31/10/2010 - 11:02

حالة التقاطب واستراتيجية الأمن القومي العربي../ خالد خليل

حالة التقاطب واستراتيجية الأمن القومي العربي../ خالد خليل
من الواضح أن النظام الرسمي العربي، الذي يتزعمه المحور المصري-السعودي ومعظم الأنظمة العربية السائرة في فلكه هجر نهائياً نظرية الأمن العربي المستقل نحو مزيد من الإنخراط في الإستراتيجية الصهيونية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والتي تسعى بوضوح وفقاً للوثائق الأمريكية والإسرائيلية إلى:
1. السيطرة التامة على الموارد الرئيسية للمنطقة
2. تعميق الصراعات الطائفية والعرقية في سبيل تفكيك الدول العربية
3. السيطرة الأمنية المحكمة على المنطقة من الداخل والخارج
4. السيطرة الثقافية والحضارية من خلال الحصار الثقافي والتعليمي المنهجي لتعميق الإغتراب الثقافي

ويمكن التأريخ الرسمي لهذا الهجر منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد التي عزلت مصر عن العالم العربي، وحولتها إلى دولة تابعة للإستعمار بكل ما للكلمة من معنى، وأسست لحالة من العجز وفقدان ما يسمى اليوم باستراتيجية الأمن القومي. وتجلى ذلك في جميع الحروب والمعارك التي خاضتها إسرائيل وأمريكا في منطقة الشرق الأوسط بدءً بحرب لبنان عام 1982 ومروراً بغزو العراق عام 1991 و 2003 وحرب لبنان الأخيرة عام 2006 والعدوان على غزة 2008 و 2009.

ففي جميع هذه المحطات وقف المحور المذكور إلى جانب إسرائيل وأمريكا، سراً في حالة لبنان وفلسطين، وعلناً في حالة العراق. (لا بد من الإشارة هنا إلى أن الموقف السوري لم يكن منسجماً في حالة العراق في الغزوين الأول والثاني مما يستدعي مراجعة نقدية لتقويم هذا الخطأ التاريخي).

اللافت أنه في مقابل هذا المحور المتهادن حد العمالة، لم يتشكل محور متماسك، لا على مستوى التنظيم ولا على مستوى الإستراتيجية، لمواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي. وهذا باعتقادي ما يفسر عدم "التماسك المنطقي" في الموقف السوري والإيراني تجاه القضية العراقية والذي حكمته مصالح قطرية ضيقة تعود جذورها إلى صراعات تاريخية بين حزبي البعث في سوريا والعراق، وإلى اعتبارات مذهبية، في حالة إيران، مما أدى إلى "تحالف" مع المستعمر وأدواته الذين تسلموا السلطة على متن الدبابات الأمريكية.

هذا الوضع أربك إلى درجة عالية حركات التحرر الوطني في العالم العربي والمنطقة وعطل عملية التطور الطبيعي لتيار المقاومة والممانعة، لا بل وضعه في مأزق أمام جمهوره المنحاز بالفطرة لكل ما هو مناوئ للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، وعمق عند هذا الجمهور الإحباط والشعور بالعجز أمام المتغيرات السياسية العالمية والإقليمية، الأمر الذي رشح الصراعات الطائفية والمذهبية لأن تتبوأ مكان الصدارة في منطقتنا بما يتلاءم واستراتيجية التفكيك المنهجي للدول العربية وتحويلها إلى كيانات طائفية، وفقاً لنظرية الأمن القومي الأمريكية – الإسرائيلية المعتمدة في الشرق الأوسط حتى نهاية ولاية جورج بوش.

أوباما – تغيرات غير جوهرية

لا شك أن صعود أوباما إلى الحكم في أمريكا حمل معه تغيرات في الموقف والتوجهات وأساليب التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، خاصة في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة للولايات المتحدة والتي تتربع على صدارة أولويات الإدارة الجديدة.

ويبقى السؤال هل هناك تغيرات جوهرية في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟! أم أنها تغليب مرحلي لفلسفة الدبلوماسية على فلسفة القوة.

يبدو أن الأزمة الإقتصادية الأمريكية والعالمية ستطول مما قد يحتم مرحلياً تغليب الدبلوماسية على الحروب وإعطاء فرصة لإيجاد حلول اقتصادية للأزمات الإقتصادية الراهنة، وهذا ما يتضح دون كبير جهد من تصريحات وتعيينات وسلوك اوباما السياسي قبل وبعد توليه الحكم.

