31/10/2010 - 11:02

حينما يصبح الأسود رئيسا لأمريكا../ يونس العموري*

حينما يصبح الأسود رئيسا لأمريكا../ يونس العموري*
هل انت مؤيد لأوباما..؟؟ هل تعتبر أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد حملت التغير لأمريكا وللعالم.؟؟ هل هو زلزال التغير والانتصار لمعاناة السود في بلاد العم سام..؟؟ هل عجلة التاريخ تسير باتجاهها الصحيح..؟؟ كيف سينظر العالم الآن إلى ذاته بعد 4\11\2008 على اعتبار أن الرجل الأسود والذي ظل لعقود إنسانا من الدرجة العاشرة...؟؟ هل هو حلم مارتن لوثر كينج يتحقق..؟؟ وهل دموع القس جيسي جاكسون عشية نصر أوباما لها دلالات ومعان أخرى لسود أمريكا...؟؟ وهل البيض قد اقتنعوا اخيرا بأن الأسود جميل ويستطيع ان يلقي على مسامعهم خطاب النصر بحضرة سيدة العالم...؟؟

أسئلة تصارعت بأذهان كل أجناس البشرية، فهو مشهد له كل المعاني والدلالات، ويحمل معه أيضا مفاهيم انتصار الحرية، وانتصار إرادة الإنسان أولا، وتراكمات الانجاز والبناء عليها، وأن للشعوب إرادة لا يمكن أن تسحق أو تستكين.

إذن أصبح لأمريكا رئيسا أسود، يحمل على أكتافه أنات العبيد والاستعباد، وتاريخ القتل بشوارع شيكاغو، وربما الأمل بإعادة صياغة المفاهيم من جديد لطبيعة وشكل التعاطي الانساني. فأمريكا اليوم تحدث الإنقلاب الأخطر بحياتها وبمصيرها، فهل هي الصرعة الأمريكية الجديدة لإلباس بلاد العم سام الثوب الجديد للبيت الأبيض,,؟ أم أنه الأمل الفعلي بالتغير والمصالحة مع الذات الجماعية الأمريكية وإعادة صياغة مفاهيمها وقراءة تاريخها بأبجديات العصر الجديد..؟؟

هو التعبير عن الصدمة التي عايشها ويعايشها الأمريكيون منذ أن تولى بوش سدة الحكم وتلاعب بمصيرهم بعد أن أفقد أمريكا ألمعيتها وأحالها الى واحة لممارسة طقوس المحافظون الجديد وأنهم أولياء الله على الأرض وينفذون رغبات الرب بحق العباد....

وهو الأمل بالتغير الذي دفع كل الناخبين الأميركيين إلى الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لانتخاب «حصانهم الأسود»، هذا الأمل الذي أصبح طوقا للنجاة من غرق وانهيار أمريكا بعد أن عصفت بها كل سياسات الجنون حتى الإستكبار، والذي استشعره ويستشعره كل بسطاء الشعب الأمريكي... بل بات مقلقا لكل شعوب المعمورة...

لن يقف العالم على الحياد ولا يستطيع أن يقف على الحياد بالمطلق حينما يستمع لكلام الرئيس العتيد فهو الرهان لإعادة العقلنة لسياسات البيت الآبيض ولإعادة الأمور إلى نصابها الإنساني بعيدا عن التغول وممارسة سادية الدولة الأعظم....

من كل الأمكنة ومن كل أرجاء البسيطة كان الترقب سيد الموقف لكلام الساحر الأسود الجديد، من القصور الفارهة ومن قاعات صناعة السياسات والمواقف ومن خلف كواليس ترتيب الأوراق ورسم السيناريوهات، من السجون والمعتقلات، ومن باستيلات المارينز بالعراق وغوانتانامو، من على أرصفة الشوارع، من أكواخ القش بالقارة السمراء، ومن على شواطئ البحار كان الإنتظار لما سيقول.

يحق له أن يقول ما يقول ففي عينية ألمعية النصر واسترداد لكرامة داستها نعال الانسان المتغول. وقف شامخا وقال ما قال، وانتظروا الف سنة لسماع صدى اصواتهم ولصراخاتهم ولأنين عذاباتهم، انتظروا منذ ان جاءوا لهذه الحياة لمن ينصفهم ولمن يعتلي العرش باسمهم...

