31/10/2010 - 11:02

جهاز القضاء على العدالة../ المحامي حسين أبو حسين

جهاز القضاء على العدالة../ المحامي حسين أبو حسين
بلغ المرحوم إياد توفيق أبو رعية، قبل استشهاده، تسعة وعشرين عاماً، وكان متزوجاً وكانت زوجته حاملاً أنجبت له ابناً بعد استشهاده بأيام قليلة.

ظروف استشهاد المرحوم والقضية الجنائية التي رفعت ضد المتهمين بالجريمة والعقوبة التي فرضت على المتهمين ما هي إلا مرآة للمشهد القضائي في "بلاد القضاء والعدالة".

"الجريمة" التي ارتكبها المرحوم هي أنه ضُبِط يوم 04/10/2006 متلبساً بجرم دخول إسرائيل دون تصريح عمل، والمكوث مع عمال فلسطينيين آخرين في مخزن عمل في إحدى ورش العمل في يافا.

في اليوم ذاته من أكتوبر العام 2006، قام ثلاثة جنودٍ من حرس الحدود بأداء مهماتهم بالبحث عن عمال فلسطينيين يمكثون في إسرائيل من دون تصريح، تكونت مجموعة الجنود من ضابط وجنديين، أمرهم قائدهم، بعد إلقاء القبض على المرحوم وعاملين آخرين، باحتجاز العمال في مخزن جانبي إلى حين وطلب منهم الجلوس موّجهين ظهورهم إلى الحائط.

قام المتهمون بضرب العمال بالعصي في كافة أطرافهم وتسببوا لهم بكدمات وإصابات بالغة. ضغط المتهم أبراهم تومر (21 عاماً) على زناد بندقيته عندما كان يعدها للرماية، في حالة "غفلة من أمره"، وأودى المرحوم قتيلاً.

قامت النيابة العامة بتقديم لائحة الاتهام ضد تومر ابراهام وزميله يتسحاق قاسه بتهمة القتل، وتم إلغاء لائحة الاتهام لاحقاً ضد قاسه بتهمة القتل واستبدالها بتهمة الاعتداء الجسدي، الذي تسبب بإصابة بالغة وفرضت عليه عقوبة السجن الفعلي لمدة ستين يوماً، على أن يقوم المتهم بأدائها من خلال الخدمة الجماهيرية، وثمانية أشهر مع وقف التنفيذ. أما المتهم تومر فقد تمّ تعديل وقائع لائحة اتهامه، إلا أن التهمة التي نُسِِبَتْ إليه بقيت القتل دون سبق الإصرار، حيث أن العقوبة المنصوص عليها قانونياً السجن الفعلي لمدة عشرين عامًا.

لم ينكر تومر وقائع التهمة التي نسبت إليه واعترف أنه تسبب في قتل المرحوم، إلا انه ادعى عدم توفر القصد الجنائي المطلوب لإدانته بتهمة القتل غير المعتمد.
يناقش القاضي عوديد مودريك، في حيثيات قراره ادعاء وكيل المتهم، مسألة عدم دراية موّكله لواقعة عدم إقفال بيت النار قبيل الضغط على الزناد، رافضاً إياها ومسوغاً ذلك أن إدراك المتهم بحيازة السلاح- أداة خطرة من شأنها التسبب في القتل- وإدراكه بإعداد البندقية للرماية والضغط على الزناد وتوجيهه باتجاه شخص ما تشير إلى تَوفُر العنصر المادي والنفسي لاقتراف جريمة القتل.

يسهب القاضي مودريك، في قراره، قائلاً إن شخصاً يوّجه سلاحه المعدّ لإطلاق النار باتجاه شخص آخر، ويقوم لاحقاً بالضغط على الزناد، هو بمثابة شخص واعٍٍ للمخاطر المحفوفة بعمل كهذا. فعليه قرر "سعادة" القاضي إدانة المتهم بتهمة اقتراف جريمة القتل غير المتعمد وكان ذلك يوم 09/11/2008، وبعد استلام تقرير من دائرة "شؤون تأهيل الجناة"، حول المتهم وظروفه العائلية تقدمت النيابة العامة إلى المحكمة طالبة إيقاع "عقوبة قصوى" على المتهم بواقع سجن فعلي لمدة ثلاثة سنوات.

تقول المحكمة في مسوغات قرارها إن المتهم بطبيعته ليس مجرماً وعنيفاً أو خارجاً على القانون، وليس من الحق بمكان وصمه أو وصم الدولة، بسبب فعلته، كما يحلو لـ"الأغيار" قول ذلك موّجهين اللوم والنصائح لغيرهم وهم متناسين لأنفسهم.

ومن هنا يمهّد القاضي السبيل لنفسه كي يفرض على المتهم عقوبة السجن الفعلي لمدة عام وفقاً لطلب النيابة رافضاً طلب النيابة إلزام المتهم بتعويض عائلة المرحوم.

سبحان الخالق، تتنفس "واحة الديمقراطية" عدلاً ولا تفرق بين البشر. قتل إنسان فلسطيني بدم باردٍ لمجرد بحثه عن قوت لامرأته الحامل ورضيعها بعد حين، يصبح أمراً عادياً ولا يستحق قاتله أكثر من عقوبة السجن لمدة عام.

إن تواطؤ الجهاز القانوني برمته بدءاً بالشرطي ومروراً بالنيابة العامة ووصولاً إلى كرسي القاضي حيال جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين ما هي إلا نتيجة طبيعية لواقع الفصل العنصري ومشهد الابرتهايد الإسرائيلي.

لم تتقدم إسرائيل كثيراً منذ النكبة حين اقترفت جرائم حرب ضد شعب برمته ولم تعاقب، ولاحقاً قامت أجهزتها ومؤسساتها متضامنة متكافلة ببناء هيكل قانوني متكامل للدفاع عن واقع سلب واضطهاد وتشريد. خمسون عامًا مرت منذ محكمة مجرمي كفر قاسم وقرش شدمي، وها هي إسرائيل تحتفل بعامها الستين مكرّسة الوقائع نفسها وممعنّة في اعتبار حياة الفلسطينيين رخيصةً.

يقبع في السجون الإسرائيلية آلاف مؤلفة من الأسرى الفلسطينيين الذين حكمت إسرائيل عليهم أحكامًا مؤبدة لمجرد وجود أدلة هامشية أشارت إلى ضلوعهم في التخطيط لعمليات ضد إسرائيليين، أما عندما يكون المجرم إسرائيليا والضحية فلسطينيا "تختل الموازين".

يبقى الجهاز القضائي الخادم الأمين والمطيع لدى أنظمة القمع والاضطهاد وإن تقدم شكليًا وتقنياً، وتكشف لنا آلهة العدالة عن وجهها كي تحطم ميزانها على رؤوس ضحاياها.
لو طلب إلى طلاب الصفوف الابتدائية التعليق على قرار التسامح مع قاتل إياد أبو رعية وسجنه لسنة واحدة فقط، ربما وجدنا بعض الإجابات التالية: عنصرية.. ظلم.. قرف...إذلال.. قمامة... رائحة بول...

التعليقات