السياسة الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط تتجه إلى انفتاح في العلاقات مع إيران وسوريا من منظار الأزمة الإقتصادية، وليس على أساس تغير جدي في الرؤية أو استراتيجة الأمن القومي الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة، حيث لم تنطلق حتى الآن إشارات لتغيير جوهري، لا تجاه اسرائيل ولا تجاه خلق توازنات جديدة. بل هناك إمعان من عملية تعزيز الحلف العربي الرسمي لأمريكا واستدراج سوريا إلى تحسين علاقاتها مع هذا الحلف من خلال محاولات المصالحة الأخيرة مع السعودية ومصر، حيث أن جلسة المصالحة في قمة الكويت لم تكن عفوية بقدر ما هي موجهة أمريكياً، خاصة بعد حالة الفرز والإستقطاب التي خلقتها قمة غزة الطارئة في الدوحة والخطاب الواضح والجريء لبشار الأسد الذي رسم استراتيجية واضحة لتيار الممانعة والمعارضة للمشروع الأمريكي – اسرائيلي في منطقتنا، ورسخ حالة التقاطب على أساس المواجهة مع هذا المشروع.

التحركات الأخيرة بين دمشق، الرياض، والقاهرة وتبادل الزيارات تندرج كما يبدو ضمن تلك التوجيهات الأمريكية للحلفاء العرب في محاولة لعرقلة أو تأجيل تشكل محور ممانع، كما كان متوقعاً جراء قمة غزة الطارئة في الدوحة، يضم في داخله دولاً وحركات معارضة ومقاومة بالإضافة إلى إيران. (لم نر منذ زمن طويل مندوبا لحركة المقاومة متحدثا رئيسيا في القمة العربية كما حدث في قمة الدوحة مع خالد مشعل).

التحركات الأمريكية في المنطقة تؤشر باتجاه تركيز واضح على منع تنظيم هذا المحور دون استخدام القوة التي أثبتت فشلهاً وساهمت بشكل أساسي في تفاقم الأزمة الإقتصادية الأمريكية على وجه التحديد.

وبمقتضى الحسابات الأمريكية فإن السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف هو خلق حالة من الإنفراج في العلاقات السعودية السورية، وبالتالي المصرية السورية والتي من شأنها تهيئة الظروف المناسبة لعرقلة حالة التمحور على أساس المعاداة للمشروع الأمريكي. وليس من المستحيل أن يصبح هذا السيناريو في دائرة التحقق إذا ما تم الإعداد الصحيح له وتوفير المقومات والآليات اللازمة وخاصة الاقتصادية منها والدبلوماسية.

أما من وجهة نظر التيارات المناهضة للمشروع الأمريكي وبشكل خاص حركات المقاومة، فإن استحالة بلورة مشروع الأمن القومي بالمشاركة مع النظام العربي الرسمي التابع لأمريكا أمر مفروغ منه كما تدلل تجارب الماضي والحاضر. والرهان على ذلك يزيد من حدة التنافر بين المتوقع والمتحصل نحو مزيد من المفاجآت وخيبات الأمل التي أصبحت سمة من سمات التكوين النفسي والثقافي للمواطن العربي.

فما المطلوب إذن؟ وهل هناك إمكانية لسيناريو مقابل للسيناريو المذكور آنفا؟...
لا شك أن تطرف السياسة الأمريكية والإسرائيلية في عهد جورج بوش، ساهم في تعميق الفرز على الساحة العربية بشكل لم يسبق له مثيل، وتجلى ذلك تحديدا في الساحات الملتهبة: العراق، لبنان وفلسطين. ونكاد نجزم أن كل محاولات المصالحة المصطنعة هذه الأيام والأيام التي خلت، لا تترك أثرا في وجدان وقناعات الناس، الذين باتوا لا يعلقون آمالا على الأطراف التي لا تناوئ علنا المشروع الأمريكي. فلا السلطة الوطنية الفلسطينية ولا فريق الرابع عشر من آذار أو نظام الحكم في العراق يحظون بالحد الأدنى من الاحترام داخل ساحاتهم الوطنية، بقدر ما يحظون بنفوذ تضمنه السلطة والدعم الخارجي لهم.

إن تعميق الفرز والتقاطب لا ينفي توجهات السعي إلى التوافق المحلي والإقليمي والتفاعل إيجابيا معه. بل إن السياسة التوافقية إذا ما أحسن إدارتها كجزء من المشروع المناهض واضح المعالم، تمثل احتمالا لزيادة قوة هذا المشروع وفرص نجاحه. وعلى العكس من ذلك فإن اتخاذ السياسة التوافقية بديلا لتعميق الفرز والتقاطب، سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من المفاجآت السلبية.

التعليقات