عن هذه الحقوق والثوابت.

التعليقات