في عيونهم كرامة المنتصر، وفي رصانه كلامه قلق التحديات التي استقرت على كاهله، حاول أن يعيد الأمور إلى نصابها فأصابت كلماته أعماق كل المؤمنين بعدالتهم وبعدالة ربهم بأن يستوي على العرش من مثلهم ومن منهم. فزمجر الأسود باسمهم قائلا (الى من يريدون تهديم هذا العالم، سنهزمكم. الى من يسعون الى السلام والأمن، سندعمكم. والى كل الذين تساءلوا عمّا إذا كانت منارة أميركا لا تزال تشعل بإشراقتها، الليلة برهنّا مرة اخرى أن قوة أمتنا الحقيقية تأتي ليس من جبروت سلاحنا، أو حجم ثروتنا، بل من القوة المستمرة لمثلنا الديموقراطية والحرية والفرص والأمل الذي لا يتزعزع).

والآن ومن خلال نظرة تآمل وبإعادة القراءة لهذا النصر لابد من التوزان بشيء من الزهو أيضا، فلابد من استذكار تراكمات نضالاتهم حتى يكون للفقراء السود رئيسا منهم، فقد كانوا يعملون على صناعة وخلق اللحظة هذه، حينما كان الضرب سيد الموقف وحين أدركت نساء سوداوات المسافة الزمنية بين العصيان المدني وحقهن بالتصويت، وحين استيقظ أطفال سود على رمز يشبههم يتطلعون إليه. بعدما أُعتقلت روزا باركس في عام ١٩٥٥ لأنها رفضت إخلاء مكانها لراكب أبيض على حافلة عامة، وكسر مارتن لوثر كينغ طوق الفصل العنصري في شوارع ألاباما.

جاء الكلام واضحا لدرجة أنه كان صارخا مباشرا معبرا عن الجميع فقد قال أوباما (إذا كان لا يزال من أشخاص يشكّون في أن كل شيء ممكن في أميركا، ويتساءلون ما إذا كان حلم آبائنا المؤسسين لا يزال حياً، أو يشكّون في قوة ديموقراطيتنا، فهذا المساء جاء ردكم). وأردف أيضا (الطريق أمامنا ستكون طويلة.. قد لا نصل الى هناك في عام واحد، أو حتى في ولاية واحدة، لكن، لم أكن يوما أكثر تفاؤلا مما أنا عليه الليلة بأننا سنصل هناك. أعدكم بأننا كشعب سنصل الى هناك).

يحق له أن يرد على استفسارات الجميع، وتساؤلات الكل، فهو الآن سيد العالم الأول، وكونه الآتي من عمق التاريخ، لابد له من يتمنطق بلغة الواثق على صناعة الموقف، والناظم لإيقاعات دق طبول تفاؤل المهمشين، وكونه قد أضحى السيد الرئيس فعلا فقد أصبح الناطق باسم أمته وسيتشرق الأمل لإعادة موازيين حقيقتهم.

بالمقابل فإننا يا أيها الأسود الرئيس لن نمعن بالتفاؤل ولن نملأ دنيانا أفراحا، ولن نزغرد على نصركم فإننا نعلم ونعرف معادلتكم، ونعي حقيقة قوانين لعبة أمريكا وتغولها، فنحن هنا قابعون لن ننتظر الإشارة منكم فحسب، بل سنسير على درب أجدادنا الذين كانوا أجدادا لنا ولكم حينما كانوا يأتون حجيجا مستبشرين بأرض الأنبياء ليكون لهم الخلاص، وسنواصل نضالاتنا بالتصدي لمحاولة شطبنا وإحالتنا إلى عبيد القرن الجديد. وكما هي عاداتنا سنحاول أن نخترق جدران سمعكم لتسمعوا ضجيج كلماتنا الآتية من عمق قرانا وحوارينا ومخيمات البؤس والشقاء في محاولة منا لقول الكلام الفصيح الحامل في طياته إصرارنا على الحياة والحب كأناس لهم الحق بالحياة في اطار الحرية والسيادة والاستقلال.

تأكد أيها العابر إلى دهاليز البيت الأبيض، الذي بناه اجدادك المستعبدين، اننا لن نستجدي حريتنا، بل لابد لنا من انتزاعها من أنياب التنين الرابض على وقائعنا ولحظات عيشنا، وسنفرض أيضا قوانيننا ولن نبرح امكنتنا وسنبقى مؤمنين بإنسانيتنا وبحقنا بأوطاننا وأن نكون كما يجب ؟أن نكون أسيادا في دهاليز أمكنتنا.

هو الحلم من جديد يولد معنا مع كل إشراقة صبح، وهو التوق للحياة، كما كان حلمكم وتوقكم، وكما سيكون تربعكم على عرش امبرطوريتكم، سيكون لنا أيضا موعد مع صباحنا من خلال انتزاعنا لحقوقنا. ونؤكد بهذا السياق أننا وبصرف النظر عن توجهاتكم وعن قوانين إدارتكم الجديدة إننا فرحنا لانتصار أمريكا وفقراء سيدة العالم.

التعليقات